الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من إثبات البعث والحشر والحساب والجزاء، ثم ذكر صورة من الحوار الحادّ بين الرؤساء المضلين والأتباع الضالين، وأوضح وصفا للجزاء الذي يلقونه على أعمالهم في الدنيا.
التفسير والبيان:
هذا لون من تمادي الكفار في طغيانهم وعنادهم وهو إصرارهم على عدم الإيمان بالقرآن الكريم، وبما أخبر به من أمر المعاد، فقال تعالى:
{وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا: لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} أي وقال جماعة من مشركي العرب في مكة وغيرها: لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالكتب السماوية السابقة، كالتوراة والإنجيل، ولا بما اشتملت عليه من أمور الآخرة من بعث وحشر وحساب وجزاء. والمعنى: أنهم جحدوا نزول القرآن من الله تعالى، وأن يكون لما دل عليه من المعاد وإعادة الجزاء حقيقة.
ثم أخبر تعالى عن عاقبة أمرهم ومآلهم في الآخرة وحوارهم فيما بينهم فقال لرسوله أو للمخاطب:
{وَلَوْ تَرى إِذِ الظّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ، يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ} أي ولو تنظر أيها الرسول حين يكون الكافرون أذلة مهانين محبوسين في موقف الحساب، يتخاصمون ويتحاجون ويتحاورون فيما بينهم ويتراجعون الكلام فيما بينهم باللوم والعتاب، لرأيت العجيب والمخيف.
وصورة الحوار هي:
{يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا: لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنّا مُؤْمِنِينَ} أي يقول الأتباع الضعفاء للسادة الرؤساء المتكبرين في الدنيا: لولا صدكم لنا عن الإيمان بالله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، لكنا مؤمنين بالله، مصدقين برسوله صلى الله عليه وسلم وكتابه.
فأجابهم القادة:
{قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا: أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ، بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ} أي قال السادة القادة المتكبرون في الدنيا للأتباع الضعفاء، مستنكرين لما قالوا: أنحن منعناكم عن الإيمان واتباع طريق الهدى بعد أن جاءكم من عند الله؟ لا، بل أنتم منعتم أنفسكم بإصراركم على الكفر، وولوغكم في الاجرام والإثم.
فرد عليهم الأتباع بقولهم:
{وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ، إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ، وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً} أي رد الأتباع على القادة رؤساء الضلال: بل الذي صدنا عن الإيمان مكركم بنا بالليل والنهار حين كنتم تطلبون منا أن نبقى على الكفر بالله، ونجعل له أشباها وأمثالا في الألوهية والعبادة.
ثم ذكر مصير الفريقين فقال:
{وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمّا رَأَوُا الْعَذابَ، وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي وأضمر الجميع من السادة والأتباع كل ندم على ما سلف منه عن الكفر، وأخفاه عن غيره، مخافة الشماتة، وتبينت الندامة في وجوههم حين واجهوا العذاب المحدق بهم، وحين جعلنا الأغلال وهي السلاسل التي تجمع أيديهم مع أعناقهم في النار.
ثم أخبر تعالى عن عدالة هذا الجزاء، فقال:
{هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} ؟ أي إنما نجازي هؤلاء وأمثالهم بأعمالهم، كل بحسبه، وبسبب ما اقترفه من الشرك بالله والإثم، للقادة عذاب بحسبهم، وللأتباع بحسبهم:{وَما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت 46/ 41].