الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{جِنَّةٌ} جنون وزوال عقل يوهمه ذلك ويجعله يتخيل البعث. {بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} المشتملة على البعث والعذاب فيها {فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ} عن الحق والصواب في الدنيا، والعذاب في الآخرة. والمقصود الردّ من الله عليهم لإثبات ما هو أفظع من القسمين وهو الضلال والعذاب.
{أَفَلَمْ يَرَوْا} ينظروا. {إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ} ما فوقهم وما تحتهم. {نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ} نغيبهم فيها. {كِسَفاً} قطعا جمع كسفة. {إِنَّ فِي ذلِكَ} المرئي. {لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} المنيب: الراجع إلى ربه المطيع له، والمعنى: إن فيما رأوا لدلالة على قدرة الله على البعث وما يشاء.
المناسبة:
بعد الإخبار عن إنكار الكفرة الساعة، والرّد عليهم، وبيان جزائهم وجزاء المؤمنين بها، ذكر الله تعالى مقال الكافرين في شأن الساعة على سبيل التعجب والتهكم والاستهزاء، ووصفهم لمحمد صلى الله عليه وسلم بأنه مفتر أو مجنون، ثم أقام الدليل على البعث بقدرته على خلق السموات والأرض، ثم هددهم بالعذاب الشديد، لعلهم يرجعون عن كفرهم.
التفسير والبيان:
{وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا: هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ، إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} أي قال بعض الكفار لبعض على سبيل التعجب والاستهزاء والتهكم: هل ندلكم على شخص اسمه محمد يخبركم بنبإ غريب وهو أنكم إذا بليتم وصرتم ترابا وصارت أجسادكم في الأرض متفرقة موزعة قطعا قطعا، تعودون بعدئذ أحياء كما كنتم مرة أخرى.
ونظير الآية: {وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً، وَنَسِيَ خَلْقَهُ، قالَ: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس 78/ 36].
{أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} أي إن حاله لا يخلو من أحد أمرين:
إما أن يكون قد تعمّد الافتراء على الله كذبا أنه قد أوحى إليه ذلك، أي أنه كاذب فيما قاله، أو أن به جنونا جعله لا يعقل ما يقول، ويتوهم البعث ويتخيله.
فردّ الله عليهم بإثبات ما هو أخطر وأشنع من الأمرين فقال:
{بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ} أي ليس الأمر كما زعموا، ولا كما ذهبوا إليه، بل إن محمدا صلى الله عليه وسلم هو الصادق الرشيد الذي جاء بالحق، وهم الكذبة الجهلة الأغبياء المنكرون للآخرة، الذين كفروا، فصاروا بسبب ذلك في العذاب الدائم في الآخرة، وهم اليوم في الدنيا في الضلال البعيد عن الحق غاية البعد.
ثم نبههم تعالى على قدرته في خلق السموات والأرض، فهو القادر على البعث، فقال:
{أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ، إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ، أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ} أي وبخهم لعدم التفكر والتدبر في خلق السماء والأرض، فقال لهم: أفلم ينظروا خلفهم وأمامهم إلى العجائب الدالة على قدرة الله تعالى ووحدانيته، فإنهم يرون السماء ناطقة بوجود القادر، والأرض كذلك تنطق بمثل ما تشير به السماء من الدلالة، فلو نظروا إليهما لعلموا أن خالقهما قادر على تعجيل العذاب لهم، فإن نرد نخسف بهم الأرض، كما خسفنا بقارون، أو نسقط عليهم قطعا من السماء، كما أسقطنا على أصحاب الأيكة.
والمراد: لو شئنا لفعلنا بهم ذلك بظلمهم وقدرتنا عليهم، ولكن نؤخر العقاب عنهم لحلمنا وعفونا.