الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والوسوسة والخديعة، ليسلبهما ما هما فيه من النعمة واللباس الحسن. وقد ذكرت هذه القصة في القرآن في سبعة مواضع، كما بينت في الآيات السابقة.
وكيف وسوس الشيطان لآدم، الذي كان في الجنة، وإبليس أخرج منها؟ قال الحسن البصري: كان يوسوس من الأرض إلى السماء وإلى الجنة بالقوة الفوقية التي جعلها الله تعالى فيه.
التفسير والبيان:
أباح الله تعالى لآدم عليه السلام وزوجه حواء المخلوقة منه سكنى الجنة، وأن يأكلا من جميع ثمارها إلا شجرة واحدة، فالأمر هنا أمر إباحة لا أمر تكليف.
وتلك الجنة في رأي الجمهور هي جنة الخلد، وقيل: جنة من جنان السماء، أو جنة من جنان الأرض.
وخاطب الله آدم أولا بطريق الوحي، ثم خاطبه مع زوجته، لتساويهما في الأكل من ثمار الجنة.
وما روي في الصحيحين عن أبي هريرة من قوله صلى الله عليه وسلم: «فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج» من باب التمثيل المراد به المنع من تقويم المرأة بالشدة والغلظة في المعاملة.
وأباح الله بقوله: {فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما} لهما الأكل من مختلف ثمار الجنة، ونهاهما عن الأكل من شجرة خاصة لم يعينها لنا في كتابه، وقد علل النهي بأنهما إذا أكلا منها كانا من الظالمين لأنفسهما، بفعلهما ما يعاقبان عليه.
وهذا امتحان من الله في إباحة الكثير وتحريم القليل.
فحسدهما الشيطان، وسعى في المكر والوسوسة والخديعة، ليسلبهما ما هما فيه من النعمة واللباس الحسن، فزيّن لهما ما يضرهما ويسوؤهما، بأن تمثّل لهما
وكلّمهما، لتنكشف عورتهما التي يؤثران سترها، أي لتكون عاقبة ذلك ظهور العورة. قال الحسن البصري: كان يوسوس من الأرض إلى السماء وإلى الجنة بالقوة الفوقية التي جعلها الله تعالى له. وهذا هو الرد على أن إبليس أخرج من الجنة وكان آدم فيها.
وقال كذبا وافتراء: ما نهاكما ربكما عن الأكل من هذه الشجرة إلا لأحد أمرين: أن تكونا ملكين أو خالدين هاهنا لا تموتان وتبقيان في الجنة ساكنين، أي لئلا تكونا ملكين
(1)
أو خالدين في الجنة، ولو أنكما أكلتما منها لحصل لكما ذلك كقوله:{قالَ: يا آدَمُ، هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى} [طه 120/ 20]. وقال الزمخشري: إلا كراهة أن تكونا ملكين.
والسبب في اختيار هاتين الخاصتين: أن للملائكة مزايا وخصائص كالقوة والبطش، وطول البقاء، وعدم التأثر بأحوال الكون، وأن الخلود في الجنة بدون موت البتة هو أمل الإنسان. أي أن إبليس أوهمهما أن الأكل من هذه الشجرة:
إما ليتصف الآكل بصفات الملائكة، أو لتحقيق الخلود في الحياة.
وفي هذه إشارة إلى تفضيل الملائكة على آدم.
ثم حلف لهما بالله وأقسم قسما مؤكدا: {إِنِّي لَكُما لَمِنَ النّاصِحِينَ} فإني من قبلكما هاهنا وأعلم بهذا المكان.
وقوله: {قاسَمَهُما} من باب المفاعلة المراد بها أحد الطرفين، بقصد المبالغة وتغليظ القسم، فإنه حلف لهما بالله على ذلك، حتى خدعهما، وقد يخدع المؤمن بالله.
(1)
وهذا مثل قوله تعالى: يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [النساء 176/ 4] أي لئلا تضلوا، وقوله: وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ [النحل 15/ 16 ولقمان 10/ 31] أي لئلا تميد بكم.
{فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ} أي ما زال يخدعهما ويغريهما بالترغيب في الأكل من الشجرة، وبالوعد، وبالقسم بالأيمان المغلّظة، حتى نسيا أن الله أخبرهما أنه عدو لهما، وتمكن من زحزحتهما وإسقاطهما من منزلتهما عند الله بسبب طاعتهما، بما غرهما به من اليمين وزيّن لهما، كما قال تعالى:{وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ، فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [طه 115/ 20]. ومعنى {فَدَلاّهُما} فنزلهما إلى الأكل من الشجرة بما غرهما به من القسم بالله.
فلما ذاقا ثمرة الشجرة، ظهرت عوراتهما، وزال النور عنهما، وشرعا يجعلان ورقة على ورقة من ورق أشجار الجنة العريض لستر العورة.
وناداهما ربهما معاتبا لهما وموبخا بقوله: {أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} أي ألم أنهكما من الاقتراب من هذه الشجرة والأكل منها، وأقل لكما: إن الشيطان ظاهر العداوة لكما، فإن أطعتماه أخرجكما من دار النعيم وهي الجنة إلى دار الدنيا وهي دار الشقاء والتعب في الحياة، فاحذروا الشيطان كما قال:{فَقُلْنا: يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ، فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ، فَتَشْقى} [طه 117/ 20].
{قالا: رَبَّنا ظَلَمْنا.} . أي قالا: ربنا إننا ظلمنا أنفسنا بمخالفة أمرك وطاعة الشيطان عدوك وعدونا، وإن لم تستر ذنبنا وترض عنا وتقبل توبتنا، لنكونن من الذين خسروا الدنيا والآخرة:{فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ، فَتابَ عَلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة 37/ 2].
ثم خاطب الله آدم وحواء وإبليس بقوله: {قالَ: اِهْبِطُوا.} . أي أنزلوا من هذه الجنة، بعضكم عدو لبعض، يعني أن العداوة ثابتة بين الجن والإنس لا تزول البتة، فإبليس يعاديهما أي آدم وحواء وهما يعاديانه. فعلى الإنسان أن يحذر من وساوس الشيطان، كما قال تعالى:{إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ، فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا، إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ} [فاطر 6/ 35].