الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما أرى كل شيء إلا للرجال، وما أرى النساء يذكرن بشيء، فنزلت:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ} الآية.
وأخرج الطبراني بسند لا بأس به عن ابن عباس قال: قالت النساء:
يا رسول الله، ما باله يذكر المؤمنين ولا يذكر المؤمنات، فنزلت:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ} الآية.
وأخرج ابن سعد عن قتادة قال: لما ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت النساء:
لو كان فينا خير لذكرنا، فأنزل الله:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ} الآية.
وأخرج الإمام أحمد والنسائي وابن جرير عن عبد الرحمن بن شيبة قال:
سمعت أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟ قالت: فلم يرعني منه ذات يوم إلا ونداؤه على المنبر، قالت: وأنا أسرّح شعري، فلففت شعري، ثم خرجت إلى حجرتي- حجرة بيتي، فجعلت سمعي عند الجريد، فإذا هو يقول عند المنبر: «يا أيها الناس، إن الله تعالى يقول:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ} إلى آخر الآية.
المناسبة:
بعد أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم ونهيهن عن الأمور السابقة، وبيان ما يكون لهن من ثواب، أبان الله تعالى ما أعدّ للمسلمين والمسلمات من المغفرة والثواب العظيم في الآخرة.
التفسير والبيان:
هذه الآية وعد للرجال والنساء على الطاعة، والاتصاف بهذه الخصال، ذكر الله تعالى فيها عشر مراتب إشارة إلى ما يجب أن يكونوا عليه، دون اتكال نساء النبي على صحبته وملازمته وقربهن منه:
1 -
الإسلام والانقياد لأمر الله واتباع أحكام الدين قولا وعملا.
2 -
الإيمان والتصديق التام بما جاء عن الله من شرائع وأحكام وآداب. وهذا دليل على أن الإيمان غير الإسلام، وأن الأول أخص من الثاني، فالإيمان: هو الاعتقاد والتصديق الكامل مع العمل الصالح، والإسلام قول وعمل بالفعل؛ قال تعالى:{قالَتِ الْأَعْرابُ: آمَنّا، قُلْ: لَمْ تُؤْمِنُوا، وَلكِنْ قُولُوا: أَسْلَمْنا، وَلَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات 14/ 49]. و
في الصحيحين: «لا يزني الزاني حين يزني، وهو مؤمن» فيسلبه الإيمان، ولا يلزم منه كفره بإجماع المسلمين، فدل على أن الإيمان أخص من الإسلام.
3 -
القنوت: وهو دوام العمل الصالح، والطاعة في سكون، كما قال تعالى:{أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزّمر 9/ 39] وقال سبحانه: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ} [الروم 26/ 30]. وقال عز وجل: {يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ، وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ} [آل عمران 43/ 3].
ويلاحظ التدرج بين هذه المراتب، فالإسلام: إسلام الظاهر من النطق بالشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا، ثم يأتي بعده مرتبة يرتقى إليها وهو الإيمان الذي هو الإذعان والتصديق الباطني في القلب، من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، ثم ينشأ عن مجموعهما القنوت الذي هو السكون والخشوع في الطاعة وأداء العبادة.
4 -
الصدق في القول والعمل، وهو خصلة محمودة، وعلامة على الإيمان، كما أن الكذب أمارة على النفاق، فمن صدق نجا،
وفي الحديث الصحيح عند أحمد والبخاري في الأدب ومسلم والترمذي عن ابن مسعود: «عليكم بالصدق، فإن
الصدق يهدي إلى البرّ، وإن البرّ يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرّى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرّى الكذب، حتى يكتب عند الله كذّابا». لذا كان بعض الصحابة رضي الله عنهم لم تجرّب عليه كذبة لا في الجاهلية ولا في الإسلام.
وهذه المرتبة تلي القنوت، فإن من آمن وعمل صالحا كمل، فيكمّل غيره، ويأمر بالمعروف، وينصح أخاه بصدق.
5 -
الصبر على المصائب، وتحمل المشاق في أداء العبادات وترك المعاصي، والعلم بأن المقدر كائن لا محالة، وتلقي ذلك بالصبر والثبات، وإنما الصبر عند الصدمة الأولى، أي أصعبه وأوجبه في أول وهلة من الحادث. وهو سجية الراسخين الأثبات. ويأتي بعد المراتب السابقة؛ لأن من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يصيبه أذى، فيصبر عليه.
