الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دون الله كما قال تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 1 قال ابن جرير: يعلمون حقيقة ما شهدوا به. وقال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} 2 وصحت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بذكر هذه الشروط كلها، ومن لم يكن كذلك لم تنفعه لا إله إلا الله؛ لأن القول بلا علم هباءٌ.
قال شيخ الإسلام: ومَنْ فَقَدَ الدليلَ: ضَلَّ السبيلُ.*
وكذلك من يقولها، وهو لا يجهل مضمونها ومقتضاها، لكن يمنعه مِن قَصْد ذلك واتِّبَاع الحق، والعمل به مَوَانِعٌ من آفات النفوس. فتجده ينكر التوحيد تارة، ويبغض أهله، ويُحب الشرك وأهله، كحال الذين قالوا:{قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} 3 قال الله -تعالى-: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} 4.
فلو أن مجرد القول ينفع بدون الإخلاص والصدق واليقين القلبي لنفع هؤلاء، فكذلك من يقول ظَانًّا أنه أتى بمضمونها ومقتضاها، ويأتي بما يناقضها من موالاة المشركين، ومظاهرتهم على المسلمين والاستبشار بنصرهم وظهورهم، وغير ذلك من الأمور التي عَدَّهَا العلماء من نواقض الإسلام.
قال الله تعالى: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ} 5 الآية، وقال تعالى:{وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ * وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 6، ومعنى:{وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ} 7 أي: إلى توحيده واتباع أمره وترك نهيه، ثم قال:{وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} 8.
[بعض أعمال المنافقين وأقوالهم التي عُدَّت كفرا]
فذكر أمورًا أربعة، كلها تُنَافِي قول لا إله إلا الله. يحقق ذلك نَهْيُ الله تبارك وتعالى عبادَهُ المؤمنين عن موالاة أعدائه في أول سورة الممتحنة وفي غيرها، وقال:{وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} 9.
وتدبر تلك الآيات، وما رتب الله -تعالى- من الوعيد الأكيد والعذاب الشديد
1 سورة الزخرف آية: 86.
2 سورة محمد آية: 19.
* نقلها عنه تلميذه الإمام ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" 1/ 83 بلفظ: "من فارق الدليل ضل السبيل". وقد أدرجت ضمن "المستدرك على مجموع الفتاوى" 2/ 6. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]
3 سورة المنافقون آية: 1.
4 سورة المنافقون آية: 1.
5 سورة الأحزاب آية: 26.
6 سورة القصص آية: 86.
7 سورة القصص آية: 86.
8 سورة القصص آية: 88.
9 سورة الممتحنة آية: 1.
ونفي الإيمان، وحبوط الأعمال على هذه الأمور التي لا يَعُدُّهَا مَنْ وقعتْ منه كبيرَ ذنب، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وبالجملة فلو بقي لهؤلاء دين -مع ذلك- لسلموا من العقوبات؛ لأن الإيمان أمن، والإسلام سلامة، كما قال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} 1؛ فإن تدارك الله من شاء منهم بتوبة نصوح فهو فضله سبحانه وإلا فيا خسرهم.
وقد بَيَّنَ الله -تعالى- في كتابه كثيرا من نواقض الإسلام والإيمان؛ فإن سبب نزول قوله تعالى: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} 2 أن أناسا كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك يجاهدون عدوه، فقال رجل منهم: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، أرغب بطونًا، وأكذب ألسنة، وأجبن عند اللقاء، فأنزل الله هذه الآية.
والقصة مشهورة في التفسير وكتب الحديث، فانظر كيف أبطلوا إيمانهم وكفروا بربهم، فلم ينفعهم قول لا إله إلا الله، ولا صلاتهم، ولا جهادهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} 3 نزلت -على ما ذكره المفسرون- في الجلاس بن عمرو، قال: إن كان ما يقول محمدٌ حَقًّا فنحن شر من الحمير، ولو يقولها أحد في زماننا هذا لم يعد كافرا ولا عاصيا. ولا ريب أن هؤلاء كانوا يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويصلون ويزكون ويجاهدون، ولم يُظَاهِرُوا على المسلمين عدوا.
وكذلك أهل مسجد الضرار كانوا من جملة الأنصار، وفعلوا ما هو في الظاهر قربة، فلما أضمروا خلاف ما أظهروا أنزل الله في شأنهم:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ} 4، وهو أبو عامر الفاسق. قال الله -تعالى-: {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى
1 سورة الأنعام آية: 82.
2 سورة التوبة آية: 66.
3 سورة التوبة آية: 74.
4 سورة التوبة آية: 107.