الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَدُّ الإمام أحمد على الزَنَادِقة والجَهْميّة
"الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدع، وأطلقوا مقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين، وكذلك الجهم وشيعته دعوا الناس إلى المتشابه من القرآن والحديث، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا بكلامهم بشرا كثيرا.
"فكان مما بلغنا من أمر الجهم -عدو الله- أنه كان من أهل خراسان من أهل ترمذ، وكان صاحب خصومات وكلام، وكان أكثر كلامه في الله، فلقي أناسا من المشركين يقال لهم: السمنية، فعرفوا الجهم، فقالوا له: نكلمك، فإن ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا، وإن ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك. فكان مما كلموا به الجهم أن قالوا: ألست تزعم أن لك إلها؟ قال الجهم: نعم. فقالوا له: فهل رأيت إلهك؟ قال: لا. قالوا: فهل سمعت كلامه؟ قال: لا. قالوا: فشممت له رائحة؟ قال لا. قالوا: فوجدت له حسا؟ قال: لا. قالوا: فوجدت له مجسا؟ قال: لا. قالوا: فما يدريك أنه إله؟ قال: فتحير الجهم، فلم يدر من يعبد أربعين يوما.
ثم إنه استدرك حجة مثل حجة زَنَادِقَة النصارى، وذلك أن زنادقة النصارى يزعمون أن الروح الذي في عِيسَى هو روح الله من ذات الله، فإذا أراد أن يحدث أمرا دخل في بعض خلقه فتكلم على لسان خلقه، فيأمر بما شاء، وينهى عما شاء، وهو روح
غائب عن الأبصار.
فاستدرك الجَهْم حجة مثل هذه الحجة، فقال للسمني: ألست تزعم أن فيك روحا؟ قال: نعم. قال: فهل رأيت روحك؟ قال: لا. قال: فسمعت كلامه؟ قال: لا. قال: فوجدت له حسا أو مجسا؟ قال: لا. قال: فكذلك الله، لا يرى له وجه، ولا يسمع له صوت، ولا يشم له رائحة، وهو غائب عن الأبصار، ولا يكون في مكان دون مكان.
ووجد ثلاث آيات في القرآن من المتشابه؛ قوله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 1 {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} 2 و {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} 3.
فبنى أصل كلامه على هؤلاء الآيات، وتأوّل القرآن على غير تأويله، وكذّب بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وزعم أن من وصف الله بشيء -مما وصف به نفسه أو حدث عنه رسوله- كان كافرا، وكان من المُشَبِّهَة، وأضلَّ بكلامه بشرا كثيرا، واتَّبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة، ووضع دين الجَهْمِيَّة.
فإذا سألهم الناس عن قول الله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 4 يقولون: ليس كمثله شيء من الأشياء، وهو تحت الأرض السابعة، كما هو على العرش، لا يخلو منه مكان، ولا يكون في مكان دون مكان، ولا يتكلم، ولا ينظر إليه أحد في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يوصف، ولا يعرف بصفة ولا بفعل، ولا له غاية، ولا له مُنْتَهَى، ولا يُدرك بعقل، وهو وَجْهٌ كُلّه، وهو عِلْم كُلّه، وهو سَمْع كلّه، وهو بَصَر كلّه، وهو نُور كلّه، وهو قُدْرَة كلّه، ولا يُوصف بوصفين مختلفين، وليس له أعلى ولا أسفل، ولا نواحٍ ولا جوانب، ولا يمين ولا شمال، ولا هو ثقيل ولا خفيف، ولا له نور ولا جسم، وليس هو معلول 5، وكل ما خطر على قلبك أنه شيء تعرفه فهو على خلافه.
فقلنا: هو شيء؟ فقالوا: هو شيء لا كالأشياء. فقلنا: إن الشيء الذي لا كالأشياء قد عرف أهل العقل أنه لا شيء. فعند ذلك تبين للناس أنهم لا يثبتون شيئا، ولكنهم يدفعون عن أنفسهم الشنعة بما يقرون من العلانية.
1 سورة الشورى آية: 11.
2 سورة الأنعام آية: 3.
3 سورة الأنعام آية: 103.
4 سورة الشورى آية: 11.
5 لعله: معلوم ولا معقول.
