الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخرج ابن سعد في الطبقات عن أبي مالك قال: كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم يخرجن بالليل لحاجتهن، وكان ناس من المنافقين يتعرضون لهن، فيؤذين، فشكوا ذلك، فقيل للمنافقين، فقالوا: إنما نفعله بالإماء، فنزلت هذه الآية:
المناسبة:
بعد بيان أن من يؤذي مؤمنا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا، منعا وزجرا للمكلف من إيذاء المؤمن، أمر الله تعالى المؤمن باجتناب المواضع التي فيها التهم التي قد تؤدى إلى الإيذاء، بالتستر وإرخاء الجلباب، خلافا لما كان عليه الحال في الجاهلية من خروج النساء مكشوفات يتبعهن الزناة.
التفسير والبيان:
{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} أي يطلب الله من رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمر النساء المؤمنات وبخاصة أزواجه وبناته إذا خرجن من بيوتهن بأن يسدلن ويغطين من جلابيبهن ليتميزن عن الإماء. والجلباب: الرداء فوق الخمار. وهناك روايات في كيفية هذا التستر.
-قال ابن عباس: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطّين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة.
-وقال محمد بن سيرين فيما رواه ابن جرير عنه: سألت عبيدة السّلماني عن قول الله عز وجل: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} فغطّى وجهه ورأسه، وأبرز عينه اليسرى.
-وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن أم سلمة قالت: لما نزلت هذه الآية: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} خرج نساء الأنصار، كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها.
والمقصود بالآية التي نزلت بعد استقرار الشريعة أن يكون الستر المأمور به زائدا على ما يجب من ستر العورة، وهو أدب حسن يبعد المرأة عن مظان التهمة والريبة، ويحميها من أذى الفساق.
واللباس الشرعي: هو الساتر جميع الجسد، الذي لا يشف عما تحته، فإن كانت المرأة في بيتها وأمام زوجها فلها أن تلبس ما تشاء.
{ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ، وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً} أي إن إدناء الجلابيب أو التستر أقرب أن يعرفن أنهن حرائر، لسن بإماء ولا عواهر، فلا يتعرّض لهن بالأذى من أهل الفسق والريبة، وكان الله غفورا لما سلف منهن من إهمال التستر، ولمن امتثل أمره إذا أخل بالتستر خطأ بغير قصد، واسع الرحمة بعباده حيث راعى مصالحهم وأرشدهم إلى هذا الأدب الحسن.
أما الإماء فلم يكلفهن الشرع بالتستر الكامل دفعا للحرج والمشقة في التقنع، وتيسيرا لهن القيام بخدمات السادة. هذا رأي الجمهور. وقال أبو حيان:
والظاهر أن قوله: {وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ} يشمل الحرائر والإماء، والفتنة بالإماء أكثر لكثرة تصرفهن، بخلاف الحرائر، فيحتاج إخراجهن-أي الإمام-من عموم النساء إلى دليل واضح
(1)
.
(1)
البحر المحيط: 250/ 7