الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا دليل القدرة، أعقبه تعالى بالدليل على كمال العلم فقال:
{وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاّ بِعِلْمِهِ} أي إن الله عالم بحمل أي أنثى في العالم، لا يخفى عليه من ذلك شيء، كما أنه عالم بوقت الوضع ومكانه وكيفيته، كما قال:{اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ، عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ} [الرعد 8/ 13 - 9].
{وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاّ فِي كِتابٍ} سماه معمّرا بما هو صائر إليه، أي ما يمدّ في عمر أحد، وما ينقص من عمر آخر إلا في صحيفة كل إنسان في اللوح المحفوظ، لا يزيد على ذلك ولا ينقص منه، سواء أكان من أصحاب الأعمار الطويلة أم القصيرة الأجل، فتطويل العمر وتقصيره هما بقضاء الله وقدره، لأسباب مسبقة يعلمها الله، فمن أطال عمره فلأنه يفعل ما يقتضي التطويل، كصلة الرحم، ومن قصر عمره فلأنه يفعل ما يقتضي التقصير، كالإكثار من معاصي الله.
روى البخاري ومسلم وأبو داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سرّه أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره
(1)
، فليصل رحمه».
{إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} أي إن ذلك النظام المرتب للعالم سهل يسير على الله، لديه علمه جملة وتفصيلا، فإن علمه شامل لجميع المخلوقات، لا يخفى عليه شيء منها.
فقه الحياة أو الأحكام:
يستنبط من الآيات ما يلي:
(1)
أي يؤخر له في أجله.
1 -
إمكان حدوث البعث؛ لأن الله قادر على كل شيء، ومن مظاهر قدرته الدالة على ذلك بنحو حسي مباشر: إحياء الأرض بالمطر بعد يبسها وذهاب ما فيها من زروع ونباتات، واكتسائها بالخضرة والمروج، والنبات، والثمار المختلفة الألوان والأنواع والطعوم.
فكما حدث من تبدل من موت إلى حياة كذلك يحدث إحياء المخلوقات، فمثل إحياء الأرض الموات نشر الأموات، وإعادة الحياة لهم بعد الموت.
2 -
إن الاعتزاز بالكفر والمال والأولاد والجاه والسمعة والنفوذ سراب خادع، فإن من كان يريد العزة التي لا ذلة فيها في الدنيا والآخرة، فعليه بطاعة الله عز وجل وعبادته وحده دون شريك؛ لأن الله تعالى مصدر العزة، وهو سبحانه يعز من يشاء في الدنيا والآخرة، ويذلّ من يشاء،
قال صلى الله عليه وسلم مفسّرا لقوله تعالى: {مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} : «من أراد عزّ الدارين، فليطع العزيز» .
وعليه، من كان يريد العزة لينال الفوز الأكبر، ويدخل في دار العزة -ولله العزة-فليقصد بالعزة الله سبحانه والاعتزاز به، فإنه من اعتز بالعبد أذله الله، ومن اعتز بالله أعزه الله.
3 -
الكلم الطيب من توحيد الله وذكره ودعائه وتلاوة كتابه ونحو ذلك هو الذي يقبله الله عز وجل، والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب كما قال ابن عباس وغيره، كما أن الكلم الطيب لا يقبل إلا مع العمل الصالح. وصلاح العمل:
الإخلاص فيه،
جاء في الحديث: «لا يقبل الله قولا إلا بعمل، ولا يقبل قولا وعملا إلا بنية، ولا يقبل قولا وعملا ونية إلا بإصابة السنة»
(1)
.
(1)
رواه الطبراني عن ابن عمر بلفظ: «لا يقبل إيمان بلا عمل، ولا عمل بلا إيمان» .
وردّ على ابن عباس قوله بتعارضه مع معتقد أهل السنة، وأن ذلك لا يصح عنه. قال القرطبي: والحق أن العاصي التارك للفرائض إذا ذكر الله، وقال كلاما طيبا، فإنه مكتوب له متقبّل منه، وله حسناته وعليه سيئاته، والله تعالى يتقبل من كل من اتقى الشرك. وأيضا فإن الكلام الطيب عمل صالح، وإنما يستقيم قول من يقول: إن العمل هو الرافع للكلم، بأن يتأوّل أنه يزيد في رفعه، وحسن موقعه إذا تعاضد معه، كما أن صاحب الأعمال من صلاة وصيام وغير ذلك، إذا تخلل أعماله كلم طيب وذكر الله تعالى، كانت الأعمال أشرف؛ فيكون قوله:{وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ} موعظة وتذكرة وحضّا على الأعمال. وأما الأقوال التي هي أعمال في نفوسها، كالتوحيد والتسبيح فمقبولة
(1)
.
4 -
إن الذين يراءون في أعمالهم، ويعملون المكرات السيئات في الدنيا، لهم عذاب شديد في نار جهنم، ومكرهم بائد غير نافذ. والمكر: ما عمل على سبيل احتيال وخديعة.
5 -
الدليل الاخر على إمكان البعث أحوال نفوس البشر وأطوارها، فقد خلق الله تعالى أصلها من تراب، ثم جعل النطفة سببا للخلق، ثم حدث التزاوج بين الذكر والأنثى، ليتم البقاء في الدنيا إلى نهاية العالم، عن طريق التناسل، فلا يكون حمل ولا وضع إلا والله عالم به، ولا يخرج شيء عن تدبيره.
6 -
الأعمار كالأرزاق مقدرة محددة في صحيفة كل إنسان، لا تزيد ولا تنقص، وأما طول العمر بأسباب، كصلة الرحم، فهو داخل في تقدير العمر بصفة نهائية في علم الله، إذ إنه يكتب في اللوح المحفوظ: عمر فلان كذا سنة، فإن وصل رحمه، زيد في عمره كذا سنة، وفي موضع آخر من اللوح المحفوظ بيّن: إنه سيصل رحمه، فمن اطلع على الأول دون الثاني، ظن أنه زيادة أو نقصان.
(1)
تفسير القرطبي: 330/ 14