الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات اللغوية:
{أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ} المحتاجون إليه في جميع أمور الدين والدنيا، وفي كل حال على الإطلاق. وتعريف الفقراء للمبالغة في فقرهم كأنهم لشدة افتقارهم وكثرة احتياجهم هم الفقراء.
{وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ} على الإطلاق عن خلقه. {الْحَمِيدُ} المستحق للحمد من عباده بإحسانه إليهم، المحمود في صنعه بهم.
{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} إن يشأ يفنكم، ويأت بقوم آخرين من جنسكم بدلكم، أطوع منكم، أو من جنس آخر غير ما تعرفونه. {وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ} أي وما ذلك الإذهاب لكم والإتيان بآخرين بمتعذر ولا بمتعسر على الله تعالى.
{وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} أي لا تحمل نفس آثمة ذنب أو إثم نفس أخرى. {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها} أي وإن تدع نفس مثقلة بالذنوب نفسا أخرى، لتحمل عنها بعض الذنوب التي تحملها. {لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} لم تحمل تلك المدعوة من تلك الذنوب شيئا. {وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى} أي ولو كان المدعو قريبا لها في النسب كالأب والابن، فكيف بغير القريب؟! وهذا حكم مبرم من الله تعالى. {إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} يخافونه غائبا عنهم؛ لأنهم المنتفعون بالإنذار. {وَأَقامُوا الصَّلاةَ} احتفلوا بأمرها، وأداموها، ولم يشتغلوا عنها بشيء مما يلهيهم.
{وَمَنْ تَزَكّى فَإِنَّما يَتَزَكّى لِنَفْسِهِ} ومن تطهر من الشرك وغيره من المعاصي، واستكثر من العمل الصالح، فإنما يتطهر لنفسه؛ لأن نفع ذلك مختص به، كما أن وزر من تدنس بالذنب لا يكون إلا عليه. {وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ} إلى الله المرجع والمآل، فيجزي على تزكيهم وعملهم في الآخرة.
المناسبة:
بعد بيان كون العبادة واجبة لله تعالى؛ لأنه المالك المطلق، والأصنام لا تملك شيئا، أبان الله تعالى حكمة العبادة للرد على الكفار القائلين بأن أمر الله بالعبادة أمرا بالغا، والتهديد الشديد على تركها، لاحتياجه إلى عبادتنا. ثم أوضح أن كل إنسان مسئول عن نفسه فقط، وأرشد إلى أن البشارة والإنذار إنما تنفع الذي يخشى الله بالغيب وأقام الصلاة.
التفسير والبيان:
يخبر الله تعالى عن غناه المطلق عمن سواه، وافتقار جميع المخلوقات إليه، فقال:
{يا أَيُّهَا النّاسُ، أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ، وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} أي يا أيها البشر جميعا، أنتم المحتاجون إلى الله تعالى على الإطلاق، في منح القدرة على الحياة والبقاء، وفي جميع الحركات والسكنات، وفي جميع أمور الدين والدنيا، لذا فاعبدوه وحده؛ لأن ثمرة العبادة عائدة إليكم وحدكم، والله هو المنفرد بالغنى وحده لا شريك له عن عبادتكم وغيرها، وهو المحمود المشكور على نعمه وعلى جميع ما يفعله ويقوله ويقدره ويشرعه. وذكر {الْحَمِيدُ} ليدل به على أنه الغني النافع بغناه خلقه، الجواد المنعم عليهم، المستحق بإنعامه عليهم أن يحمدوه.
ثم أبان غناه وقدرته التامة بإمكانه استبدالكم، وأنه غير محتاج إليكم، فقال:
{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ، وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ، وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ} أي لو شاء لأفناكم أيها الناس، وأتى بقوم غيركم، يكونون أطوع منكم، وأجمل وأحسن وأتم، وما ذلك بصعب عليه ولا ممتنع، بل هو يسير هيّن عليه.
وفي هذا تهديد ووعيد وتبديد لأوهامكم أنه لو أذهب البشر لزال ملكه وعظمته.
ثم دعاهم إلى النظر والتأمل في المستقبل، وأخبرهم بمسؤولية كل إنسان يوم القيامة عن نفسه فقط دون غيره، فقال:
{وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} أي ولا تحمل نفس آثمة أو مذنبة إثم أو ذنب نفس أخرى. وهذا لا يمنع مضاعفة الإثم للمضلين القادة، كما قال تعالى:
{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ، وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمّا كانُوا يَفْتَرُونَ} [العنكبوت 13/ 29].
{وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى} أي وإن طلبت نفس مثقلة بالأوزار والذنوب مساعدة نفس أخرى في حملها، لتحمل
عنها بعض الذنوب، لم تحمل تلك المدعوة من تلك الذنوب شيئا، ولو كانت قريبة لها في النسب كالأب والابن؛ لأن كل امرئ مشغول بنفسه وحاله، وله من الهموم ما يغنيه.
ونظير الآية: {لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ، وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً} [لقمان 33/ 31] وقوله سبحانه: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس 34/ 80 - 37].
قال عكرمة في قوله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها} : هو الجار يتعلق بجاره يوم القيامة، فيقول: يا رب سل هذا لم كان يغلق بابه دوني، وإن الكافر ليتعلّق بالمؤمن يوم القيامة، فيقول له: يا مؤمن، إن لي عندك يدا، قد عرفت كيف كنت لك في الدنيا، وقد احتجت إليك اليوم، فلا يزال المؤمن يشفع له عند ربه، حتى يرده إلى منزل دون منزله، وهو في النار، وإن الوالد ليتعلق بولده يوم القيامة، فيقول: يا بني، أي والد كنت لك؟ فيثني خيرا، فيقول له: يا بني، إني قد احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك أنجو بها مما ترى، فيقول له ولده: يا أبت، ما أيسر ما طلبت، ولكني أتخوف مثل ما تتخوف، فلا أستطيع أن أعطيك شيئا، ثم يتعلق بزوجته، فيقول: يا فلانة أو يا هذه، أي زوج كنت لك؟ فتثني خيرا، فيقول لها: إني أطلب إليك حسنة واحدة تهبينها لي لعلي أنجو بها مما ترين، قال: فتقول: ما أيسر ما طلبت، ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئا، إني أتخوف مثل الذي تتخوف، يقول الله تعالى:{وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها} الآية.
ثم أبان الله تعالى من يجدي عنده الإنذار، فقال:
{إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ} أي إنما يتعظ بما جئت به أيها الرسول أولو البصيرة والعقل الذين يخافون من عذاب ربهم قبل