الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
[حديث غدير خم، وزيادة الشيعة فيه لفظ ومعنى]
وأما ذكره من استدلاله بحديث غَدِير خُمٍّ، وأنه ورد من روايات جماعة من الصحابة، فقد قدَّمنا الجواب عنه، وقد بيَّن أهل العلم أنه لا يدل على ما ذهب إليه الروافض والزيدية؛ لأن المولى يطلق على معاني متعددة.
وأما قوله: "اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، وأعن من أعانه"، فهذا ليس في الأحاديث الصحيحة التي صحَّحها أهل العلم بالحديث، بل طعن كثير منهم في هذه الزيادة، قالوا: والواقع يشهد بكذبها؛ لأن النصر والغلبة والإعانة وقع لمن حاربه وقاتله، ومعلوم أن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم مجاب، فلو كان هذا حقا وصدقا لوقع الأمر بخلاف ما وقع، وأنت لا تنكر أن الغلبة والظفر والإعانة كان لمن قاتله وحاربه، فبطل ما ذكرت -ولله الحمد والمنة-.
وأكثر هذه الأحاديث التي ذكرها في أول هذا الاعتراض وآخره قد بين أهل العلم بالحديث أنها كذب موضوعة مفتراة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم من العجب استدلاله بكلام عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه حين ذكروا عثمان وعليا وطلحة والزبير رضي الله عنهم وما كان منهم، فأكثروا وعمر ساكت، فقال القوم: ألا تتكلم يا أمير المؤمنين؟ قال: "لا أقول شيئا، تلك دماء طَهَّرَ الله منها كفي، فلا أغمس فيها لساني". اهـ.
وهذا هو الذي أراد المجيب؛ لأن الله أثنى عليهم في كتابه جملة قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} 1، وأثنى على من جاء بعدهم، فدعا لهم بالمغفرة، فقال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 2.
فإن قلت: إن هؤلاء الآيات في السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار،
1 سورة الفتح آية: 29.
2 سورة الحشر آية: 10.
قلنا: جاءتك قاصمة الظهر، وهي قوله تبارك وتعالى:{لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} 1.
[أحاديث في مناقب معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما]
ومعلوم بإجماعنا وإجماعكم أن معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما ممن أسلم بعد الفتح، والأحاديث الواردة في فضل معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما قد رواها مَنْ روى تلك الأحاديث في فضل علي رضي الله عنه وأهل البيت، فإما أن تقبل الجميع، وإما أن ترد الجميع، وأما أن تقبل ما وافق هواك، وترد ما خالفه بلا برهان ولا حجة يوافقك عليها أهل المعرفة، فهذا تناقض، وقد قال السيوطي: أخرج الترمذي وحسَّنه عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الصحابي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاوية: "اللهم اجعله هاديا مهديا"2.
وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن العرباض بن سارية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم علمه الكتاب والحساب، وقه العذاب"3.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف والطبراني في الكبير عن عبد الملك بن عمير قال: "قال لي معاوية رضي الله عنه: ما زلت أطمع في الخلافة منذ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معاوية، إذا ملكت فأحسن".
وأخرج الترمذي عن أبي إدريس الخولاني قال: "لما عزل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمير بن سعد عن حمص، وولَّى معاوية رضي الله عنه، فقال الناس: عزل عميرا وولى معاوية، فقال عمير: لا تذكروا معاوية إلا بخير، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم اهد به"4.
وقال آدم عن حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "أبناء العاص مؤمنان عمرو وهشام"5 وقال عبد الجبار بن الورد عن ابن أبي مليكة قال طلحة: "ألا أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
1 سورة الحديد آية: 10.
2 الترمذي: المناقب (3842) ، وأحمد (4/ 216).
3 أحمد (4/ 127).
4 الترمذي: المناقب (3843).
5 أحمد (2/ 304).