المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ، فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ} [العنكبوت 29/ 37]. وبعد - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ٨

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌من مظاهر تعنّت المشركين والإياس من إيمانهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النّزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌القرآن الكريم دليل صدق رسالة النّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التّفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ضلالات المشركين والمنع من أكل ذبائحهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (118):

- ‌نزول الآية (121):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مثل المؤمن المهتدي والكافر الضال

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تعنت المشركين ومطالبتهم بالنبوة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سنّة الله في المستعدّين للإيمان وغير المستعدّينوجزاء الفريقين بعد بيان الحق ومنهجه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تولية الظلمة على بعضهم وتقريع الكافرين على عدم إيمانهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التهديد بعذاب الاستئصال والإنذار بعذاب القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌شريعة الجاهليةفي الزروع والثمار والأنعام وقتل الأولاد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌النوع الأول:

- ‌النوع الثاني:

- ‌النوع الثالث:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأدلة الواضحة على قدرة الله تعالى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المطعوم المحرّم على المسلمين والمحرّم على اليهود

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الميتة:

- ‌والدّم المسفوح:

- ‌ولحم الخنزير:

- ‌والفسق:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌نسبة المشركين الشرك والتحريم إلى الله تعالىوإقامة الحجة عليهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المحرّمات العشر أو الوصايا العشر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌1 - نبذ الشرك بالله:

- ‌2 - الإحسان إلى الوالدين:

- ‌3 - تحريم وأد البنات:

- ‌4 - تحريم اقتراف الفواحش:

- ‌5 - منع قتل النفس بغير الحق:

- ‌6 - المحافظة علي مال اليتيم:

- ‌7 و 8 - إيفاء الكيل والميزان بالقسط:

- ‌9 - العدل في القول أو الحكم:

- ‌10 - الوفاء بالعهد:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌السبب في إنزال التوراة والقرآن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إنذار أخير للكفار بسوء العذاب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عاقبة الاختلاف في الدين

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء الحسنة والسيئة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اتباع ملة إبراهيمفي التوحيد والعبادة والتبعة الشخصية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الاستخلاف في الأرض

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الأعراف

- ‌تسميتها:

- ‌صفة نزولها:

- ‌موضوعها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌اتباع القرآن الكريم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عاقبة تكذيب الرسل في الدنيا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عاقبة الكفر في الآخرة والحساب الدقيق على الأعمال

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌كثرة نعم الله على عباده

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تكريم البشرية بالسجود لآدموإغواء الشيطان وطرده من الجنة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة آدم في الجنة وخروجه منها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌توفير حوائج الدنيا لبني آدم وتحذيرهم من فتنة الشيطان

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تشريع المشركين تقليد الآباء وتشريع الله الوحي إلى رسوله

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إباحة الزينة والطيبات من المآكل والمشارب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أصول المحرّمات على النّاس

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أجل كلّ أمّة وفرد

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ما خوطبت به كلّ أمّة على لسان رسولها وإنذار المكذّبين بآيات الله

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عاقبة الكذب ومشهد دخول الكفار إلى النّار

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء الكافرين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء المؤمنين المتقين

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌محاورة بين أهل الجنة وبين أهل النار والأعراف

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المناظرة بين أصحاب الأعراف وأصحاب النار

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ما يقوله أهل النار لأهل الجنةأو استغاثة أهل النار بأهل الجنة لإمدادهم بالطعام والشراب

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌فضل القرآن على البشر وحال المكذبين يوم القيامة بإظهارالندم وطلب الشفاعة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إثبات الربوبية والألوهية لله بالخلق والأمر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مشروعية الدعاء وآدابه وتحريم الإفساد في الأرض

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إنزال المطر وإخراج النباتودلالتهما على القدرة الإلهية وإثبات البعث

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة نوح عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌أضواء على قصة نوح من التاريخ:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة هود عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة وتاريخ القصة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة صالح عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌أضواء من التاريخ:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة لوط عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌أضواء من التاريخ:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة شعيب عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌أضواء من التاريخ:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ، فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ} [العنكبوت 29/ 37]. وبعد

فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ، فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ} [العنكبوت 29/ 37].

