الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ} 1: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه، أو يكون عونا لله، ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب. فالشفاعة التي يظنها المشركون منتفية كما نفاها القرآن، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده، لا يبدأ بالشفاعة أولا، ثم يقال له:"ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع"2. وقال له أبو هريرة رضي الله عنه: "من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه"3، فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله، ولا تكون لمن أشرك بالله.
وحقيقته أن الله سبحانه هو الذي يتفضَّل على أهل الإخلاص؛ فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع ليكرمه، وينال المقام المحمود، فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك؛ ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تكون إلا لأهل الإخلاص والتوحيد. انتهى.
[نفي الملك والشركة والمظاهرة والشفاعة التي يطلبها المشرك]
وقال العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى- في مدارج السالكين: "وقد قطع الله الأسباب التي يتعلق بها المشركون جميعها، فقال الله تعالى:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ} 4. فالمشرك إنما يتخذ معبوده لما يحصل له به من النفع، والنفع لا يكون إلا ممن فيه خصلة من هذه الأربع: إما مالك لما يريد عابده منه، فإن لم يكن مالكا كان شريكا للمالك، فإن لم يكن شريكا له كان معينا له وظهيرا، فإن لم يكن معينا ولا ظهيرا كان شفيعا عنده، فنفى -سبحانه- المراتب الأربع نفيا مرتبا منتقلا من الأعلى إلى الأدنى، فنفى الملك والشركة والمظاهرة والشفاعة التي يطلبها المشرك، وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لمشرك، وهي الشفاعة بإذنه. فكفى بهذه الآية نورًا
1 سورة سبأ آية:22، 23.
2 البخاري: التوحيد (7410)، ومسلم: الإيمان (193)، وابن ماجه: الزهد (4312) ، وأحمد (3/ 116 ،3/ 144 ،3/ 244 ،3/ 247)، والدارمي: المقدمة (52).
3 البخاري: العلم (99) والرقاق (6570) ، وأحمد (2/ 373).
4 سورة سبأ آية:22، 23.
وبرهانا وتجريدًا للتوحيد وقطعًا لأصول الشرك ومواده لمن عقلها، والقرآن مملوء من أمثالها ونظائرها، ولكن أكثر الناس لا يشعرون بدخول الواقع تحته وتضمنه له، ويظنه في نوع وقوم قد خلوا من قبل، ولم يعقبوا وارثا، فهذا هو الذي يحول بين القلب وفهم القرآن. ولعمر الله إن كان أولئك قد خلوا فقد ورثهم من هو مثلهم أو دونهم، وتناول القرآن لهم كتناوله لأولئك"، إلى أن قال: "ومن أنواعه -أي الشرك-: طلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم والتوجه إليهم، وهذا أصل شرك العالم، فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فضلا عن أن يملك لمن استغاث به، وسأله قضاء حاجته، أو سأله أن يشفع له إلى الله، وهذا من جهله بالشافع والمشفوع عنده، فإنه لا يقدر أن يشفع له عند الله إلا بإذنه، والله لم يجعل استغاثته وسؤاله سببا لإذنه، وإنما السبب لإذنه كمال التوحيد.
فجاء هذا المشرك بسبب يمنع الإذن، وهو بمنْزلة مَنْ استعان في حاجته بما يمنع حصولها، وهذه حالة كل مشرك، فجمعوا بين الشرك بالمعبود وتغيير دينه، ومعاداة أهل التوحيد ونسبة أهله إلى النقص بالأموات، وهم قد تنقَّصوا الخالق بالشرك به، وأولياءه الموحدين له بذمهم وعيبهم ومعاداتهم، وتنقَّصوا مَنْ أشركوا به غاية التنقص إذ ظنوا أنهم راضون منهم بهذا، وأنهم يوالونهم عليه. وهؤلاء هم أعداء الرسل في كل زمان ومكان، وما أكثر المستجيبين لهم! قال: وما نجا من شرك هذا الشرك الأكبر إلا من جرَّد توحيده لله، وعادى المشركين في الله، وتقرب بمقتهم إلى الله، واتخذ الله وحده وليه وإلهه ومعبوده، فجرَّد حبه لله، وخوفه لله، ورجاءه لله، وذله لله، وتوكله على الله، واستعانته بالله، والتجاءه إلى الله، وأخلص قصده لله متبعا لأمره متطلبا لمرضاته. إذا سأل سأل الله، وإذا استعان استعان بالله، وإذا عمل عمل لله وبالله ومع الله". انتهى.
فرحم الله هذا الإمام وشيخه فلقد بينا حقيقة الشرك وطرقه وما يبطله.