الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{خَلائِفَ} جمع خليفة، يخلف بعضكم بعضا وهو الذي يقوم بما كان يقوم به سلفه، والخلفاء: جمع خليف. {فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} جزاء كفره {مَقْتاً} غضبا وبغضا {خَساراً} خسارة للآخرة؛ لأنهم اشتروا بعمرهم رأس المال سخط الله تعالى.
المناسبة:
بعد بيان جزاء ورثة القرآن، ذكر جزاء الكفار؛ لأن المقارنة تبعث في النفس طمأنينة وارتياحا، وليعرف المؤمنون أن فخار الكفار في الدنيا عليهم ينقلب حسرة في الآخرة، وأنه لا نصير للظالمين. ثم أردف ذلك ببيان إحاطة علم الله بالأشياء، لينفي وجود نصير للظالمين، ثم ذكر خلافتهم في الأرض ليقطع حجتهم بطلب العودة إلى الدنيا، وأعقبه بتهديد الكافرين على كفرهم، فإنه لا ينفع عند الله إلا المقت، ولا يفيدهم إلا الخسارة، فإن العمر كرأس مال من اشترى به رضا الله ربح، ومن اشترى به سخطه خسر.
التفسير والبيان:
بعد بيان حال السعداء شرع الله تعالى في بيان حال الأشقياء في الآخرة، فقال:
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا، وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها} أي والذين كفروا بالله وبالقرآن وستروا ما تدل عليه العقول من دلالات واضحة على الحق، لهم نار جهنم، لا يحكم عليهم بموت ثان، فيستريحوا من العذاب والآلام، ولا يخفف عنهم شيء من العذاب طرفة عين، بل كلما خبت زيد سعيرها، وكلما نضجت جلودهم بدلهم الله جلودا غيرها ليذوقوا العذاب.
ونظير الآية قوله تعالى: {وَنادَوْا يا مالِكُ، لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ، قالَ:}
{إِنَّكُمْ ماكِثُونَ} [الزخرف 77/ 43] وقوله سبحانه: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ، لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ، وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف 74/ 43 - 75] وقوله:
{كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً} [الإسراء 97/ 17] وقوله: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاّ عَذاباً} [النبأ 30/ 78].
وثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أما أهل النار الذين هم أهلها، فلا يموتون فيها، ولا يحيون» .
{كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} أي مثل ذلك الجزاء الشديد نجزي كل مبالغ في الكفر، فنزج به في قعر جهنم.
ثم وصف تعالى حالهم في العذاب بقوله:
{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها: رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنّا نَعْمَلُ} أي وهؤلاء الكفار يستغيثون في النار، رافعين أصواتهم، ينادون قائلين: ربنا أخرجنا منها، وارجعنا إلى الدنيا، نعمل عملا صالحا ترضى عنه، غير ما كنا نعمله من الشرك والمعاصي، فنجعل الإيمان بدل الكفر، والطاعة بدل المعصية.
فرد الله عليهم موبخا:
{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} أي ألم نبقكم مدة من العمر، تتمكنون فيه من التذكر إذا أردتم التذكر، أو أما عشتم في الدنيا أعمارا لو كنتم ممن ينتفع بالحق، لانتفعتم به في مدة عمركم؟ ونظير الآية:{فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ، ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ، وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا} [غافر 11/ 40 - 12].
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لقد أعذر الله تعالى إلى عبد أحياه حتى بلغ ستين أو سبعين سنة، لقد أعذر الله تعالى إليه، لقد أعذر الله تعالى إليه» .
{وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ} أي وجاءكم الرسول المنذر، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه
القرآن، ينذركم بالعقاب إن عصيتم. وقيل: النذير: الشيب. وقال الرازي:
أي آتيناكم عقولا، وأرسلنا إليكم من يؤيد المعقول بالدليل المنقول.
وبه يتبين أن الله تعالى احتج عليهم بالعمر والرسل؛ لقوله تعالى:
{وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ، قالَ: إِنَّكُمْ ماكِثُونَ، لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ، وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ} [الزخرف 77/ 43 - 78] وقوله سبحانه:
{فَذُوقُوا فَما لِلظّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} أي فذوقوا عذاب جهنم، جزاء على مخالفتكم للأنبياء في الدنيا، فليس لكم اليوم ناصر ينقذكم مما أنتم فيه من العذاب والنكال، وهو تهكم بصيغة الأمر مثل قوله:{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان 49/ 44].
ثم أخبر تعالى عن إحاطة علمه بجميع الأمور ومنها أحوالهم، فقال:
{إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ} أي إن الله يعلم كل أمر خفي في السموات والأرض، ومنها أعمال العباد، لا تخفى منها خافية، فلو ردّكم إلى الدنيا لم تعملوا صالحا، كما قال سبحانه:{وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ} [الأنعام 28/ 6] وذلك لأنه عليم بما تنطوي عليه الضمائر، وبما تكنّه السرائر، من المعتقدات والظنون وحديث النفس، وسيجازي كل عامل بعمله.
وفيه إشارة إلى أنه لو أعادهم إلى الدنيا لم يعدلوا عن الكفر أبدا. وقوله:
{إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ} تعليل لشمول علمه.