فإذا قيل لهم: من تعبدون؟ قالوا: نعبد من يدبر أمر هذا الخلق. فقلنا: هذا الذي يدبر أمر هذا الخلق هو مجهول لا يعرف بصفة؟ قالوا: نعم. قلنا: قد عرف المسلمون أنكم لا تأتون بشيء، وإنما تدفعون عن أنفسكم الشنعة بما تظهرون. فقلنا لهم: هذا الذي يدبر هو الذي كلم موسى؟ قالوا: لم يتكلم، ولا يتكلم؛ لأن الكلام لا يكون إلا بجارحة، والجوارح عن الله منفية.
فإذا سمع الجاهل قولهم ظن أنهم من أشد الناس تعظيما لله، ولا يعلم أنهم إنما يعود قولهم إلى ضلال وكفر، فما يُسأل عنه الجهمي يقال له: تجد في كتاب الله أنه يخبر عن القرآن أنه مخلوق؟ فلا يجد. فيقال له: فتجد في سنة رسول الله أنه قال: إن القرآن مخلوق؟ فلا يجد. فيقال له: فمن أين قلت؟ فيقول: من قول الله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} 1.
وزعم أن جعل مخلوق مجعول هو مخلوق 2، فادَّعى كلمة من الكلام المتشابه يحتج بها من أراد أن يلحد في تنْزيلها، وكما يبتغي الفتنة في تأويلها، وذلك أن "جعل" في القرآن من المخلوقين على وجهين: على معنى تسمية، وعلى معنى فعل من أفعالهم، فقوله:{الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} 3، قالوا: هو شعر وأساطير الأولين، وأضغاث أحلام. فهذا على معنى تسمية.
وقال: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} 4 يعني: إنهم سموهم إناثا، ثم ذكر "جعل" على غير معنى تسمية، فقال:{يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} 5 فهذا على معنى فعل من أفعالهم.
وقال: {حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا} 6 هذا على معنى "جعل"، فهذا على جعل المخلوقين، ثم جعل من أمر الله على معنى خلق لا يكون إلا خلق، ولا يقوم إلا مقام خلق لا يزول عنه المعنى.
وإذا قال الله: "جعل" على غير معنى خلق لا يكون خلق، ولا يقوم مقام خلق، ولا يزول عنه المعنى، فمما قال الله جعل على معنى خلق قوله:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} 7، يعني: وخلق الظلمات والنور. وقال: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ} 8.
1 سورة الزخرف آية: 3.
2 كذا في الأصل.
3 سورة الحجر آية: 91.
4 سورة الزخرف آية: 19.
5 سورة البقرة آية: 19.
6 سورة الكهف آية: 96.
7 سورة الأنعام آية: 1.
8 سورة النحل آية: 78.
يقول: وخلق لكم. وقال: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} 1، يقول: وخلقنا الليل والنهار آيتين. وقال: {وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} 2، وقال:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} 3، يقول: وخلق منها زوجها، يقول: خلق من آدم. وقال: {وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ} 4، يقول: وخلق لها رواسي، ومثله في القرآن كثير، فهذا وما كان على مثاله لا يكون إلا على معنى خلق.
"ثم ذكر جعل على معنى غير خلق قوله: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ} 5، لا يعني: ما خلق الله من بحيرة ولا سائبة، وقال الله لإبراهيم:{إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} 6، لا يعني: إني خالقك للناس إماما؛ لأن خلق إبراهيم كان متقدما 7.
قال إبراهيم: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} 8. وقال إبراهيم: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ} 9، لا يعني: اخلقني مقيم الصلاة. وقال: {يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ} 10.
وقال لأم موسى: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} 11 لا يعني: وخالقوه من المرسلين؛ لأن الله وعد أم موسى أن يرده إليها ثم يجعله من بعده رسولا، وقال:{وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ} 12 وقال: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} 13 لا يعني: ونخلقهم أئمة، وقال:{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} 14، ومثله في القرآن كثير.
"فهذا -وما كان على مثاله- لا يكون على معنى خلق، فإذا قال الله: "جعل" على معنى خلق، وقال: "جعل" على غير معنى خلق، فبأي حجة قال الجهمي جعل على معنى خلق؟ فإن رد الجهمي الجعل إلى المعنى الذي وصفه الله فيه، وإن كان لا كان من الذين يسمعون كلام الله، ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون.
