الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} أي لا تتحمل نفس بريئة حمل نفس مذنبة آثمة أخرى، فقوله:
{تَزِرُ} تحمل، والوزر: الحمل الثقيل.
المناسبة:
لما بيّن الله تعالى في هذه السورة دلائل التوحيد، والرد على المشركين ونفاة القضاء والقدر، ختم الكلام بأن الدين القيّم والصراط المستقيم هو ملة إبراهيم القائمة على التوحيد وعبادة الله، ومسئولية كل شخص عن نفسه لا عن غيره، وأن الهداية لا تحصل إلا بالله، وأن الجزاء عند الله على الأعمال التي يقوم بها الإنسان، فهي دليل سعادته أو شقاوته.
التفسير والبيان:
يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين أن يخبر بما أنعم الله عليه من الهداية إلى صراطه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف، وهو ملّة أبيه إبراهيم الخليل عليه السلام.
قل أيها الرسول للناس قاطبة ومنهم قومك: إن ربي أرشدني ووفقني إلى طريق مستقيم لا عوج فيه، وهو الدين القيّم المؤدي إلى سعادة الدنيا والآخرة، القائم بالحق، الثابت الأصول، وهو المراد في مناجاة الله تعالى:{اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} .
وهو ملة إبراهيم الخليل، فالتزموه، لكونه كان مائلا عن جميع أنواع الشرك والضلالة إلى الدين الحق: دين التوحيد. كما قال تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة 130/ 2] وقال: {إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً، قانِتاً لِلّهِ، حَنِيفاً، وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. شاكِراً لِأَنْعُمِهِ، اِجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً، وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ، ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً، وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل 120/ 16 - 123].
{وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} أي وما كان إبراهيم من المشركين أبدا، وإنما كان مؤمنا بالله، موحدا إياه، مخلصا له عبادته.
فأما من يعتقد أن الملائكة بنات الله، أو عزيز ابن الله، أو عيسى المسيح ابن الله، فهؤلاء هم المشركون البعيدون عن ملة إبراهيم، كما قال تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ، وَهُوَ مُحْسِنٌ، وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً، وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً} [النساء 125/ 4].
هذا هو الدين الحق دين الإخلاص والعبادة لله وحده، وهو الذي بعث به جميع الأنبياء والرسل، وهذا مخالف لما كان عليه مشركو العرب وزعماء قريش الذين يلقبون أنفسهم «الحنفاء» مدّعين أنهم على ملة إبراهيم، وهو أيضا مخالف لما عليه أهل الكتاب (اليهود والنصارى) الذين يدعون أنهم أتباع ملة إبراهيم وأتباع موسى وعيسى، وذلك بدليل رد الله تعالى عليهم بقوله:{ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا، وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً، وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران 67/ 3].
لذا فإن دعوة الإسلام هي ملتقى جميع الأنبياء، وهو الدين المقبول عند الله كما قال:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ} [آل عمران 19/ 3] وقال: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً، فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ} [آل عمران 85/ 3].
ثم يأمر الله نبيه أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله، ويذبحون لغير اسمه: بأنه مخالف لهم في ذلك، فإن صلاته لله، ونسكه على اسم الله وحده لا شريك له، مثل قوله تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر 2/ 108] أي أخلص له صلاتك وذبحك، فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها، فأمره الله بمخالفتهم، وإخلاص القصد والنية والعزم والعمل لله تعالى.
{قُلْ: إِنَّ صَلاتِي..} . أي إن كل أنواع صلاتي وعبادتي ودعائي ونسكي أي عبادتي-وقد كثر استعمال النسك في الذبح وأداء شعائر الحج والعمرة وغيرهما-وكل ما آتيه في حياتي، وما أموت عليه من الإيمان والعمل الصالح هو لله عز وجل، أي أن كل أعمالي ومقاصدي محصورة في طاعة الله ورضوانه، فهي آية جامعة لكل الأعمال الصالحة، وعلى المسلم أن يكون قصده وعمله وكل ما يقدمه من عمل هو وجه الله تعالى، سواء في أثناء حياته، أو ما يعقبه من عمل صالح بعد مماته، هو لله، وإلى الله، وفي سبيل الله، ولطاعة الله تعالى.
وخصص الصلاة بالذكر، مع كونها داخلة في النسك، لكونها روح العبادة التي قد تتلوث بمفاسد الشرك.
والله واحد لا شريك له في ذاته ولا في صفاته، ولا في ربوبيته، فله العبادة وحده، والتشريع منه وحده، بذلك أمرني ربي، وأنا أول المسلمين المنقادين إلى امتثال أوامره واجتناب نواهيه.
وهذا إثبات لتوحيد الألوهية، أعقبه بتوحيد الربوبية، فقال:{قُلْ: أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا..} . أي أغير الله أطلب ربا سواه، مع أنه هو مالك كل شيء، خلقه ودبره، وهو مصدر النفع ومنع الضر، فكيف أجعل مخلوقا آخر ربّا لي؟! وما من عمل يكسبه الإنسان إلا عليه جزاؤه دون غيره، ولا تتحمل نفس بريئة أبدا ذنب نفس أخرى، فكل إنسان مجزي بعمله:{كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور 21/ 52]{لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة 286/ 2].
وبما أن كل إنسان مسئول عن عمله، صالحا كان أو سيئا، فإنه سيجزي عنه، إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا. والرجوع في نهاية المصير من الذين يلقبون أنفسهم «الحنفاء» لله وحده دون غيره، فهو الذي يخبركم باختلافكم في