الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد عَنَّ لي الجواب؛ لتمييز الخطأ من الصواب، فلا بد من ذكر مقدمة نافعة لتكون هي المقصودة بالذات، رجاء أن تكون سَبَبًا موصلا إلى رضوان الله، يستبصر بها طالب الهُدَى من عباد الله، وذلك بتوفيق الله الذي لا إله سواه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
اعلم أيها المُنْصِفُ أن دين الله القَوِيم، وصراطه المستقيم، إنما يتبين بمعرفة أمور ثلاثة، هي مدار دين الإسلام، وبها يتم العمل بأدلة الشريعة والأحكام، ومتى اخْتَلَّتْ وتَلاشَتْ وقع الخلل في ذلك النظام:
(الأمر الأول): أَنْ تَعْلَمَ أنَّ أصلَ دين الإسلام وأساسه، وعماد الإيمان ورأسه، هو: توحيدُ الله -تعالى- الذي بعث به المرسلين، وأنزل به كتابه المحكم المبين، قال تعالى:{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} 1، وهذا هو مضمون شهادة أن لا إله إلا الله؛ فإن أصل دين الإسلام: أن لا يُعْبَد إلا الله، وأن لا يُعْبَد الله إلا بما شرع، لا بالأهواء والبدع.
وقد قال شيخنا -رحمه الله تعالى- إمام الدعوة الإسلامية، والداعي إلى الملة الحنيفية: أصل دين الإسلام وقاعدته أمران: الأمر بعبادة الله وحده، والتحريض على ذلك والموالاة فيه، وتكفير من تركه. والنهي عن الشرك بالله في عبادته، والتغليظ فيه والمعاداة فيه، وتكفير من فعله. والمُخَالِف في ذلك أنواع، ذكرها -رحمه الله تعالى-.
[نواقض التوحيد]
وهذا التوحيد له أركان وفروع، ومقتضيات وفرائض، ولوازم، لا يحصل الإسلام الحقيقي على الكمال والتمام إلا بالقيام بها عِلْمًا وعملا.
وله نواقض ومبطلات تُنَافِي ذلك التوحيد، فمن أعظمها أمور ثلاثة:
(الأول): الشرك بالله في عبادته كدعوة غير الله، ورجائه والاستعانة به، والاستغاثة به، والتوكل عليه، ونحو ذلك من أنواع العبادة، فمن صَرَفَ منها شيئا لغير الله كَفَرَ، ولم يصح له عمل، وهذا الشرك هو أعظم
1 سورة هود آية: 1.
مُحْبِطَات الأعمال كما قال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 1. وقوله: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين َ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} 2، ففي هذه الآية: نَفْي الشرك وتغليظه، والأمر بعبادة لله وحده. ومعنى قوله: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ} 3 أي: لا غيره، فإن تقديم المَعْمُول يُفيد الحصرَ عند العلماء قديما وحديثا.
(الأمر الثاني من النواقض): انشراح الصدر لمن أشرك بالله ومُوَادَّة أعداء الله 4 كما قال تعالى: {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 5 الآية، إلى قوله:{أنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} 6. فمن فعل ذلك فقد أبطل توحيده ولو لم يفعل الشرك بنفسه.
قال الله -تعالى-: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} 7 الآية؛ قال شيخ الإسلام: أخبر -سبحانه- أنه لا يوجد مؤمن يُوَادُّ كافرًا، فمن وَادَّهُ فليس بمؤمن. قال: والمشابهةُ مَظِنَّة الموادَّة، فتكون مُحَرَّمَة.
قال العماد ابن كثير في تفسيره: قيل: نزلتْ في أبي عبيدة حين قتل أباه يوم بدر، {أَوْ أَبْنَاءَهُم} في الصديق يومئذ هَمَّ بقتل ابنه عبد الرحمن، {أَوْ إِخْوَانَهُم} في مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير، {أَوْ عَشِيْرَتَهُم} في عمر قتل قريبا له يومئذ أيضا، وحمزة وعلي وعبيدة بن الحارث قتلوا عتبةَ وشيبةَ والوليدَ بن عتبة يومئذ.
قال: وفي قوله: {رَضِيَ الله عَنْهُم وَرَضُوا عَنْهُ} سرٌ بديعٌ، وهو أنهم لما
1 سورة الأنعام آية: 88.
2 سورة الزمر آية: 65،66.
3 سورة الزمر آية: 66.
4 أي موادتهم وانشراح الصدر لهم؛ لأجل شركهم وعداوتهم؛ لأن تعليق الحكم على المشتق يدل على أنه علة له كما قالوه في آية حد السارق، ولذلك استدل هنا بآية (ولكن من شرح بالكفر صدرا) إلخ، ولا يدخل في ذلك الصحبة بالمعروف؛ لأجل القرابة ونحوها -مع كراهة الكفر نفسه-؛ لقوله -تعالى- في الوالدين المشركين:(وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) الآية.
5 سورة النحل آية: 106.
6 سورة النحل آية: 107.
7 سورة المجادلة آية: 22.