الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَأَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} أي جعلنا الحديد في يده لينا يصنع به ما يشاء، من غير حاجة إلى نار ولا مطرقة، بل كان يفتله في يده مثل الخيوط، ليعمل به الدروع الكاملات الواسعات التي تقي من ويلات الحروب، وعلمه كيفية نسج الدروع بحيث تكون متناسبة الحلق، وعلى قدر الحاجة، فلا هي صغيرة ضيقة لا تحقق الهدف، ولا كبيرة ثقيلة على لابسها، فيعجز عن لبسها. ولا شك أن إلانة الحديد من غير نار ولا طرق معجزة لنبي الله داود، لا تنطبق على غيره. وكان داود عليه السلام أول من صنع الدروع، قال قتادة رحمه الله:«كانت الدروع قبله صفائح ثقالا» فلذلك أمر هو بالتقدير فيما يجمع بين الخفة والحصانة، أي قدّر ما تأخذ من هذين المعنيين بقسطه، أي لا تقصد الحصانة فتثقل، ولا الخفة فتزيل المنعة.
{وَاعْمَلُوا صالِحاً، إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أي اعملوا يا آل داود عملا صالحا فيما أعطاكم الله تعالى من النعم؛ فإني مراقب لكم، بصير بأعمالكم وأقوالكم، لا يخفى عليّ شيء منها. وقوله:{إِنِّي بِما.} . تعليل للأمر.
وهذا تحريض على إصلاح العمل لشكر النعمة، والعمل الصالح يقوّم النفوس، ويصقل الروح، ويحصنها من المزالق والانحرافات.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
لقد منح الله تعالى عبده المنيب ورسوله داود عليه السلام فضلا عظيما، فضّله به على سائر الأنبياء من قبله، من الجمع بين النبوة والملك والزبور والعلم والجنود وتسبيح الجبال والطيور مع تسبيحه، قال تعالى:{إِنّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ} [ص 18/ 38].
قال أبو ميسرة في تفسير التأويب: هو التسبيح بلغة الحبشة، ومعنى تسبيح الجبال: هو أن الله تعالى خلق فيها تسبيحا كما خلق الكلام في الشجرة، فيسمع منها ما يسمع من المسبّح، معجزة لداود عليه السلام.
وقيل: المعنى: سيري معه حيث شاء؛ من التأويب الذي هو سير النهار أجمع، والنزول ليلا.
وقيل: المعنى تصرفي معه على ما يتصرف فيه داود بالنهار، فكان إذا قرأ الزبور صوّتت الجبال معه، وأصغت إليه الطير.
2 -
ومن فضائل الله على داود ومعجزاته: إلانة الحديد بيده، حيث يصير كالعجين أو الشمع من غير نار ولا مطرقة.
قال القرطبي: في هذه الآية دليل على مشروعية تعلم أهل الفضل الصنائع، وأن التحرّف بها لا ينقص من مناصبهم، بل ذلك زيادة في فضلهم وفضائلهم؛ إذ يحصل لهم التواضع في أنفسهم والاستغناء عن غيرهم، وكسب الحلال الخلي عن الامتنان.
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن خير ما أكل المرء من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده» .
3 -
علّم الله تعالى داود عليه السلام صناعة الدروع السابغات، أي الكوامل التامات الواسعات، المحكمة الحلق المتناسبة فيما بينها، ليست بالصغيرة فلا تحقق الغرض منها وهو الدفاع، ولا بالكبيرة التي تثقل كاهل لابسها.
4 -
لم يستثن الله نبيا ولا رسولا من إلزامه بالعمل الصالح، لذا أعقب بيان نعمه وأفضاله على داود بأمره مع أهله بصالح العمل وهو فعل الأوامر وترك النواهي، كما قال تعالى:{اِعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً} [سبأ 13/ 34]. وعلل الترغيب بالعمل الصالح بأنه تعالى بصير بأعمال عباده وأقوالهم، لا يغيب عنه شيء، فيجازيهم عليها.