الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات اللغوية:
{أَفِيضُوا عَلَيْنا} أفاض الماء: صبه، ثم استعمله في الشيء الكثير. {أَوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللهُ} من الطعام. {حَرَّمَهُما} منعهما. {نَنْساهُمْ} نتركهم في النار. {كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا} بتركهم العمل له. {وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ} أي وكما جحدوا أي أنكروا.
المناسبة:
الآيتان استمرار في محاورة الناس يوم القيامة، فبعد أن بيّن الله تعالى الحوار بين أهل الجنة وأهل النار، والحوار بين أصحاب الأعراف وأصحاب النار، وما قاله الفريق الأول للثاني، أتبعه بذكر ما يقوله أهل النار لأهل الجنة.
التفسير والبيان:
هذا مشهد من مشاهد سوء أهل النار يوم القيامة، فالله يخبر عن ذلة أهل النار وسؤالهم الطعام والشراب من أهل الجنة، وأنهم لا يجابون إلى ذلك.
ومعنى الآية: إن أهل النار يطلبون من أهل الجنة أن يفيضوا عليهم من النعم الكثيرة التي يتمتعون بها من شراب وطعام. وقوله: {أَفِيضُوا} معناه صبوا علينا من الماء أو النعم الشيء الكثير، ومعنى قوله:{أَوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللهُ} أي من غيره، فيشمل الطعام والأشربة غير الماء. وقد استغاثوا بهم مع علمهم بأنهم لا يجابون أبدا، بسبب الحيرة في أمرهم، ولشدة حاجتهم إلى الماء، كما يفعل كل مضطر، كالغريق وغيره. وقوله:{أَفِيضُوا} فيه دليل على أن الجنة فوق النار.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما صار أصحاب الأعراف إلى الجنة، طمع أهل النار بفرج بعد اليأس، فقالوا: يا ربنا، إن لنا قرابات من أهل الجنة، فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم، فأمر الله الجنة فتزحزحت، ثم نظر أهل جهنم إلى قراباتهم في الجنة وما هم فيه من النعيم فعرفوهم، ونظر أهل الجنة إلى قراباتهم من أهل جهنم فلم يعرفوهم، وقد اسودّت وجوههم وصاروا خلقا آخر، فنادى
أصحاب النار أصحاب الجنة بأسمائهم وقالوا: {أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ} . وإنما طلبوا الماء خاصة لشدة ما في بواطنهم من الاحتراق واللهيب، بسبب شدة حر جهنم.
وهذا القول يدل على أنهم طلبوا الماء مع جواز الحصول. وقال آخرون: بل مع اليأس؛ لأنهم قد عرفوا دوام عقابهم.
وقال سعيد بن جبير في هذه الآية: ينادي الرجل أباه أو أخاه، فيقول له: قد احترقت، فأفض علي من الماء، فيقال لهم: أجيبوهم، فيقولون:{إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ} .
ومعنى قوله تعالى: {قالُوا: إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ} : قال أهل الجنة: إن الله منع الكفار شراب الجنة وطعامها.
ثم وصف الله تعالى الكافرين بما كانوا يعتمدونه في الدنيا، باتخاذهم الدين لعبا ولهوا، واغترارهم بالدنيا وزينتها وزخرفتها، عما أمروا به من العمل للآخرة، فقال:{الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ..} ..
أي إن هؤلاء الكفار تلاعبوا بدينهم وما كانوا به مجدين، أو اتخذوا اللهو واللعب دينا لأنفسهم، وجعلوا ديدنهم أعمالا لا تزكي الأنفس ولا تفيد، بل هي لهو يشغل الإنسان عن الجد، أو لعب لا يقصد منه فائدة صحيحة، فهي كأعمال الأطفال.
واغتروا في الحياة الدنيا بشهواتها وزخارفها وزينتها ولذاتها من الحرام والحلال. قال الرازي: {وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا} مجاز؛ لأن الحياة الدنيا لا تغر في الحقيقة، بل المراد أنه حصل الغرور عند هذه الحياة الدنيا؛ لأن الإنسان يطمع في طول العمر، وحسن العيش، وكثرة المال، وقوة الجاه، فلشدة رغبته