فلما قال الله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} 15 يقول: "جعله عربيا" جعله جعلا على معنى فعل من أفعال على غير معنى خلق، وقال في سورة الزخرف:{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} 16، وقال:{لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} 17، وقال:{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} 18.
1 سورة الإسراء آية: 12.
2 سورة نوح آية: 16.
3 سورة الأعراف آية: 189.
4 سورة النمل آية: 61.
5 سورة المائدة آية: 103.
6 سورة البقرة آية: 124.
7 أي: متقدما على إمامته.
8 سورة إبراهيم آية: 35.
9 سورة إبراهيم آية: 40.
10 سورة آل عمران آية: 176.
11 سورة القصص آية: 7.
12 سورة الأنفال آية: 37.
13 سورة القصص آية: 5.
14 سورة الأعراف آية: 143.
15 سورة الزخرف آية: 3.
16 سورة الزخرف آية: 3.
17 سورة الشعراء آية: 194.
18 سورة مريم آية: 97.
فلما جعل الله القرآن عربيا، ويسَّره بلسان نبيه صلى الله عليه وسلم كان ذلك فعلا من أفعال الله تبارك وتعالى جعل القرآن به عربيا بينا يعني هذا بيان، لمن أراد الله هداه.
ثم إن الجهمي ادَّعى أمرًا آخر وهو من المحال، فقال: أخبرونا عن القرآن، هو الله أو غير الله؟ فادعى في القرآن أمرا، فوهم للناس. فإذا سئل الجاهل عن القرآن: هو الله أو غير الله؟ فادعى في ال من أن 1 يقول أحد القولين، فإن قال: هو الله. قال له الجهمي: كفرت. وإن قال: هو غير الله. قال: صدقت. فلم لا يكون غير الله مخلوقا؟ فيقع في نفس الجاهل من ذلك ما يميل به إلى قول الجهمي، وهذه المسألة من الجهمي هي من المغاليط.
(فالجواب) للجهمي إذا سأل فقال: أخبرونا عن القرآن: هو الله، أو غير الله؟ قيل له: إن الله -جل ثناؤه- لم يقل: في القرآن إن القرآن أنا، ولم يقل: هو غيري، وقال: هو كلامي، فسميناه باسم سمَّاه الله به، فقلنا: كلام الله، فمن سمَّى القرآن باسم سمَّاه الله به كان من المهتدين، ومن سمَّاه باسم غيره كان من الضالين.
وقد فَصَلَ الله بين قوله وبين خلقه، ولم يسمه قولا، فقال:{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} 2، فلما قال:{أَلا لَهُ الْخَلْقُ} 3 لم يبق شيء مخلوق إلا كان داخلا في ذلك، ثم ذكر ما ليس بخلق فقال:{وَالأَمْرُ} فأمره هو قوله: {تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 4 أن يكون قوله خلقا.
وقال: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} 5، ثم قال للقرآن:{أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} 6، وقال:{لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} 7 يقول: لله القول من قبل الخلق ومن بعد الخلق، فالله يخلق ويأمر، وقوله غير خلقه.
وقال: {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ} 8، وقال:{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} 9. ثم قال أحمد رحمه الله:
1 الظاهر أن العبارة هكذا: فلا بد أن يقول أحد القولين، اهـ من الأصل.
2 سورة الأعراف آية: 54.
3 سورة الأعراف آية: 54.
4 سورة الأعراف آية: 54.
5 سورة الدخان آية: 3.
6 سورة الدخان آية: 3.
7 سورة الروم آية: 4.
8 سورة الطلاق آية: 5.
9 سورة هود آية: 40.
{باب بيان ما فصل الله به بين قوله وبين خلقه}
وذلك أن الله -جل ثناؤه- إذا سمى الشيء الواحد باسمين أو ثلاثة أسامٍ فهو مرسل غير مفصل، وإذا سمى شيئين مختلفين لم يدعهما مرسلا حتى يفصل بينهما، من ذلك قوله:{يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا} 1 فهذا شيء واحد سماه بثلاثة أسامٍ وهو مرسل، ولم يقل: إن له أبا وشيخا وكبيرا.
وقال: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ} 2، ثم قال:{وَأَبْكَارًا} فلما كانت البكر غير الثَّيِّب لم يدعه مرسلا حتى فصل بينهما، وذلك قوله:{وَأَبْكَارًا} .
