الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{قُلْ: جاءَ الْحَقُّ، وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ} أي قل للمشركين: جاء الدين الحق وهو الإسلام والقرآن والتوحيد، وهو الذي سيعلو على سائر الأديان، ويمحق الله الباطل ويذهب أثره، فلا يبقي منه شيئا، كما قال تعالى:
{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ، فَيَدْمَغُهُ، فَإِذا هُوَ زاهِقٌ} [الأنبياء 18/ 21].
روى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي «أنه لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام يوم الفتح، ووجد الأصنام منصوبة حول الكعبة، جعل يطعن الصنم منها بسية قوسه ويقرأ:{وَقُلْ: جاءَ الْحَقُّ، وَزَهَقَ الْباطِلُ، إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً} [الإسراء 81/ 17]، و {قُلْ جاءَ الْحَقُّ، وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ} .
ثم أكد الله تعالى تقرير الرسالة، وأعلن القول الفصل بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين، فقال:
{قُلْ: إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي، وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} أي قل أيها النبي لأولئك المشركين: إن ضللت عن الهدى وطريق الحق، فإن إثم ضلالي وضرره على نفسي، وإن عرفت طريق الهداية فمما أوحى إلي ربي من الخير والحق والاستقامة، إنه سميع لقولي وأقوالكم، قريب مني ومنكم، يعلم الهدى والضلالة، ويجازي كل إنسان بما يستحق.
فالخير كله من الله عز وجل، وفيما أنزله من الوحي والحق المبين الذي فيه الهدى والبيان والرشاد، ومن ضل فإنما يضل من تلقاء نفسه.
فقه الحياة أو الأحكام:
يفهم من الآيات ما يلي:
1 -
العدل والحق المطلق أهم مزية الحكم الإلهي، فلا يظلم الله أحدا،
ولا يعاقب إلا بأسباب موجبة للعقاب، وأهم الأسباب التي استحق بها المشركون نار جهنم: الطعن بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبالقرآن المجيد، وبالدين والإسلام نظام البشرية الأمثل، وقانونها الأعدل والأحكم.
2 -
لا حجة للمشركين في الإشراك بالله إلا تقليد الأسلاف واتباع الآباء والأجداد، دون حجة عقلية ولا برهان منطقي مقبول.
3 -
ليس للمشركين ما يعتمدون عليه أيضا من الأدلة النقلية، فليس لهم كتاب يقرءون فيه بطلان ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسمعوا شيئا عن دينهم من رسول بعث إليهم، فلا وجه لتكذيبهم ولا شبهة يتمسكون بها، كشبهة أهل الكتاب وإن كانت باطلة، الذين يقولون: نحن أهل كتاب وشرائع، ومستندون إلى رسل من رسل الله.
والخلاصة: أنه ليس للمشركين على شركهم حجة عقلية ولا نقلية.
4 -
لم يبق أمام موقف أولئك المشركين المتشدد المعاند إلا توعدهم على تكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن بما حلّ من العذاب بالأمم الغابرة كعاد وثمود، الذين كانوا أشد من أهل مكة المشركين بطشا، وأكثر أموالا وأولادا، وأوسع عيشا، فأهلكهم الله، بل إنهم ما بلغوا عشر ما أوتي من قبلهم من تلك الأمم.
5 -
وبجانب الوعيد فهناك للكلمة المتأنية والفكرة الهادئة دور حيوي، لذا دعاهم الله تعالى أيضا إلى إعمال الفكر، لا بنحو جماهيري جماعي غوغائي، وإنما بطريق ثنائي أو فردي يدعو إلى الهدوء والتروي والمناقشة المنطقية المقبولة، وذلك في توحيد الله مصدر السعادة، وفي حقيقة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بدراسة تاريخ حياته المعاصرة لهم، فهل جربوا عليه كذبا، أو رأوا فيه جنونا وخللا عقليا، وهل في أحواله وتصرفاته من فساد وشذوذ وانحراف، وهل كان يتردد إلى من يدّعي العلم بالسحر، وهل تعلّم الأقاصيص وقرأ الكتب، وهل عرفوه طامعا في
أموالهم، وهل هم قادرون على معارضة القرآن المنزل عليه في سورة واحدة؟! فإذا عرفوا بهذه التأملات والدراسة الواقعية صدقه، فما بال هذه المعاندة والمعارضة له؟ 6 - لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مبشرا من أطاعه بالجنة، ومنذرا من عصاه بنار جهنم يوم القيامة.
7 -
وأيضا إن عناء النبي الشديد في تبليغ دعوته دون أن يأخذ من أحد أجرا على تبليغ الرسالة دليل واقعي على صدق نبوته، فهو لا يريد إلا الأجر والثواب من عند ربه، وهذا دليل الإخلاص، والله رقيب على كل أعماله وأعمالهم، وعالم بها لا يخفى عليه شيء، فهو يجازي الجميع بما يستحقون.
8 -
الله الحق هو مصدر الوحي والحق والقرآن وبيان الحجة وإظهارها، وهذا ما أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه علام الغيوب: أي الأمر الذي غاب وخفي جدّا، وقد علم أن محمدا صلى الله عليه وسلم أولى من غيره باصطفائه للنبوة والرسالة ونزول القرآن على قلبه.
9 -
لقد جاء الحق للبشرية فعلا وهو القرآن الذي فيه البراهين والحجج على صحة الاعتقاد من التوحيد والرسالة والبعث والحساب. وإذا جاء الحق اندحر الباطل وهو الشرك والكفر ولم يعد له قرار ولا أثر ولا مقام، ولم يبق منه شيء أمام الحق.
10 -
قال الكفار للنبي محمد صلى الله عليه وسلم: تركت دين آبائك فضللت، فرد الله عليهم آمرا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: إن ضللت كما تزعمون، فإنما أضل على نفسي، أي إن ضرره وإثمه علي، وإن اهتديت إلى الحق والرشاد فبما أوحى الله إلي من الحكمة والبيان، إن الله سميع ممن دعاه، قريب الإجابة، وفي هذا تقرير للرسالة أيضا.