6 -
الخشوع: وهو السكون والطمأنينة، والتؤدة والوقار، والتواضع لله تعالى قلبا وسلوكا، خوفا من عقاب الله تعالى، ومراقبته، كما
في الحديث الصحيح عند مسلم عن عمر: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك» .
وهذه المرتبة تأتي بمثابة المراقبة على أعمال الحسنات، فإذا عملها الإنسان قد يفتخر بنفسه ويعجب بعبادته، فأمر تعالى بالتواضع حتى لا تجمح الأهواء والشهوات بالنفس، فتوقعها فيما يرديها، وقد تعصف بثمرات جميع الأعمال الصادرة عنها.
7 -
التصدق بالمال: وهو الإحسان إلى المحتاجين الضعفاء الذين لا كسب لهم ولا كاسب، فيعطون حال الفرض والنفل طاعة لله وإحسانا إلى خلقه،
وقد
ثبت في الصحيحين: «سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله-فذكر منهم-: ورجل تصدّق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»
وفي حديث آخر: «والصدقة تطفئ الخطيئة، كما يطفئ الماء النار» . وهذه مرتبة تعد ترجمانا عمليا للخصال السابقة؛ لأن بذل المال شاق على النفس، لمحبتها إياه، وهي دليل على محبة الإنسان لأخيه، فيساعده لينقذه من آفات الفقر والحاجة، كما أن الصدقة تزكية للمال وتطهير له.
8 -
الصوم فرضا ونفلا: وفيه تسأم روحي عن التعلق بالماديات، والإقبال على عبادة الله، ومن أكبر المعونة على كسر حدّة الشهوة، كما
ثبت في الحديث الصحيح المتفق عليه عن ابن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء» وهو أيضا تزكية للبدن، كما
في الحديث الذي رواه ابن ماجه عنه صلى الله عليه وسلم: «والصوم: زكاة البدن» أي يزكيه ويطهره وينقيه من الأخلاط الرديئة طبعا وشرعا، كما قال سعيد بن جبير: «من صام رمضان وثلاثة أيام من كل شهر، دخل في قوله تعالى:{وَالصّائِمِينَ وَالصّائِماتِ} .
9 -
العفّة وحفظ الفروج عن المحارم والمآثم، إلا عن المباح، كما قال تعالى:
{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ، فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ} [المؤمنون 5/ 23 - 7]. ومن اخترق حرمة الفروج وزنى، هان عليه اختراق حرمات الدين كلها، ومن صان فرجه وعفّ نفسه، كان من الطاهرين الأصفياء الذين استحقوا رضوان الله تعالى.
ويلاحظ أن بين المرتبتين الأخيرتين تجانسا، فالصّوام إشارة إلى الذين لا تمنعهم الشهوة الباطنية من عبادة الله، والأعفّاء حفظة الفروج إشارة إلى الذين لا تمنعهم شهوة الفرج عن العبادة.
10 -
الذّكر الكثير لله تعالى: وهو استحضار عظمة الله تعالى في القلب، وتنزيهه باللسان عن كل نقص، ووصفه بكل كمال في جميع الأحوال، بنية صادقة لله. ويلاحظ أن الله تعالى في أكثر المواضع حيث ذكر «الذّكر» قرنه بالكثرة، ليرشدنا إلى أنه لا يصير الإنسان ذاكرا حتى يداوم على الذكر قائما وقاعدا ومضطجعا، وهذا مروي عن مجاهد. وقد يصبح ذاكرا بصلاة التهجد ليلا، كما
أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أيقظ الرجل امرأته من الليل، فصليا ركعتين، كانا تلك الليلة من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات» .
ويكون الذكر أيضا بالصلاة وفي الأكل والشرب والمشي والبيع والشراء والركوب والهبوط، وغير ذلك من الأحوال في غير أماكن القاذورات، كما قال تعالى:{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران 191/ 3].
وقال سبحانه: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الأحزاب 41/ 33 - 42].
وقد ختمت هذه الآداب بالذكر؛ لأن صحة جميع الأعمال الدينية من إسلام وإيمان وقنوت وصدق وصبر وخشوع وصدقة وصوم بذكر الله تعالى وهي النية.
أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«سبق المفردون، قالوا: وما المفردون؟ قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات» .
وأخرج أحمد أيضا عن معاذ الجهني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن رجلا سأله، فقال: أيّ المجاهدين أعظم أجرا يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: أكثرهم لله تعالى ذكرا، قال: فأيّ الصائمين أكثر أجرا؟ قال صلى الله عليه وسلم: أكثرهم لله عز وجل ذكرا، ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة، كل ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: