الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأجدادهن، سواء من جهة النسب أم من جهة الرضاع، أو أبنائهن من النسب أو الرضاع، أو إخوانهن الأشقاء أو لأب أو لأم، أو أبناء إخوانهن أو أبناء أخواتهن، أو أمام النساء المؤمنات القريبات أو البعيدات، أو الأرقاء من الذكور والإناث، إبعادا للحرج والمشقة في ذلك بسبب الخدمة. ثم ختمت الآية بما ينبه على زيادة الحذر والتقوى، فقال تعالى فيما معناه:
واخشين الله في السرّ والعلانية، فإنه شهيد على كل شيء، لا تخفى عليه خافية، فراقبنه، فإنه يجازي على كل عمل من خير أو شر؛ لأنه يعلم علم شهود وحضور ومعاينة كل شيء، وفي ذلك منتهى التحذير من مخالفة الأوامر والنواهي.
ونساء المؤمنين كنساء النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، بدليل آية النور:{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ، أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ.} . [31].
وأما السبب في عدم ذكر العم والخال في هاتين الآيتين فهو-كما ذكر عكرمة والشعبي-لأنهما قد يصفان ذلك لبنيهما، أو لأن العم والخال بمنزلة الوالدين، وقد يسمى العم أبا، كما قال تعالى:{نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ} [البقرة 133/ 2].
فقه الحياة أو الأحكام:
تضمنت الآيات الأحكام التالية:
1 -
الأدب في أمر الطعام والجلوس، فلا يجوز دخول بيت النبي صلى الله عليه وسلم إلا
بالإذن، والدخول حرام إلا لأجل الأكل ونحوه، وظاهر الآية حرمة مكث المدعو بعد تناول الطعام إذا كان ذلك مؤذيا لصاحب البيت.
ودخل في النهي سائر بيوت المؤمنين، فلا يجوز دخولها إلا بإذن عند الأكل، لا قبله لانتظار الطعام.
2 -
يجب التفرق والخروج من البيت والانتشار في أرض الله تعالى بعد تناول الطعام، وانتهاء المقصود من الأكل ونحوه، لقوله تعالى:{فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} والمراد من الأمر: إلزام الخروج من المنزل عند انقضاء المقصود من الأكل، بدليل أن الدخول من غير إذن حرام، وإنما جاز لأجل الأكل، فإذا انقضى الأكل زال السبب المبيح، وعاد التحريم إلى أصله.
3 -
قوله تعالى: {بُيُوتَ النَّبِيِّ} دليل على أن البيت للرجل، ويحكم له به، فإن الله تعالى أضافه إليه إضافة ملك. وأما الإضافة في قوله تعالى:
{وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب 34/ 33] فهي إضافة محل، بدليل أنه جعل فيها الإذن للنبي صلى الله عليه وسلم، والإذن إنما يكون للمالك.
وأما سكنى نساء النبي صلى الله عليه وسلم في بيوته في حياته وبعد موته من غير تملك، فهو حق لهن على الصحيح؛ فإن ذلك من مؤونتهن التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استثناها لهن، كما استثنى لهن نفقاتهن حين
قال فيما رواه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي عن عمر وعثمان وغيرهما: «لا تقتسم ورثتي دينارا ولا درهما، ما تركت بعد نفقة أهلي ومؤونة عاملي، فهو صدقة» ويدل لذلك أن مساكنهن لم يرثها عنهن ورثتهن، ولو كان ذلك ملكا لهن كان لا شك قد ورثه عنهن ورثتهن، وعدم الإرث دليل على أنها لم تكن ملكا لهن، وإنما كان لهن سكنى حياتهن، فلما توفّين جعل ذلك زيادة في المسجد الذي يعم المسلمين نفعه، كما جعل ذلك الذي كان لهن من النفقات في تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزيد إلى أصل المال، فصرف في منافع المسلمين مما يعمّ جميعهم نفعه.
4 -
قوله تعالى: {وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا} خص وقت الدخول بأن يكون عند الإذن على جهة الأدب، قال ابن العربي: وتقدير الكلام: ولكن إذا دعيتم وأذن لكم في الدخول فادخلوا، وإلا فنفس الدعوة لا تكون إذنا كافيا في الدخول
(1)
.
5 -
في قوله تعالى: {فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} دليل آخر في غير إلزام الخروج بعد انتهاء الأكل على أن الضيف يأكل على ملك المضيف، لا على ملك نفسه؛ لأنه قال:{فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} فلم يجعل له أكثر من الأكل، ولا أضاف إليه سواه، وبقي الملك على أصله.
6 -
قوله تعالى: {وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} دليل على أن المكث في المنزل بعد الطعام للاستئناس بالحديث أمر غير مرغوب فيه، وأدب يجب التزامه.
7 -
وقوله تعالى: {وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} أي لا يمتنع من بيانه وإظهاره دليل على ألا حياء في معرفة أحكام الدين وبيان الشرع.
