الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معلومة له. {وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} أي لا يزاد ولا يطول من عمر أحد، ولا ينقص من عمر معمر آخر، وذلك بحسب العرف والعادة الشائعة بين الناس. {إِلاّ فِي كِتابٍ} أي في صحيفة المرء في اللوح المحفوظ، وتطويل العمر وتقصيره: هما بقضاء الله وقدره، لأسباب تقتضي التطويل أو التقصير، فمن أسباب التطويل: صلة الرحم، ومن أسباب التقصير: الاستكثار من معاصي الله عز وجل. {إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} أي لا يصعب عليه منه شيء.
المناسبة:
بعد الإخبار عن عذاب الكفار الشديد، والمغفرة والأجر الكبير للمؤمنين يوم القيامة، أقام تعالى الدليل على البعث بإحياء الأرض بعد موتها، وبخلق الإنسان ومروره في أطوار مختلفة من التراب، فالنطفة، فالبشر السوي، فالمدّ في العمر أو تقصيره.
التفسير والبيان:
كثيرا ما يستدل الله تعالى على المعاد أو البعث بإحياء الأرض بعد موتها، كما في أول سورة الحج مثلا، وقال هنا:
{وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً، فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ، فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها، كَذلِكَ النُّشُورُ} أي والدليل الحسي المشاهد على إمكان البعث وأنه مقدور لله تعالى: أنه سبحانه يرسل الرياح، فتحرك الغيوم إلى حيث يشاء الله، فيقوده إلى بلد ميت لا نبات به، فينزل المطر عليه، فتحيا الأرض بالنبات بعد يبسها، وتصبح مخضرة ذات زرع وشجر، بعد أن كانت تربة هامدة، فكذلك يكون النشور أي كما يحيي الله الأرض بعد موتها، يحيي العباد بعد موتهم، وهذا هو النشور، أي جعلهم أحياء.
جاء في حديث أبي رزين: «قلت: يا رسول الله، كيف يحيي الله الموتى؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال صلى الله عليه وسلم: يا أبا رزين، أما مررت بوادي قومك
ممحلا، ثم مررت به يهتز خضرا؟! قلت: بلى، قال صلى الله عليه وسلم: فكذلك يحيي الله الموتى».
ثم ندد الله تعالى بمشاعر الكفار بالعزة والغطرسة التي حجبتهم عن طاعة الله، فقال:
{مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} أي من كان يريد الوصول إلى الشرف والتعزز والسمو، فليتعزز بطاعة الله، وليطلبها من الله لا من غيره، فإن الله مصدر العزة، وهو يهب منها لمن يشاء، وهذا ردّ على الكفار الذين كانوا يطلبون العزة بعبادة الأصنام، وعدم الطاعة للرسل، وترك الاتّباع له، فقال:
إن كنتم تطلبون بهذا الكفر العزة في الحقيقة، فهي كلها لله، ومن يتذلل له فهو العزيز، ومن يتعزز عليه، فهو الذليل. وذلك كما قال تعالى:{وَلِلّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون 8/ 63]. وقد حكى القرآن طلب المشركين العزة بعبادة الأصنام، فقال:{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا} [مريم 81/ 19]. وأما المشركون فكانوا يطلبون العزة عند الكفار فقال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ؟!} [النساء 139/ 4].
ثم وصف الله تعالى بعض مظاهر العزة ردا على الكفار الذين كانوا يقولون:
نحن لا نعبد من لا نراه ولا نحضر عنده، فقال:
{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ} أي إن كنتم لا تصلون إلى الله، فهو يسمع كلامكم، ويقبل طيب الكلام، كالتوحيد والأذكار، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعاء، وتلاوة القرآن وغير ذلك. ومن أفضل الأذكار: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
وإن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب، كما أنه لا يقبل الكلم الطيب إلا مع
العمل الصالح، وصلاح العمل: الإخلاص فيه، فلا يتقبل الله صلاة وصياما وزكاة ونحو ذلك من أعمال البر، إذا لم تكن لله، وفعلت مراءاة للناس.
قال ابن عباس: الكلم الطيب: ذكر الله تعالى، يصعد به إلى الله عز وجل، والعمل الصالح: أداء الفريضة.
ثم أخبر الله تعالى أنه لا يقبل من المرائين أعمالهم، فقال:
{وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ} أي والذين يعملون المكرات السيئات في الدنيا، كالتآمر على قتل النبي صلى الله عليه وسلم، أو لإضعاف المسلمين، ويوهمون غيرهم أنهم في طاعة الله تعالى، وهم بغضاء إلى الله عز وجل، يراءون بأعمالهم، لهم عقاب بالغ الغاية في الشدة.
ومكر هؤلاء الكاذبين المفسدين يفسد ويبطل ولا ينفذ؛ لأن الأمور مقدرة، لا تتغير بالمكر والحيلة، ولأن المرائي ينكشف أمره بسرعة، ولا يروج أمره ويستمر إلا على غني، أما المؤمنون المتفرسون فلا يروج ذلك عليهم، بل ينكشف لهم عن قريب، وعالم الغيب لا تخفى عليه خافية، يجازي على الرياء أشد العذاب.
ثم ذكر الله تعالى دليلا آخر على إمكان البعث بخلق الأنفس فقال:
{وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ، ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ، ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً} أي والله سبحانه ابتدأ خلق الإنسان من تراب، فخلق أبانا آدم من تراب، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، فجعل الخلق المتوالي الدائم من النطفة (المني) والنطفة من الغذاء، والغذاء من الماء والتراب، فقد صير التراب نطفة، ثم جعل الناس أصنافا، ذكرانا وإناثا، فهذا التحول من تراب إلى خلية حية، إلى إنسان سوي دليل قاطع على إمكان البعث الذي هو إعادة الحياة مرة أخرى، والإعادة في مفهوم الناس أهون من الإعادة، أما عند الله فهما سواء.