الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد كان سبب نزول أدب الطعام والجلوس وليمة النبي صلى الله عليه وسلم عند زواجه بزينب، وسبب نزول الحجاب بسبب القعود في بيت زينب.
المناسبة:
بعد بيان حال النبي صلى الله عليه وسلم مع أمته بأنه المبشر المنذر الداعي إلى الله تعالى، أبان الله تعالى حال المؤمنين مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكما أن دخولهم الدين كان بدعوته، كذلك لا يكون دخول بيته إلا بدعوته، إرشادا إلى الأدب معه واحترامه وتوفير راحته في بيته، ثم تعظيمه بين الناس بالأمر بعد هذه الآيات بالصلاة والسلام عليه.
ولا يقتصر الأدب معه على الدخول إلى بيته، بل يشمل الخروج منه بعد انتهاء الحاجة من استفتاء أو تناول طعام، فذلك حق وأدب، ثم ذكر الله أدبا آخر، وهو طلب شيء من الحوائج من نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود حجاب أو ستر أو حائل. ومناسبة هذا لما قبله أنه لما منع الله الناس من دخول بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان في ذلك تعذر الوصول إلى استعارة بعض الحوائج، بيّن أن ذلك غير ممنوع منه، وإنما يجب أن يكون السؤال والطلب من وراء حجاب.
التفسير والبيان:
تضمنت هذه الآيات آدابا عامة في الدخول إلى البيوت والخروج منها، والحجاب وعدم الاختلاط وتحريم إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم وزواج نسائه من بعده.
وهي مما وافق الوحي فيها وتنزيلها قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كما ثبت في الصحيحين عنه أنه قال: وافقت ربي عز وجل في ثلاث، قلت: يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فأنزل الله:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة 125/ 2]. وقلت: يا رسول الله، إن نساءك يدخل
عليهن البر والفاجر، فلو حجبتهن، فأنزل الله آية الحجاب. وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما تمالأن عليه:{عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ} فنزلت كذلك.
وآية الحجاب هذه-كما ذكر قتادة والواقدي-نزلت في صبيحة عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش التي تولى الله تعالى تزويجها بنفسه، وكان ذلك في ذي القعدة من السنة الخامسة، وقد صدّرت الآية بأدب اجتماعي يدفع الحرج عن النبي، فقال تعالى:
1 -
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ} أي يا أيها الذين صدقوا بالله ربّا وبمحمد رسولا إياكم أن تدخلوا بيتا من بيوت النبي صلى الله عليه وسلم في كل الأحوال إلا في حال كونكم مصحوبين بالإذن بأن دعيتم إلى وليمة طعام، غير منتظرين وقت نضجه واستوائه، فإذا تم النضج وتوافر الإعداد فادخلوا حينئذ.
وهذا قوله تعالى:
2 -
{وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا، فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا، وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} إذا دعاكم الرسول صلى الله عليه وسلم فادخلوا البيت الذي أذن لكم بدخوله، فإذا تناولتم الطعام الذي دعيتم إليه فتفرقوا ولا تمكثوا فيه من أجل تبادل أطراف الحديث والتحدث في شؤون الدنيا.
وهذا دليل على حظر المؤمنين من دخول منازل النبي صلى الله عليه وسلم بغير إذن، وعدم ارتقاب نضج الطعام، وعلى حرمة التطفل، وعلى عدم البقاء في البيوت بعد الأكل، للاشتغال بلهو الحديث مع بعضكم أو مع أهل البيت، فذلك أمر غير مرغوب فيه، ونوع من الثقل غير محمود؛ لأن أهل البيت بحاجة إلى التفرغ لتنظيف الأواني والراحة من عناء إعداد الطعام، لذا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما
رواه أحمد والشيخان والترمذي عن عقبة بن عامر: «إياكم والدخول على النساء» . وعلل تعالى طلب مغادرة البيوت بعد الطعام بقوله:
{إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ، وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} أي إن بقاءكم واشتغالكم بالحديث والدخول قبل نضج الطعام كان يؤذي النبي-وإيذاؤه حرام-ويشق عليه، لمنعه من قضاء بعض حاجته، ولما فيه من المضايقة لأهل البيت، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن ينهاهم عن ذلك من شدة حيائه صلى الله عليه وسلم، حتى أنزل الله عليه النهي عن ذلك، والله لا يترك بيان الحق وهو الأمر بالخروج ومنعهم من البقاء والمكث. وهذا أدب عام لا يقتصر على النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يشمل سائر المؤمنين. ويحرم اللبث إذا كان فيه إيذاء لصاحب البيت.
وقد نصت آيات سورة النور [27 - 31] على بيوت المؤمنين وآية الأحزاب [59] في حجاب نسائهم في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} .
3 -
{وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ} أي وكما نهيتكم عن الدخول إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم من غير إذن ودون انتظار إدراك الطعام، كذلك نهيتكم عن النظر إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا طلبتم منهن شيئا ينتفع به، من ماعون وغيره، فاطلبوه من وراء حجاب ساتر، وحائل مانع من النظر.
وسبب النهي عن ذلك، والأمر بالحجاب كما قال تعالى:
{ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} أي إن هذا الذي أمرتكم به وشرعته لكم من الدخول بالإذن، والخروج عقب الطعام دون الاستئناس بالحديث، والحجاب أطهر وأطيب للنفس، وأبعد عن الريبة والتهمة والفتنة، وأكثر طمأنينة للقلوب من الهواجس والوساوس الشيطانية.
ولما علّم الله المؤمنين أدب الدخول إلى البيوت وصون الأذن والعين من النظر المحرّم، أكده بما يحملهم على محافظته، فقال:
4 -
{وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ، وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ} أي ما صح وما ينبغي لكم أن تكونوا سببا في إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو تفعلوا فعلا يضايقه ويكرهه، كالمكث في منزله والاشتغال بالحديث، فكل ما منعتم عنه مؤذ، فامتنعوا عنه، فإنه صلى الله عليه وسلم حريص على ما فيه إسعادكم وخيركم في الدنيا والآخرة، ومن أشد أنواع الأذى ومما هو حرام عليكم أن تتزوجوا أبدا بنسائه بعد مفارقتهن بموت أو طلاق، تعظيما له، ولأنهن أمهات المؤمنين، ولأنه ذنب عظيم كما قال تعالى:
{إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً} أي إن إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم ونكاح أزواجه من بعده ذنب عظيم وإثم كبير. وفي هذا تعظيم الأمر، وتشديد فيه وتوعد عليه، ثم أكد ذلك بالبعد عن الإيذاء في الباطن والظاهر فقال:
{إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ، فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} أي إن تظهروا شيئا من الأذى أو تكتموه، فإن الله عليم علما تاما دقيقا به، يعلم ما تكنّه ضمائركم، وتنطوي عليه سرائركم، ولا تخفى عليه خافية:{يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر 19/ 40] وهو مجاز كل إنسان بحسب ذلك العلم.
ثم استثنى الله تعالى من حكم حجاب أزواج النبي على الأجانب المحارم ونساء المؤمنين والأرقاء، فقال:
{لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ، وَاتَّقِينَ اللهَ، إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً} أي لا إثم على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في ترك الحجاب أمام آبائهن