الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثابت. {أَوْ نُرَدُّ} أو هل نرد إلى الدنيا. {فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنّا نَعْمَلُ} نوحد الله ونترك الشرك، فيقال لهم: لا.
{قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} غبنوها؛ إذ صاروا إلى الهلاك. {وَضَلَّ عَنْهُمْ} أي غاب عنهم وذهب. {ما كانُوا يَفْتَرُونَ} من ادعاء الشرك.
المناسبة:
بعد أن أوضح الله تعالى أحوال أهل الجنة، وأهل النار، وأهل الأعراف، وما يدور بين هذه الفرق الثلاث من حوار يحمل المكلف على الحذر والاحتراس والتأمل في العواقب، أردف ذلك ببيان شرف هذا الكتاب الكريم وعظيم فضله ونفعه وحجيته على البشر كلهم، وأنه أبطل معاذيرهم، ثم ذكر حال المكذبين وما يحدث منهم يوم القيامة من ندم وحسرة، وتمني العودة إلى الدنيا لإصلاح أعمالهم، أو إنقاذهم بشفاعة الشفعاء.
التفسير والبيان:
يخبر الله تعالى بهذه الآية عن إبطال معاذير المشركين بإرسال الرسل إليهم بالكتاب الذي هو مفصّل مبيّن، كقوله تعالى:{كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ، ثُمَّ فُصِّلَتْ} [هود 1/ 11].
لقد جئنا هؤلاء المشركين من أهل مكة وأمثالهم بكتاب كامل البيان وهو القرآن، فصلنا آياته بالحكم والمواعظ والقصص والأحكام والوعد والوعيد، على علم تام منا بما فصلناه به، كقوله:{أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء 166/ 4] تصحيحا لعقيدتهم، وتزكية لنفوسهم، وسببا لسعادتهم، وهدى ورحمة لمن يؤمن به، ويعمل بأحكامه.
أوضح أصول الدين، وندد بالشرك والوثنية، ووضع الأنظمة الصالحة للبشر، وحض على البناء والتقدم والحضارة من طريق تمجيد النظر والتأمل
والتفكير، والحث عليها، وذم التقليد دون بحث ولا تمحيص في آيات كثيرة، منها ما يحث على النظر والتأمل مثل:{إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد 4/ 13] ومثل: {قُلْ: هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} [البقرة 111/ 2] ومنها ما يذم التقليد مثل: {إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ، وَإِنّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف 23/ 43].
هل ينتظر أي ما ينتظر هؤلاء الكفار إلا تأويله، أي ما وعدوا به من العذاب والنكال والجنة والنار، قال الربيع: لا يزال يجيء من تأويله أمر، حتى يتم يوم الحساب، حين يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، فيتم تأويله يومئذ.
ويوم يأتي تأويله يوم القيامة، كما قال ابن عباس، وتظهر حقائق ما أخبر به وصدق ما جاء به، فيقول الذين تركوا العمل به وتناسوه في الدار الدنيا، أي جعلوه كالشيء المنسي وأعرضوا عنه: قد جاءت رسل ربنا بالحق، أي صدقوا في كل ما قالوا، وصح أنهم جاؤوا بالحق، وظهر أنه متحقق ثابت، ولكنا نحن الذين أعرضنا عنه، فجوزينا هذا الجزاء.
وأصبحوا يتمنون الخلاص بكل ما يمكن من أحد أمرين: إما شفاعة الشافعين، وإما الرجوع إلى الدنيا لإصلاح العمل وتجديد السلوك والمنهج الذي يرضي الله تعالى.
والسبب في تمني الشفعاء: تذكرهم أساس الشرك وهو أن النجاة عند الله إنما تكون بوساطة الشفعاء؛ فعند ما أفلسوا وعرفوا أن النجاة بالإيمان والعمل الصالح، تمنوا الرجوع إلى الدنيا، ليعملوا بما أمر به الرسل غير علمهم السابق، كقوله تعالى: {وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النّارِ فَقالُوا: يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا، وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ، وَلَوْ