الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو شاء ربّك ألا يفعلوا هذا التغرير، ما فعلوه، ولكنه لم يشأ أن يجبرهم على الهداية، بل شاء أن يكون الناس مختارين سلوك أي الطريقين: طريق الخير وطريق الشّرّ، كما قال تعالى:{وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد 10/ 90] هذا ما يراه المعتزلة.
وقال أهل السّنّة في قوله تعالى: {وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ} : وذلك كلّه بقدر الله وقضائه وإرادته ومشيئته أن يكون لكلّ نبيّ عدوّ من الشياطين.
فدعهم وما يفترون أي يكذبون، أي دع مجابتهم واتركهم يخوضون في إفكهم وكذبهم، ولا تأبه لهم، وامض في تبليغ دعوتك وتأدية رسالتك، وتوكّل على الله، فإن الله كافيك وناصرك عليهم، وعليك البلاغ، وعلينا الحساب والجزاء.
وقوله: {وَلِتَصْغى.} . معطوف على فعل مقدر مفهوم مما سبقه، وتقديره: يوحي هؤلاء الشياطين إلى بعضهم زخرف القول والمموه أو المزيّن منه، ليغروا المؤمنين أتباع الأنبياء، ولتميل إليه قلوب الكفار والفسّاق الذين لا يؤمنون بالآخرة؛ لأنه الموافق لأهوائهم. أمّا المؤمنون الواعون الذين ينظرون في عواقب الأمور، فلا ينخدعون بأباطيل الأقوال، ولا تغرّنّهم الزّخارف. وضمير {إِلَيْهِ} وضمير {فَعَلُوهُ} راجع إلى ما ذكر من عداوة الأنبياء ووسوسة الشياطين.
{وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ} أي وليرضوه لأنفسهم، وليترتب على ذلك أن يكتسبوا ما هم مكتسبون من المعاصي والآثام بغرورهم به ورضاهم عنه.
فقه الحياة أو الأحكام:
لن يؤمن الكفار كما سبق في علم الله تعالى، ولو جاءتهم المعجزات العجيبة والآيات البليغة القاطعة الدّالّة على صدق الرّسل. فلو فرض أن الله تعالى أجابهم إلى ما اقترحوه، فأنزل الملائكة إليهم، وعاد الموتى إلى الحياة فكلّموهم، وجمعت لهم
كلّ الآيات معاينة ومواجهة، فإنهم لن يؤمنوا، لتأصّلهم في الكفر، وفقد استعدادهم للإذعان بالحقّ، فأكثر المشركين يجهلون الحقّ ولا يعرفونه.
ومن سنّته تعالى في الخلق ظهور أعداء من الإنس والجنّ للأنبياء وأتباعهم، لأنّ الحقّ يعرف بضدّه من الباطل.
وأهل الباطل يصغون أسماعهم لما يوسوس به شياطين الجنّ وشياطين الإنس، ويقتنعون بالقول المزيّن المغشوش الذي لا مصداقيّة له ولا صحّة، ولا بقاء ولا استقرار.
قال مالك بن دينار: إن شيطان الإنس أشدّ عليّ من شيطان الجنّ، وذلك أنّي إذا تعوّذت بالله، ذهب عنّي شيطان الجنّ، وشيطان الإنس يجيئني فيجرّني إلى المعاصي عيانا.
والله قادر على تحويل المشركين إلى مؤمنين، ولكن حكمته ومشيئته وإرادته اقتضت ترك الاختيار إليهم، ليكون الجزاء عدلا مطابقا للواقع.
ودلّ قوله تعالى: {ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ} على أنه تعالى ما شاء منهم الإيمان، فهم لا يؤمنون إلا أن يشاء الله إيمانهم.
ومآل القول المزخرف المزيّن وهو الباطل وعاقبته أنه يستمع إليه ويميل إليه غير المؤمنين بالآخرة، ويرضون به، ويؤدي بهم إلى اكتساب المعاصي واقتراف السّيئات واجتراح الذّنوب.
وهكذا فإن عقاب العصاة بسبب ذنوبهم وسيئاتهم، وليس لله حاجة في تعذيبهم والتّنكيل بهم، وإنّما العقاب أمر يقتضيه العدل المطلق للتّمييز بين المحسنين الأبرار وبين المسيئين الأشرار، فلا يعقل التّسوية بين من لازم الطاعة، فعمل والتزم أوامر الله، وبين من قارف المعصية، فأعرض واستكبر، وعتا