الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن كان الإيذاء بحق لم يحرم، مثل الإيذاء بالقصاص، والإيذاء بقطع اليد في السرقة، والإيذاء بالتعزيرات المختلفة، وقتال المرتدين،
لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتواتر الذي رواه أصحاب الكتب الستة عن أبي هريرة: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها» . فهم أبو بكر رضي الله عنه من هذا الحديث أن الزكاة حق المال، فقاتل مانعيه من أجله، وقال:«والله لو منعوني عناقا كانوا يعطونه لرسول الله، لقاتلتهم عليه» وحاجه في ذلك عمر فقال: «إلا بحقها» والزكاة حق الأموال، فانشرح صدره لما رآه أبو بكر.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
1 -
إن آية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تشريف له حياته وموته، وتنويه بمنزلته ومكانته السامية، والصلاة كما بينا من الله: الرحمة والرضوان، ومن الملائكة:
الدعاء والاستغفار، ومن الأمة: الدعاء والتعظيم لأمره.
2 -
أمر الله تعالى عباده بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم دون أنبيائه تشريفا له، ولا خلاف في أنها فرض في العمر مرة، وسنة مؤكدة في كل حين لا يسع المسلم تركها، ولا يغفلها إلا من لا خير فيه.
وقد عرفنا صفة الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وهي صيغة الصلاة الإبراهيمية، وبينا فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو كما
ورد عنه فيما رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة: «من صلّى علي واحدة، صلّى الله عليه بها عشرا»
وقال أيضا: «من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة يصلون عليه ما دام اسمي في ذلك الكتاب»
(1)
. وقال سهل بن عبد الله: الصلاة
(1)
لكن قال عنه ابن كثير: ليس هذا الحديث بصحيح من وجوه كثيرة.
على محمد صلى الله عليه وسلم أفضل العبادات؛ لأن الله تعالى تولاها هو وملائكته، ثم أمر بها المؤمنين، وسائر العبادات ليس كذلك. وقال أبو سليمان الداراني: من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسأل الله حاجته، ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن الله تعالى يقبل الصلاتين، وهو أكرم من أن يرد ما بينهما.
وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فهي سنة مستحبة عند الجمهور، فإن تركها فصلاته مجزية، وواجبة لدى الشافعي، فمن تركها فعليه الإعادة.
وأما الصلاة على غير الأنبياء: فإن كانت على سبيل التبعية مثل: اللهم صل على محمد وآله، وأزواجه، وذريته، فهذا جائز بالإجماع، فإن أفردوا فقال جماعة: يجوز ذلك؛ لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} [الأحزاب 43/ 33] وقوله: {أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة 157/ 2] وقوله: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة 103/ 9]
وحديث الصحيحين عن عبد الله بن أبي أوفى قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال:
«اللهم صلّ عليهم» فأتاه أبي بصدقته فقال: «اللهم صلى على آل أبي أوفى»
وحديث جابر أن امرأته قالت: يا رسول الله، صلّ عليّ وعلى زوجي، فقال:
وقال جمهور العلماء: لا يجوز إفراد غير الأنبياء بالصلاة؛ لأن هذا قد صار شعارا للأنبياء إذا ذكروا، فلا يلحق بهم غيرهم، فلا يقال: أبو بكر صلّى الله عليه، أو قال عليّ صلّى الله عليه، وإن كان المعنى صحيحا، كما لا يقال: محمد عز وجل، وإن كان عزيزا جليلا؛ لأن هذا من شعار ذكر الله عز وجل. وأما ما ورد في الكتاب والسنة من ذلك، فمحمول على الدعاء لهم، ولهذا لم يثبت شعارا لآل أبي أوفى ولا لجابر وامرأته.
والصحيح أن هذا المنع من الصلاة على غير الأنبياء مكروه كراهة تنزيه؛ لأنه شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم.
والسلام هو في معنى الصلاة، فلا يستعمل في الغائب، ولا يفرد به غير الأنبياء، فلا يقال: علي عليه السلام، وهذا سواء في الأحياء والأموات. وأما الحاضر فيخاطب به، فيقال: سلام عليك، وسلام عليكم، أو السلام عليك أو عليكم، وهذا مجمع عليه.
وقال النووي: إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فليجمع بين الصلاة والتسليم، فلا يقتصر على أحدهما، فلا يقول: صلّى الله عليه فقط، ولا عليه السلام فقط؛ لقوله تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} .
3 -
إن من يؤذي الله ورسوله يستحق اللعنة والطرد من رحمة الله في الدنيا والآخرة، وله عذاب محقر مؤلم في نار جهنم. وإيذاء الله: يكون بالكفر ونسبة الصاحبة والولد والشريك إليه، ووصفه بما لا يليق به، كقول اليهود:{يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة 64/ 5]، و {عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ} [التوبة 30/ 9]، وقول النصارى:{الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ} [التوبة 30/ 9]، وقول المشركين: الملائكة بنات الله، والأصنام شركاؤه.
وجاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«يقول الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم، يسبّ الدهر، وأنا الدهر. أقلّب ليله ونهاره» ،
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال الله تبارك وتعالى:
«يؤذيني ابن آدم يقول: يا خيبة الدهر، فلا يقولن أحدكم: يا خيبة الدهر، فإني أنا الدهر، أقلّب ليله ونهاره، فإذا شئت قبضتهما» . هكذا جاء هذا الحديث موقوفا على أبي هريرة في هذه الرواية.
وقد جاء مرفوعا عنه بلفظ آخر عند مسلم أيضا: «يؤذيني ابن آدم يسبّ الدهر، وأنا الدهر أقلّب الليل
والنهار». وقال عكرمة: معناه بالتصوير والتعرض لفعل ما لا يفعله إلا الله بنحت الصور وغيرها،
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله المصوّرين» .
والطعن في تأمير أسامة بن زيد
(1)
لغزو «أبنى» قرية عند مؤتة أذية له صلى الله عليه وسلم، من حيث إنه كان من الموالي، ومن حيث إنه كان صغير السن؛ لأنه كان إذ ذاك ابن ثمان عشرة سنة، ومات النبي صلى الله عليه وسلم بعد خروج هذا الجيش إلى ظاهر المدينة، فنفّذه أبو بكر بعده صلى الله عليه وسلم.
جاء في صحيح البخاري عن ابن عمر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا، وأمّر عليهم أسامة بن زيد، فطعن الناس في إمرته؛ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«إن تطعنوا في إمرته، فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبل، وايم الله إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليّ بعده» .
وفي هذا الحديث دلالة على جواز إمامة المولى والمفضول على غيرهما ما عدا الإمامة الكبرى، ويؤكده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدّم سالما مولى أبي حذيفة على الصلاة بقباء، فكان يؤمهم، وفيهم أبو بكر وعمر وغيرهم من كبراء قريش.
4 -
إن إيذاء المؤمنين والمؤمنات بغير حق بالأقوال أو الأفعال القبيحة بهتان وإثم واضح. ومن أنواع الأذى: التعيير بحسب مذموم، أو حرفة مذمومة، أو شيء يثقل عليه إذا سمعه.
وقد ميّز الله بين أذاه سبحانه وأذى الرسول صلى الله عليه وسلم وأذى المؤمنين، فجعل الأول كفرا موجبا اللعن، والثاني كبيرة، فقال في أذى المؤمنين:{فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً} .
(1)
كان أسامة رضي الله عنه يدعى: الحبّ ابن الحبّ، وكان أسود شديد السواد، وكان زيد أبوه أبيض.