الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنهم الضر، ثم بيّن أنهم لا يملكون شيئا ولا تنفع شفاعتهم، فكيف يعبدونهم، وشأن المعبود تحقيق النفع للعابد؟
التفسير والبيان:
{قُلِ: اُدْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ} أي قل أيها النبي لهؤلاء المشركين من قريش: نادوا تلك الآلهة المزعومة كالأصنام، والتي عبدت من دون الله، ليكشفوا عنكم الضر الذي نزل بكم في سني الجوع، أو يجلبوا لكم النفع.
ثم أجاب سبحانه عنهم الجواب المتعين دون مكابرة، مبينا خطأهم، فقال:
{لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} أي إن تلك الآلهة المزعومة لا يملكون شيئا أبدا، ولو كان وزن ذرة في السموات والأرض، وليس لهم قدرة على خير ولا شر في أمر من الأمور، كما قال تعالى:{وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} [فاطر 13/ 35].
ثم نفى الله تعالى وجود الشريك والمعين له، فقال:
{وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ، وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} أي لا تستطيع الأصنام شيئا أصلا، لا استقلالا، ولا شركة في الخلق أو الملك، فليس لله شريك ولا معين على خلق شيء ولا على حفظه، كما قال تعالى:{ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ، وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً} [الكهف 51/ 18] بل الخلق كلهم فقراء إليه، عبيد لديه.
ثم نفى إمكان شفاعتهم، فقال:
{وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} أي لا تنفعهم شفاعة تلك الأصنام؛ لأنه لا تنفع الشفاعة في حال من الأحوال إلا لمن أذن الله له أن يشفع، من الملائكة والنبيين ونحوهم من أهل العلم والعمل، وهو لا يأذن للكافرين،
وهؤلاء الشفعاء المأذون لهم لا يشفعون إلا لمن يستحق الشفاعة، لا للكافرين، كما قال تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ} [البقرة 255/ 2] وقال سبحانه: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى} [النجم 26/ 53] وقال عز وجل: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى، وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء 28/ 21] وقال عز اسمه:
{لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً} [النبأ 38/ 78].
ومفاد هذه الآيات: أن الشفاعة تحتاج إلى إذن الله تعالى، ولا شفاعة إلا لمن ارتضى الله، وأن تكون أسباب الشفاعة حقا وصوابا مقبولا، لهذا ثبت في الصحيحين من غير وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سيد ولد آدم، وأكبر شفيع عند الله تعالى حين يقوم المقام المحمود ليشفع في الخلق كلهم حينما يأتي ربهم لفصل القضاء، أنه قال:«فأسجد لله تعالى، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ويفتح علي بمحامد لا أحصيها الآن، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع» .
وفي هذا الموقف الرهيب يتجلى مقام رفيع من العظمة الإلهية، وهو أنه تعالى إذا تكلم بالوحي، فسمع أهل السموات كلامه، أرعدوا من الهيبة حتى يلحقهم مثل الغشي، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه ومسروق وغيرهما.
وهنا ذكر الله تعالى ما يحدث بعد انتظار الإذن بالشفاعة، فقال:
{حَتّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا: ماذا قالَ رَبُّكُمْ؟ قالُوا: الْحَقَّ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} أي إن الناس والملائكة يقفون فزعين خائفين منتظرين الإذن بالشفاعة، حتى إذا أذن للشافعين، وأزيل الخوف والفزع عنهم، قال بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم في الشفاعة؟ قالوا للذي قال: قال ربنا القول الحق، وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى، والله هو المتفرد بالعلو والكبرياء والعظمة،