الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
(زعم الزيدي أن الوهابي كفّر من خالف مذهبه، وإبطاله)
وأما قوله: أولم تدر أنك ضللت، وكفّرت من خالف مذهبك؟ استنادًا إلى الأوزاعي الذي يدعي أن الحق معه، وأن التابعين أجمعوا على ما ادعاه.
(فالجواب) أن يقال: في هذا الكلام من الكذب والظلم والجهل أنواع كثيرة:
(الأول) قوله: إنك ضللت، وكفّرت من خالف مذهبك في مسألة الصفات، فإن الأمة اختلفوا في هذه المسائل اختلافا كثيرا، ولم يكفّر بعضهم بعضا، وإنما يكفّرون من خالف نص كتاب أو سنة، وقامت عليه الحجة، واعتقد أن الحق خلاف ذلك. وأما نحن فلم نكفّر أحدا بهذه الأمور، وإنما كفّرنا من أشرك بالله، وعبد معه غيره، وقامت عليه الحجة، واستهزأ بالدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله، أو شيء منه، أو كرهه وأبغضه.
والأدلة على ذلك كثيرة في الكتاب والسنة كقوله -تعالى-: {مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} 1. وقال -تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 2. وقال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 3. وقال -تعالى-: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ} 4 الآية. وقال -تعالى-: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} 5. وقال -تعالى-: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} 6.
(الثاني): قوله: استنادًا إلى الأوزاعي، الذي ادعى أن الحق معه؛ لأن الأوزاعي رحمه الله لم يدع أن الحق معه، بل ذكر أن مذهبه هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وما أجمع عليه التابعون. ومعلوم أن الحق معهم لا يمتري في ذلك مسلم، وإذا تنازع الناس في مسألة من المسائل الأصولية والفروعية، فالصواب
1 سورة المائدة آية: 72.
2 سورة الزمر آية: 65.
3 سورة النساء آية: 48.
4 سورة الحج آية: 31.
5 سورة التوبة آية: 65، 66.
6 سورة محمد آية: 9.
والحق مع من كان الدليل معه كائنا من كان.
(الثالث): قوله: وإن التابعين أجمعوا على ما ادعاه؛ لأن الإجماع في هذه المسألة قد حكاه غير واحد من أهل العلم، كمحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة، وأبي عمر بن عبد البر وغيرهما. فثبت عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة أنه قال:"اتفق الفقهاء من الشرق والغرب على أن الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل من غير تفسير، ولا تشبيه، فمن فسر شيئا من ذلك، فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفارق الجماعة؛ فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا، ولكن آمنوا بما في الكتاب والسنة، فمن قال بقول جهم فارق الجماعة". انتهى.
فانظر -رحمك الله- إلى هذا الإمام، كيف حكى الإجماع في هذه المسألة؟ ولا خير فيما خرج عن إجماعهم، ولو لزم التجسيم عن السكوت عن تأويلها لفروا منه، فإنهم أعرف الأمة بما يجوز على الله، وما يمتنع عليه. وثبت عن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن الصابوني أنه قال:"إن أصحاب الحديث، المتمسكين بالكتاب والسنة، يعرفون ربهم تبارك وتعالى بصفاته التي نطق بها كتابه، وتنْزيله، وشهد بها رسوله صلى الله عليه وسلم على ما وردت به الأخبار الصحاح، ونقله العدول الثقات، ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه، ولا يكيفونها تكييف المشبهة، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه؛ تحريف المعتزلة والجهمية". وقد أعاذ الله أهل السنة من التحريف والتشبيه، ومن عليهم بالتفهيم والتعريف حتى سلكوا سبيل التوحيد والتنْزيه، وتركوا القول بالتشبيه، واكتفوا بنفي النقائص بقوله عز وجل:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 1. وبقوله -تعالى-: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} 2.
فتبين بما ذكرنا بطلان قول المعترض؛ استدلالك بما رواه الأوزاعي من الإجماع آحادي، ولا يجوز تكفير المسلمين إلا بقطعي المتن والدلالة.
1 سورة الشورى آية: 11.
2 سورة الإخلاص آية: 3.