وقال: {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى} 3، ثم قال:{وَالْبَصِيرُ} . فلما كان البصير غير الأعمى فصل بينهما، ثم قال:{وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ} 4. فلما كان كل واحد من هذا غير الشيء الآخر فصل بينها، ثم {هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} 5، كله شيء واحد، فهذا مرسل ليس بمفصل.
فكذلك إذا قال الله: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} 6 لأن الخلق غير الأمر، فهو مفصل، انتهى ما ذكره أحمد رحمه الله.
وهذا الذي ذكره أحمد رحمه الله هو الذي عليه الحذاق من أئمة السنة، وهو قول ابن كلاب وغيره، فهؤلاء لا يطلقون القول بأن صفات الله هي الله، ولا أنها غيره؛ وذلك لأن هذا إثبات قسم ثالث وهو خطأ، ففرق بين إطلاق اللفظين لما في ذلك من الإجماع، وبين نفي مسمى اللفظين مطلقا وإثبات معنى ثالث خارج من مسمى اللفظين.
فجاء بعد هؤلاء أبو الحسن الأشعري وكان أحذق ممن بعده، فقال بنفي مفرد لا مجموعا، فيقول مفردا: ليست الصفة هي الموصوف؟ ويقول مفردا: ليست غيره؟ ولا يجمع بينهما، فلا يقال: لا هي هو، ولا هي غيره؛ لأن الجمع بين النفي فيه من الإيهام ما ليس في التفريق. وجاء بعده
1 سورة يوسف آية: 78.
2 سورة التحريم آية: 5.
3 سورة فاطر آية: 19.
4 سورة فاطر آية:20، 21.
5 سورة الحشر آية: 23، 24.
6 سورة الأعراف آية: 54.
أقوام فقالوا: بل ينفى مجموعا، فيقال: لا هي هو، ولا هي غيره، ثم كثير من هؤلاء إذا بحثوا يقولون: هذا المعنى إمَّا أن يكون هذا وإمَّا أن يكون غيره؛ فيتناقضون، وسبب ذلك أن لفظ الغير مجمل يُراد بالغير: المباين المنفصل، ويُراد به ما ليس هو غير الشيء، وقد يعبر عن الأول بأن الغيرين ما جُوِّزَ وجودُ أحدهما وعدمه، أو ما جاز مفارقة أحدهما للآخر بزمان أو مكان أو وجود، ويعبر عن الثاني بأنه ما جاز العلم بأحدهما مع عدم العلم بالآخر. فبين هذا وهذا فرق ظاهر.
فصفات الرب اللازمة لا تفارقه البتة، فلا يكون غيرًا بالمعنى الأول، ويجوز أن يعلم بعض الصفات دون بعض، ويعلم الذات دون الصفة فيكون غيرًا باعتبار الثاني.
ولهذا أطلق كثير من مثبتة الصفات عليها أنها أغيار للذات، وقالوا: إنها غير الذات. ولا يقولون إنها غير الله، فإن لفظ الذات لا يتضمن الصفات، بخلاف اسم الله فإنه يتناول الصفات.
ولهذا كان الصواب -على قول أهل السنة- هو أن لا يقال في الصفات: إنها زائدة على اسم الله، بل من قال ذلك فقد غلط عليهم، وإذا قيل: هي زائدة على الذات أم لا؟ كان الجواب أن الذات الموجودة في نفس الأمر مستلزمة للصفات، فلا يمكن وجود الذات مجردة عن الصفات، بل ولا يوجد شيء من الذوات مجردا عن جميع الصفات، بل لفظ "الذات" تأنيث "ذو"، ولفظ "ذو" مستلزم للإضافة، وهذا اللفظ مولد، وأصله أن يقال: ذات علم وذات قدرة، وذات سمع، كما قال الله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} 1 ويقال: فلانة ذات مال وجمال.
ثم لما علموا أن نفس الرب ذات علم وقدرة، وسمع وبصر، عرفوا لفظ الذات ردًّا على من نفى صفاتها، وصار التعريف يقوم مقام الإضافة، بحيث إذا قيل لفظ الذات فهو ذات كذا. فالذات لا يكون إلا ذات علم وقدرة، ونحوه من الصفات لفظا ومعنى.
وإنما يريد محققو أهل السنة بقولهم: "الصفات زائدة على الذات" أنها زائدة على ما أثبته نفاة الصفات من الذات، فإنهم أثبتوا ذاتا مجردة
1 سورة الأنفال آية: 1.
