الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{دارَ الْمُقامَةِ} أي دار الإقامة الدائمة وهي الجنة. {نَصَبٌ} تعب. {لُغُوبٌ} إعياء من التعب أو كلال، ونفيهما جميعا للدلالة على الاستقلال، ولعدم التكليف في الجنة.
سبب النزول:
نزول الآية (35):
{الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ} :
أخرج البيهقي وابن أبي حاتم عن عبد الله بن أبي أوفى قال: «قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن النوم مما يقرّ الله به أعيننا في الدنيا، فهل في الجنة من نوم؟ قال: لا، إن النوم شريك الموت، وليس في الجنة موت، قال: فما راحتهم؟ فأعظم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: ليس فيها لغوب، كل أمرهم راحة، فنزلت: {لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ، وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ}» .
المناسبة:
بعد بيان الأصل الأول في العقيدة، وهو وجود الله الواحد، وإثباته بأنواع الأدلة، وهي:{وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ} {وَاللهُ خَلَقَكُمْ} {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ} ذكر الأصل الثاني وهو الرسالة، فقال:{وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ} .
ولما بيّن الله تعالى في الآية السابقة ثواب تلاوة كتاب الله، أكد ذلك وقرره بأن هذا الكتاب حق وصدق، فتاليه محق ومستحق لهذا الثواب، وهو مصدق لما تقدمه من الكتب السابقة، ثم قسم ورثته ثلاثة أنواع، ثم أوضح جزاء العاملين به في الآخرة.
التفسير والبيان:
يبين الله تعالى مكانة القرآن ومهمته بين الكتب السماوية فقال: {وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ، إِنَّ اللهَ
بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ} أي إن الذي أوحينا إليك به يا محمد وهو القرآن هو الحق الثابت الدائم، المصدق والموافق لما تقدمه من الكتب السماوية السابقة، إن الله محيط بجميع أمور عباده، يعلم أحوالها الباطنة والظاهرة، يشرع لهم من الشرائع والأحكام المناسبة لكل زمان ومكان، وقد أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، لما اقتضت حكمته وعدله.
{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا، فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ، وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ} أي ثم قضينا وقدرنا بتوريث هذا القرآن من اخترنا من عبادنا، وهم يا محمد علماء أمتك من الصحابة فمن بعدهم، التي هي خير الأمم بنص الآية:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ} [آل عمران 110/ 3] وجعلناهم أقساما ثلاثة:
1 -
الظالم لنفسه: بتجاوز الحد، وهو المفرط في فعل بعض الواجبات، المرتكب لبعض المحرمات.
2 -
المقتصد: المتوسط المؤدي للواجبات، التارك للمحرمات، لكنه قد يترك بعض المستحبات، ويفعل بعض المكروهات.
3 -
السابق بالخيرات بإذن الله: وهو الذي يفعل الواجبات والمستحبات، ويترك المحرمات والمكروهات وبعض المباحات. وهذا خير الثلاثة، الذي سبق غيره في أمور الدين.
{ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} أي توريث الكتاب والاصطفاء فضل عظيم من الله تعالى.
ثم أبان الله تعالى جزاء المؤمنين السابقين بغير حساب والمقتصدين بحساب يسير، والظالمين إن رحموا، فقال:
{جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها، يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً، وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ} أي يدخل هؤلاء المصطفون جميعا جنات الإقامة الدائمة يوم المعاد، التي يحلّون فيها أساور من ذهب مرصع باللؤلؤ، ويكون لباسهم حريرا خالصا، وقد أباحه الله تعالى لهم في الآخرة، بعد أن كان محظورا عليهم في الدنيا.
ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لبس الحرير في الدنيا، لم يلبسه في الآخرة» وقال: «هي لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة» .
وعلى هذا تكون الآية عامة في جميع الأقسام الثلاثة في هذه الأمة، والعلماء أغبط الناس بهذه النعمة، وأولى الناس بهذه الرحمة.
أخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن قيس بن كثير قال: قدم رجل من أهل المدينة إلى أبي الدرداء رضي الله عنه، وهو بدمشق، فقال:
ما أقدمك أي أخي؟ قال: حديث بلغني أنك تحدّث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أما قدمت لتجارة؟ قال: لا، قال: أما قدمت لحاجة؟ قال: لا، قال: أما قدمت إلا في طلب هذا الحديث؟ قال: نعم، قال رضي الله عنه:
فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
{وَقالُوا: الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ، إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} أي وقالوا حين استقروا في مأواهم جنات عدن: الحمد والشكر والثناء على الله الذي أزال عنا الخوف من المحذور، وأراحنا من هموم الدنيا والآخرة، إن ربنا صاحب الفضل والرحمة والسعة، فهو غفور لذنوب عباده، شكور لطاعتهم.