الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
نبّه الله تعالى على قدرته العظيمة في خلقه الأشياء المختلفة، فقال عن اختلاف البحرين:
{وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ: هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ، وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ} أكثر المفسرين على أن المراد من الآية ضرب المثل في حق الكفر والإيمان، أو الكافر والمؤمن، فالإيمان لا يتساوى مع الكفر في الحسن والنفع، كما لا يتساوى البحران العذب الفرات، والملح الأجاج، وقال الرازي: والأظهر أن المراد منه ذكر دليل آخر على قدرة الله تعالى، وذلك من حيث إن البحرين يستويان في الصورة، ويختلفان في الماء، فإن أحدهما عذب فرات، والآخر ملح أجاج.
والمعنى: لا يتساوى ولا يتشابه البحران في الحقيقة، فأحدهما عذب الماء شديد العذوبة، سائغ الشراب، يجري في الأنهار بحسب الحاجة إليها في الأقاليم والأمصار، وثانيهما ملح شديد الملوحة، وهو البحر الساكن الذي تسير فيه السفن الكبار.
وبعد اختلافهما في هذا يتشابهان في أمور: مثل أخذ اللحم الطري والحلية منهما، والذي يوجد في المتشابهين اختلافا وفي المختلفين تشابها لا يكون إلا قادرا مختارا، فقال تعالى:
{وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا، وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها} أي يصاد السمك من كل منهما، وتستخرج الحلية الملبوسة منهما، وهو اللؤلؤ والمرجان، كما قال عز وجل:{يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} [الرحمن 22/ 55 - 23].
{وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ، لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي تبصر أيها الناظر السفن في البحر شاقّة الماء، مقبلة مدبرة، حاملة المؤن
والأقوات وأنواع التجارة من قطر إلى آخر، لتطلبوا بأسفاركم بالتجارة بين البلدان من فضل الله، لتشكروا الله أو شاكرين ربكم على تسخيره لكم هذا البحر العظيم، وعلى ما أنعم به عليكم من النعم، فإنكم تتصرفون في البحر كيف شئتم، وتذهبون أين أردتم دون عائق ولا مانع، بل بقدرته تعالى قد سخر لكم جميع ما في السموات والأرض من فضله ورحمته.
ثم ذكر تعالى دليلا آخر على قدرته التامة وهو اختلاف الأزمنة، فقال:
{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ، وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ} أي يدخل أحدهما في الآخر فيكون أطول منه، فيزيد في زمن كل منهما بالنقص من الآخر، فيطول هذا ويقصر هذا، ثم يتقارضان صيفا وشتاء.
{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} أي سيّر الشمس والقمر وبقية الكواكب السيّارة، والثوابت الثاقبة بإرادته وقدرته، يجري كل منهما بمقدار معين، ومنهاج مقنن، ومدة محددة هي زمن مدارها أو منتهاها، لتعلموا عدد السنين والحساب، وقيل:{كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} أي إلى يوم القيامة.
{ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ، لَهُ الْمُلْكُ} أي الذي فعل هذا من خلق السموات والأرض وخلق الإنسان من تراب وغير ذلك هو الرب العظيم، الذي لا إله غيره، وهو صاحب الملك التام، والقدرة الشاملة، والسلطان المطلق، وكل من عداه عبد له.
ثم أبان تعالى في مقابل ذلك ما ينافي صفة الألوهية، فقال:
{وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} أي والذين تعبدونهم من الأصنام والأوثان التي هي على صورة من تزعمون من الملائكة المقربين،
لا يملكون شيئا من السموات والأرض، ولو كان حقيرا بمقدار هذا القطمير، وهو قشرة النواة الرقيقة.
ثم أبطل ما يقولون: إن في عبادة الأصنام عزة، وأبان عجزها وضعفها وحقارتها، فقال:
{إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ، وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ} أي إن تدعوا هذه الآلهة من دون الله تعالى لا تسمع دعاءكم؛ لأنها جماد لا تدرك شيئا، ولو سمعوا لم يقدروا أن ينفعوكم بشيء مما تطلبون منها، لعجزها عن ذلك، فهي لا تضر ولا تنفع ولا تغني شيئا، فكيف تعبدونها؟! {وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} أي وفي اليوم الآخر يجحدون كون ما فعلتموه حقا، وينكرون أنهم أمروكم بعبادتهم أو أقروكم عليها، ويتبرءون منكم، كما قال تعالى:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ. وَإِذا حُشِرَ النّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً، وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ} [الأحقاف 5/ 46 - 6] وقال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا، كَلاّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ، وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [مريم 81/ 19 - 82].
وتقريرا عاما لهذه المعاني، وتأكيدا لهذه الأخبار، قال تعالى:
{وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} أي ولا يخبرك عن أمر هذه الآلهة وعن أمر عبدتها يوم القيامة، أو لا يخبرك بعواقب الأمور ومآلها إلا خبير بصير بها، وهو الله تعالى الذي لا تخفى عليه خافية في الحال أو في الاستقبال، وقد أخبر بالواقع لا محالة.