لا صفات لها، فأثبت أهل السنة الصفات زائدة على ما أثبته هؤلاء، فهي زيادة في العلم والاعتقاد والخبر، لا زيادة على نفس الله جل جلاله، بل نفسه المقدسة متصفة بهذه الصفات، لا يمكن أن تفارقها، ولا توجد الصفات بدون الذات، ولا الذات بدون الصفات.
والمقصود هنا بيان بطلان كلام هذا المعترض وقوله: إن من أثبت الصفات لله تبارك وتعالى لزمه أن يكون مع الله قدما، فظهر -بما ذكرنا عن أهل السنة والجماعة- أن كلامه هذا تلبيس وجهل وضلال، وأن مذهب أهل السنة والجماعة في إثبات الصفات الثابتة في القرآن والسنة هو الصواب الموافق لصريح المعقول، كما أنه هو الوارد في صحيح المنقول.
[الوجه السابع: الأقسام الممكنة في آيات الصفات وأحاديثها]
(الوجه السابع) أن يقال: الأقسام الممكنة في آيات الصفات وأحاديثها ستة أقسام، كل قسم عليه طائفة من أهل القبلة: قسمان يقولان: تجري على ظواهرها، وقسمان يقولان: هي على خلاف ظواهرها، وقسمان يسكتان.
أما الأولون فقسمان:
(أحدهما): من يجريها على ظواهرها، ويجعل ظاهرها من جنس صفات المخلوقين، فهؤلاء المُشَبِّهَة، ومذهبهم باطل بالكتاب والسنة، ولهذا أنكره السلف عليهم، وإليه توجه الرد بالحق.
(والثاني): من يجريها على ظاهرها اللائق بجلال الله -تعالى-، كما يجري اسم الله العليم والقدير والرب والإله والموجود والذات ونحو ذلك على ظاهرها اللائق بجلال الله -تعالى-، فإن ظواهر هذه الصفات في حق المخلوقين؛ إما جوهر محدث، وإما عرض قائم، فالعلم والقدرة والمشيئة والرحمة والرضى والغضب ونحو ذلك في حق العبد أعراض. والوجه واليدان والعين في حق المخلوق أجسام.
فإذا كان الله موصوفا عند عامة أهل الإثبات بأن له علما وقدرة وكلاما ومشيئة، وإن لم تكن أعراضا يجوز عليها ما يجوز على صفات المخلوقين، فلم لا يجوز أن
يكون وجه الله ويداه ليست أجساما لا يجوز عليها ما يجوز على صفات المخلوقين؟
وهذا هو المذهب الذي حكيناه عن أهل السنة، وهو الذي نعتقده وندين لله به، وهو الذي يدل عليه كلام علماء السنة، وهذا أمر واضح، ولله الحمد والمنة، ولا يلزم عليه شيء من اللوازم الباطلة؛ وذلك لأنه حق، ولازم الحق حق، فإن الصفات كالذات.
فكما أن ذاته ثابتة حقيقة من غير أن تكون من جنس ذوات المخلوقات، فكذلك صفاته ثابتة حقيقة من غير أن تكون من جنس صفات المخلوقات، فمن قال: لا أعقل علما ويدا واستواء إلا من جنس العلم واليد والاستواء المعهود. قيل له: فكيف تعقل ذاتا من غير جنس ذوات المخلوقين؟
[الوجه الثامن: صفات كل موصوف تناسب ذاته وتلائم حقيقته]
(الوجه الثامن) أن يقال: صفات كل موصوف تناسب ذاته، وتلائم حقيقته، فمن لم يفهم من صفات الرب الذي ليس كمثله شيء إلا ما يناسب المخلوقين فقد ضل في عقله ودينه، وخالف لغة العرب وما فطر الله عليه عباده.
فتبين -بما ذكرنا- أن هذه اللوازم التي ذكرها هذا المعترض لا تلزم على قولنا الذي حكيناه عن أهل السنة والجماعة.
[الوجه التاسع: لوازم الصفات التي يدعيها المبتدعة إنما تلزم على مذهبهم دون مذهب السلف]
(الوجه التاسع) أن يقال: اللوازم الشنيعة الفظيعة المخالفة لصحيح المعقول وصريح المنقول، إنما تلزم على قول هذا المعترض وسلفه المتكلمين من الجَهْمِيَّة والمُعْتَزَلَة والقَدَرِيَّة، ومن نحا نحوهم من الشِّيعَة والزَّيْدِيَّة.
وبيان ذلك أنه إذا كان الكتاب والسنة مملوءان مما ظاهره عندهم تشبيه وتجسيم وتكييف، كيف يجوز على الله -تعالى-، ثم على رسوله صلى الله عليه وسلم ثم على الصحابة أنهم يتكلمون دائما بما هو نص أو ظاهر في خلاف الحق، ثم الحق الذي يجب اعتقاده لا يبوحون به، ولا يدلون عليه، حتى يجيء أنباط الفرس والروم والفلاسفة فيثبتون للأمة العقيدة الصحيحة التي يجب على كل مكلف أو كل فاضل اعتقادها؟
لئن كان الحق فيما يقوله هؤلاء المتكلمون لقد كان ترك الناس بلا كتاب ولا سنة أهدى لهم وأنفع على هذا التقدير، بل
كان وجود الكتاب والسنة ضررًا محضا في أصل الدين، فإن حقيقة الأمر على ما يقوله هؤلاء: إنكم -معاشر العباد- لا تطلبوا معرفة الله ولا ما يستحقه من الصفات نفيا وإثباتا، لا من الكتاب ولا من السنة، ولا من طريق سلف الأمة، ولكن انظروا أنتم فما وجدتموه مستحقا له من الصفات فصفوه به، سواء كان موجودا في الكتاب والسنة أو لم يكن، وما لم تجدوه مستحقا له في عقولكم فلا تصفوه به، وإليه عند التنازع فارجعوا؛ فإنه الحق الذي تعبدتكم به.
وما كان مذكورا في الكتاب والسنة مما يخالف قياسكم هذا فاجتهدوا في تخريجه على شواذ اللغة، ووحشي الألفاظ، وغرائب الكلام، أو اسكتوا عنه مفوضين علمه إلى الله، مع نفي دلالته على شيء من الصفات. هذا حقيقة الأمر على رأي هؤلاء، وهو لازم لهم لزوما لا محيد عنه.
ومضمونه أن كتاب الله لا يهتدى به في معرفة الله، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم معزول عن التعليم والإخبار بصفات من أرسله، وما أشبه حال هؤلاء بالذين قال الله فيهم:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} 1 إلى قوله: {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} 2.
فإن الرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو إلى سنته بعد وفاته، فإن هؤلاء إذا دعوا إلى ذلك أعرضوا، ورأيتهم يصدون عنه صدودا، ويقولون: يلزم منه كذا، وما قصدنا إلا إحسانا وتوفيقا بين هذه الطريقة التي سلكناها وبين الدلائل النقلية.
ثم عامة هذه الشبهات -التي يسمونها دلائل- إنما قلدوا فيها طاغوتا من طواغيت المشركين والصابئين، أو بعض ورثته الذين أمروا أن يكفروا به، وقد قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي
1 سورة النساء آية: 60، 61.
2 سورة النساء آية: 62.
أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} 1.
وقال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} 2 إلى قوله: {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 3.
[الوجه العاشر: لا يجوز تفسير كتاب الله تعالى بغير لغة العرب]
(الوجه العاشر) قوله: "أما مخالفة لغة العرب فلا يجوز لك أن تخالفها وتفسر كتاب الله -جل وعلا- بغيرها؛ لمخالفتك لما أنزل الله فيه، فقد قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ} 4 الآية، وقال: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} ".
فهذا الكلام حق أُريد به باطل، كما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه للخوارج، لما قالوا له: أشركت؛ لأنك حَكَّمْتَ الرجالَ في دين الله، وقد قال تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} 5 قال: "كلمة حق أريد بها باطل". وهذا من أعظم حجج المُشَبِّهَة القائلين بأنا لا نعقل من هذه الصفات إلا مثل صفاتنا؛ لأنه نزل بلغة العرب، فهم أسعد منك بهذه الحجة؛ لأن اللفظ يُحمل على ظاهره عند العرب كما تزعم.
وأما السلف وأهل السنة والجماعة فلا تلزمهم هذه الحجة؛ لأنهم يقولون: إنها على ظاهرها في حقه تبارك وتعالى، لكنها كما يليق بجلاله وعظمته؛ لأن الصفات تابعة للذات، كما تقدم تقريره قريبا.
