الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واختياره لذلك بمقتضى الحكمة التامة، قال أهل السنة: إنه يدل على أن كل ما فعله المشركون، فهو بمشيئة الله تعالى.
وقالت المعتزلة: إنه محمول على مشيئة الإلجاء، أي إن مشيئة الله تعالى أن يتركهم واختيارهم، فيأخذوا بما يرونه دون جبر ولا قهر، علما بأن الله قادر على أن يجعلهم مؤمنين، بأن يخلقهم مطبوعين على الاستعداد للإيمان كالملائكة، أو يخلق فيهم بواعث الإيمان ودواعيه، فينقادوا لدعوة الإيمان عند ظهورها، وبمجرد مجيء الرسول الذي يقنعهم بضرورة الإيمان، والإقرار بوجود الله ووحدانيته.
فاتركهم أيها الرسول وما يدينون، وما عليك إلا التبليغ.
النوع الثالث:
{وَقالُوا: هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ..} . أي إنهم لشركهم وجاهليتهم المشوهة قسموا أنعامهم وزروعهم ثلاثة أقسام:
1 -
أنعام وأقوات ممنوعة الانتفاع على أحد، ومخصصة لمعبوداتهم وأوثانهم، ويقولون: هي حجر أي محتجرة للآلهة لا تعطى لغيرهم، ويقولون: لا يطعمها إلا من نشاء أي لا يأكل منها إلا خدم الأوثان، والرجال دون النساء. وذلك قول صادر عن زعمهم الخالي من الحجة والبرهان.
2 -
أنعام حرّمت ظهورها، فلا تركب ولا يحمل عليها، وهي البحائر والسوائب والحوامي، التي تقدم ذكرها وتفسيرها في سورة المائدة:{ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ.} . [103].
3 -
أنعام لا يذكرون اسم الله عليها عند الذبح، وإنما يذكرون عليها أسماء الأصنام، ولا ينتفعون بها حتى في الحج.
وقد قسموا تلك القسمة مفترين على الله، كاذبين عليه، فهو لم يشرعه لهم، وما كان لهم أن يحللوا أو يحرموا شيئا لم يأذن الله به، كما قال تعالى:{قُلْ:}
والله سيجزيهم الجزاء الذي يستحقونه بما كانوا يفترون. وهذا وعيد وتهديد لهم.
ثم ذكر الله تعالى نوعا آخر من التحليل والتحريم بزعمهم وسخفهم فقال:
{وَقالُوا: ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ.} . أي إن أجنة وألبان هذه البحائر (أي المشقوقة الآذان) والسوائب المسيّبة للآلهة فلا يتعرض لها أحد: هو حلال خاص برجالنا، ومحرم على إناثنا، فلبنها للذكور ومحرم على الإناث، وإذا ولدت ذكرا جعلوه خالصا للذكور لا تأكل منه الإناث، وإذا ولدت أنثى تركت للنتاج فلم تذبح، وإذا كان المولود ميتا اشترك فيه الذكور والإناث.
سيجزيهم جزاء وصفهم أي قولهم الكذب في ذلك، كما قال تعالى:
ثم ندد الله بوأد البنات وتحريم ما أحل الله فقال: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ..} . أي خسر الذين قتلوا أولادهم، فوأدوا البنات خسرانا مبينا، وحرموا ما رزقهم الله من الطيبات.
إنهم قتلوا أولادهم سفها أي خفة مذمومة، وحماقة مفضوحة، خوفا من ضرر موهوم وهو الفقر، وجهلا بما ينفع ويضر ويحسن ويقبح، ولا شك أن الجهل أعظم المنكرات والقبائح، وحرموا الطيبات افتراء وكذبا على الله، ولقد ضلوا ضلالا مبينا لعدم توصلهم إلى مصالح الدنيا والدين، ولم يكونوا مهتدين إلى شيء