جاء في الصحيح عن أم سلمة قالت: جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إذا رأت الماء» .
8 -
{وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً} الصواب في المتاع كما قال القرطبي: أنه عام في جميع ما يمكن أن يطلب من المواعين وسائر المرافق للدين والدنيا.
9 -
{فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ} في هذه الآية دليل على أن الله تعالى أذن في مسألتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض، أو مسألة يستفتين فيها، ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى، فلا يجوز كشف شيء من جسدها إلا لحاجة
(1)
أحكام القرآن: 1565/ 3
كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها، أو سؤالها عما يعرض وتعيّن كون الجواب عندها. قال القاضي عياض: فرض الحجاب بما اختصصن به، فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين، فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا غيرها ولا إظهار شخوصهن، وإن كن مستترات إلا ما دعت إليه ضرورة.
10 -
استدل بعض العلماء من الأخذ عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من وراء حجاب على جواز شهادة الأعمى، وبأن الأعمى يطأ زوجته بمعرفته بكلامها، وهو رأي المالكية والحنابلة في قبول شهادته، ولا تقبل شهادته في رأي الحنفية والشافعية.
11 -
إن الحجاب وسيلة ناجعة في طهارة القلب من هواجس السوء وخواطر المعصية، سواء بالنسبة للرجال أو النساء، فذلك أنفى للريبة، وأبعد للتهمة، وأقوى في الحماية والتحصن. وهذا يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يثق بنفسه في الخلوة مع من لا تحل له؛ فإن مجانبة ذلك أحسن لحاله، وأحصن لنفسه، وأتم لعصمته.
12 -
قوله تعالى: {وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ} دليل على تعليل الأحكام، ثم إن بيان العلة وتأكيد إيرادها يقوي دلالة الأحكام الشرعية على المطلوب. وذكر النبي بوصف الرسالة هنا مشعر بتوبيخ من تحدثهم نفوسهم بإيذائه إذ ذلك يكون كفرانا بنعمة الرسالة الواجب شكرانها.
13 -
يحرم التزوج بنساء النبي صلى الله عليه وسلم بعد مفارقتهن بطلاق أو موت، تعظيما للنبي، ولكونهن أمهات المؤمنين، والمسلم لا يتزوج أمه.
واختلف العلماء في وجوب العدة عليهن بالموت، فقيل: عليهن العدة؛ لأن العدة عبادة، وقيل: لا عدة عليهن؛ لأنها مدة تربّص (انتظار) لا ينتظر بها إباحة الزواج، قال القرطبي: وهو الصحيح؛
لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما تركت بعد نفقة عيالي» وروي «أهلي» وهذا اسم خاص بالزوجية، فأبقى عليهن النفقة
والسكنى مدة حياتهن؛ لكونهن نساءه، وحرمن على غيره؛ وهذا هو معنى بقاء النكاح. وإنما جعل الموت في حقه صلى الله عليه وسلم لهن بمنزلة المغيب في حق غيره؛ لكونهن أزواجا له في الآخرة قطعا، بخلاف سائر الناس؛ لأن الرجل لا يعلم كونه مع أهله في دار واحدة، فربما كان أحدهما في الجنة والآخر في النار؛ فبهذا انقطع السبب في حق الخلق، وبقي في حق النبي صلى الله عليه وسلم؛
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «زوجاتي في الدنيا هن زوجاتي في الآخرة»
وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني والحاكم والبيهقي عن عمر: «كل سبب ونسب ينقطع إلا سببي ونسبي، فإنه باق إلى يوم القيامة» .
وأما النساء اللاتي فارقهن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الدخول، فالصحيح جواز نكاحهن لغيره، كالكلبية التي تزوجها عكرمة بن أبي جهل، وقيل: تزوجها الأشعث بن قيس الكندي، وقيل: إنه مهاجر بن أبي أمية.
14 -
إن إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نكاح أزواجه من الذنوب الكبائر، ولا ذنب أعظم منه.
15 -
الله تعالى عالم بكل ما بدا وما خفي، وما كان وما لم يكن، لا يخفى عليه ماض انقضى، ولا مستقبل آت، فهو سبحانه يعلم ما يخفيه الإنسان من المعتقدات والخواطر المكروهة ويجازيه عليها. والتذييل بهذه الآية توبيخ ووعيد لمن يضمر السوء في مخاطبة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأزواج المؤمنين أيضا.
16 -
استثنى الله تعالى من فرضية الحجاب على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الأقارب المحارم من النسب أو الرضاع، وهم الآباء والأبناء والإخوة وأبناء الإخوة وأبناء الأخوات والنساء المؤمنات، وهو رأي ابن عباس ومجاهد، وتكون إضافتهن إليهن باعتبار أنهن على دينهن، ويكون ذلك دليل احتجاب نساء النبي صلى الله عليه وسلم من الكافرات.
ويرى بعضهم أن المراد منهن النساء القريبات، وتكون إضافتهن إليهن