[الوجه الحادي عشر: لو كانت أسماء الصفات مجازات لجاز نفيها ككل مجاز]
(الوجه الحادي عشر) قوله: "هل يجوز لك أن تقول: استوى بلا كيف بعد أن قال: {مُبِينٌ} وقال: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} 6؟ ما كأنك إلا قلت: ما تبين لنا ولا عقلناه، فخاطبنا ربنا بما لا نتبينه ولا نعقله، وليس هو من جنس لغة العرب، ولو كان عربيا لتبين لنا وعقلناه
…
" إلى آخر كلامه.
فيقال: هذا مما يدل على جهلك وعدم معرفتك بالحجج التي تحتج بها؛ وذلك لأن المُشَبِّهَة يردون عليك بكلامك هذا: "نحن لا نعقل من لغة العرب إلا ما قلنا"، والعرب يحملون الكلام على حقيقته، فما المانع من حمل هذه النصوص على ظواهرها في حقنا، والمجاز إنما يُصار إليه عند الضرورة، ولا ضرورة هنا؟ وأيضًا
1 سورة النساء آية: 65.
2 سورة البقرة آية: 213.
3 سورة البقرة آية: 213.
4 سورة الشعراء آية: 193.
5 سورة الزمر آية: 65.
6 سورة الزخرف آية: 3.
يقولون: من قاعدة المجاز جواز نفيه، ولا يجوز لأحد أن ينفي تلك الصفات عن الله عز وجل فيقول: ليس بسميع، ليس بحي، ليس ببصير، ليس بقادر، ليس بمتكلم، ليس بمستوٍ على العرش، فكيف تقولون: إنها من المجاز ومن قاعدة العرب أنهم يجوزون نفي المجاز؟
فإذا قالوا للشجاع: هذا أسد، إذا أرادوا تشبيهه بالأسد في الشجاعة، جوَّزُوا أن ينفى ذلك عنه، ويقال ليس بأسد، بل هذا إنسان ناطق متكلم عاقل.
وكذلك إذا قالوا للبليد: حِمار، تشبيها له بالحمار في الجهالة، جوزوا أن ينفي ذلك عنه، فيقال: ليس هذا بحمار، وإنما هو شبه له بالجهل، وأشباه ذلك كثير في كلامهم.
وأما إذا قال أهل السنة: إن الله أخبرنا أنه استوى على العرش، ولم يخبرنا بكيفية ذلك، فقلنا بما قال الله، وسكتنا عما سكت الله عنه، وحملنا الاستواء على حقيقته في حق الباريء تعالى، فإذا قيل لنا: كيف استوى؟ قلنا: لم يخبرنا الله بذلك، فهذا معنى قولنا:"بلا كيف"، فأين في هذا ما يخالف لغة العرب؟
وما أحسن ما قال بعض أهل السنة: إذا قال لك الجهمي: كيف استوى؟ أو كيف ينْزل إلى سماء الدنيا؟ أو كيف يداه؟ أو نحو ذلك، فقل له: كيف هو في نفسه؟ فإذا قال: لا يعلم ما هو إلا هو؟ وذات الباريء غير معلومة للبشر، فقل له: فالعلم بكيفية الصفة مستلزم للعلم بكيفية الموصوف، فكيف يمكن أن يعلم كيفيته؟ وإنما تعلم الذات والصفات من حيث الجملة على الوجه الذي ينبغي لذلك الموصوف، بل هذه المخلوقات في الجنة قد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه:"ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء".
وقد أخبر الله -تعالى- أنه: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} 1 الآية، وقال صلى الله عليه وسلم:"يقول الله: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر"2.
فإذا كان نعيم الجنة -وهو خلق من خلق الله- كذلك، فما الظن بالخالق سبحانه وتعالى؟ أفلا يعتبر العاقل بهذا عن الكلام في كيفية الله -تعالى-؟ وقد قال -تعالى-:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 3.
1 سورة السجدة آية: 17.
2 البخاري: بدء الخلق (3244)، ومسلم: الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2824)، والترمذي: تفسير القرآن (3197)، وابن ماجه: الزهد (4328) ، وأحمد (2/ 313 ،2/ 438 ،2/ 466 ،2/ 495)، والدارمي: الرقاق (2828).
3 سورة الشورى آية: 11.