الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الزمخشري: اللام لام التعليل على طريق المجاز؛ لأن نتيجة حمل الأمانة العذاب، كما أن التأديب في قولك:«ضربته للتأديب» نتيجة الضرب. وقد جاراه القرطبي في ذلك.
{الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ} المضيعين الأمانة. {وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ} المؤدين الأمانة. والوعد بالتوبة دليل على أن قوله: {إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً} موجه إلى حال جبلة الإنسان فهو ظلوم لنفسه جهول بربه.
{وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً} غفورا للمؤمنين رحيما بهم، حيث تاب على ما فرطوا من ذنوب، وأثاب على طاعاتهم.
المناسبة:
بعد بيان أن من أطاع الله ورسوله فاز فوزا عظيما، أبان الله تعالى الوسيلة التي تنال بها الطاعة وهي فعل التكاليف الشرعية، وأن تحصيلها شاقّ على النفوس يحتاج إلى مكابدة وجهاد، ثم ذكر أن ما يحدث من صدور الطاعة من المكلفين، وإباء القبول، والامتناع من الالتزام إنما هو باختيار الإنسان دون جبر ولا إكراه.
التفسير والبيان:
يبين الله تعالى خطورة التكاليف وثقلها، وأنها عظيمة ناءت بحملها السموات والأرض والجبال، فقال:
{إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ، فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها، وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ، إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً} أي إنا عرضنا التكاليف كلها من فرائض وطاعات على هذه الأجرام العظام، فلم تطقها وأبت تحمل مسئوليتها، وخافت من حملها، لو فرض أنها ذات شعور وإدراك، ولكن كلّف بها الإنسان، فتحملها مع ضعفه، وهو في ذلك ظلوم لنفسه، جهول لقدر ما تحمله.
قال ابن عباس: يعني بالأمانة الطاعة والفرائض، عرضها عليهم قبل أن
يعرضها على آدم، فلم يطقنها، فقال لآدم: إني قد عرضت الأمانة على السموات والأرض والجبال، فلم يطقنها، فهل أنت آخذ بما فيها؟ قال: يا رب، وما فيها؟ قال: إن أحسنت جزيت، وإن أسأت عوقبت، فأخذها آدم فتحملها، فذلك قوله تعالى:{وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً} .
والمراد جنس الإنسان بحسب الأغلب.
فالأمانة تشمل الطاعات والفرائض التي يتعلق بأدائها الثواب، وبتضييعها العقاب، وتشمل أمانة الأموال كالودائع وغيرها مما لا بيّنة عليه، وغسل الجنابة أمانة، والفرج أمانة، والأذن أمانة، والعين أمانة، واللسان أمانة، والبطن أمانة، واليد أمانة، والرّجل أمانة.
وقد حملها الإنسان بسبب جهله بما فيها، وعلم هذه الأجرام، وهو مع ذلك يتأثر بالانفعالات النفسية وبالشهوات الذاتية، ولا يتدبر عواقب الأمور، وكانت هذه التكاليف وسيلة للحد من سلطان الشهوة، وتأثير النوازع، والقوى الداخلية في نفسه.
ثم بيّن الله تعالى نتائج تلك التكاليف بين المكلفين، فقال:
{لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ، وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ، وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً} أي إن عاقبة حمل الإنسان لهذه الأمانة وهي التكاليف أن ينقسم الناس فريقين: فريق المنافقين والمنافقات (وهم الذين يظهرون الإيمان خوفا من أهله ويبطنون الكفر متابعة لأهله) والمشركين والمشركات (وهم الذين ظاهرهم وباطنهم على الشرك بالله ومخالفة الرسل) الذين يعذبهم الله لخيانتهم الأمانة، وتكذيب الرسل، ونقض الميثاق، وفريق المؤمنين والمؤمنات (وهم الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله، العاملين بطاعته)