الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجحود الكافر المعاند، ضرب الله تعالى الأمثال للكافر والمؤمن، وللباطل والحق، وللجنة والنار، وللمؤمنين والكافرين، وعدّد الأمثلة، للتعريف بأن المؤمن بصير الطريق، والكافر أعمى الطريق، وأن الإيمان نور فلا يخفى على المؤمن، والكفر ظلمة فيزيد الأعمى حيرة، ثم ذكر مآلهما ومرجعهما، فالمؤمن بإيمانه في ظل وراحة، والكافر بكفره في حر وتعب، ثم جعل الكافر أسوأ حالا من الأعمى فشبهه بالميت؛ لأنه غير مدرك إدراكا نافعا، فهو كالميت، أما الأعمى فقد يدرك شيئا ما كالبصير. ثم أوضح تعالى أن الهداية بيده يمنحها من يشاء، ولكنه لم يترك سبيلا لأحد بالاعتذار، فقد أرسل الرسل والأنبياء في كل أمة من الأمم، فمن آمن نجا، ومن عصى عذب في النار.
التفسير والبيان:
{وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ، وَلا الظُّلُماتُ وَلا النُّورُ، وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ} هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمنين وللكافرين، فكما لا تستوي هذه الأشياء المتباينة المختلفة في حقيقتها وفائدتها، كذلك لا يتساوى الكافر الذي عمي عن دين الله، والمؤمن الذي عرف طريق الرشاد فاتبعه وانقاد له، ولا تتساوى ظلمات الكفر ونور الإيمان، أو الباطل والحق، ولا يتساوى الثواب والعقاب أو الجنة والنار.
فالمؤمن سميع بصير يمشي في نور على صراط مستقيم في الدنيا والآخرة، حتى يستقر به الحال في الجنات ذات الظلال الوارفة والعيون المتدفقة، والكافر أصم أعمى يمشي في ظلمات لا خروج له منها، بل يتيه في غيه وضلاله في الدنيا والآخرة، حتى ينتهي به الأمر إلى الحرور والسموم والحميم.
{وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلا الْأَمْواتُ} أي ولا يتساوى المؤمنون أحياء القلوب والنفوس والمشاعر، والكافرون أموات القلوب والحواس.
فهذه أمثال للمؤمن والإيمان والعاقبة، والكافر والكفر والمصير، كما قال تعالى:{مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ، وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ، هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً} ؟! [هود 24/ 11] وقال عز وجل: {أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ، وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ، كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها} [الأنعام 122/ 6]. قال قتادة: هذه كلها أمثال؛ أي كما لا تستوي هذه الأشياء، كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن.
ثم بيّن تعالى مصدر الهداية، فقال:
{إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ، وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} أي إن الله يهدي من يشاء إلى سماع الحجة وقبولها والانقياد لها، وكما لا ينتفع الأموات بعد موتهم وصيرورتهم إلى قبورهم، وهم كفار، بالهداية والدعوة إليها، كذلك هؤلاء المشركون لا تستطيع أيها النبي هدايتهم؛ لأن الكفر أمات قلوبهم.
وأما مهمة الرسول فهي:
{إِنْ أَنْتَ إِلاّ نَذِيرٌ} أي ما أنت إلا رسول منذر عذاب الله، ليس عليك إلا الإنذار والتبليغ، أما الهدى والضلالة فهي بيد الله عز وجل.
{إِنّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً} أي أرسلناك أيها الرسول إرسالا مصحوبا بالحق، والمرسل محق، وكذا المرسل محق، مبشرا المؤمنين أهل الطاعة بالجنة، ومنذرا الكافرين أهل المعصية بالنار.
والإرسال منهج عام في البشرية، فقال تعالى:
{وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاّ خَلا فِيها نَذِيرٌ} أي ما من أمة من بني آدم سبقت إلا وقد بعث الله إليهم النذر، وأزاح عنهم العلل، كما قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ، وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ، فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} [النحل 36/ 16].