وبعد أن نجّى الله شعيبا والذين آمنوا معه، أرسله إلى أصحاب الأيكة: وهي غيضة من الأشجار قرب مدين، وكانوا على منهج أهل مدين، فلما نهاهم عما هم عليه اتهموه بالكذب والسحر، ولم يصدقوا بنبوته؛ لأنه بشر مثلهم:{قالُوا: إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ. وَما أَنْتَ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا، وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ} [الشعراء 26/ 185 - 186].

ثم طلبوا من شعيب أن يسقط عليهم كسفا من السماء، أي قطعة منها، إن كان من الصادقين، وأمعنوا في الإعراض عن الحق، فأخذهم عذاب يوم الظّلّة:

بأن سلط الله عليهم الحر سبعة أيام حتى غلت مياههم، ثم ساق إليهم غمامة، فاجتمعوا للاستظلال بها من وهج الشمس، فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا:

{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ، إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء 26/ 189].

‌التفسير والبيان:

وأرسل الله إلى مدين أخاهم شعيبا، وهي أخوة نسب لا أخوة دين، وأمرهم بتكاليف خمسة ترجع إلى أصلين: تعظيم أمر الله، ويدخل فيه الإقرار بالتوحيد والنبوة، والشفقة على خلق الله، ويدخل فيه ترك البخس، وترك الإفساد، ويجمعهما ترك الإيذاء.

وتلك التكاليف هي:

1 -

الأمر بعبادة الله والنهي عن عبادة غير الله: {اُعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ} ، وهذا أصل معتبر في شرائع جميع الأنبياء، ودعوة الرسل كلهم.

2 -

ادعاؤه النبوة فقال: {قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} أي قد أقام الله

ص: 290

الحجج والبينات على صدق ما جئتكم به، والبينة تشمل المعجزة الكونية، والبرهان العقلي، وخوارق العادات. وهذا مثل قول صالح عليه السلام، إلا أنه تعالى ذكر الآية له وهي الناقة، ولم يذكر آية شعيب، ولا بد من آية تصدقه؛

روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثلها آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» .

قال الزمخشري: ومن معجزات شعيب: أنه دفع إلى موسى عصاه، وتلك العصا حاربت التنّين (ضرب من الحيات) وأيضا قال لموسى: إن هذه الأغنام تلد أولادا فيها سواد وبياض، وقد وهبتها منك، فكان الأمر كما أخبر عنه.

وهذه الأحوال كانت معجزات لشعيب عليه السلام؛ لأن موسى في ذلك الوقت ما ادعى الرسالة

(1)

.

وهذا على رأي المعتزلة: وهو عدم ظهور المعجزة قبل النبوة، وأما على رأي أهل السنة، فيجوز أن يظهر الله على يد من يصير نبيا ورسولا بعد ذلك أنواع المعجزات قبل إيصال الوحي، ويسمى ذلك إرهاصا للنبوة، فتكون هذه الأحوال التي ذكرها الزمخشري إرهاصات لموسى عليه السلام

(2)

.

3 -

إيفاء الكيل والميزان، فقال:{فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ} وهذا مرتب على ما سبق: {قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} على تحريم الخيانة بالشيء القليل، والمعنى: أتموا الكيل والميزان إذا بعتم. وهذا وعظ لإحسان معاملتهم الناس، نابع من العدل الذي يجب أن تكون عليه المعاملة بين المبيع والثمن. وقد عني شعيب بعلاج هذه المفسدة أو الانحراف، لشغف أهل مدين بنقص المكيال والميزان،

(1)

الكشاف: 559/ 1

(2)

تفسير الرازي: 173/ 14

ص: 291

وأراد بالكيل هنا: آلة الكيل وهو المكيال، كما قال في سورة هود:{أَوْفُوا الْمِكْيالَ} .

4 -

منع الخيانة للناس في أموالهم وأخذها دون حق، قال تعالى إخبارا عن شعيب الذي يقال له:«خطيب الأنبياء» لفصاحة عبارته وجزالة موعظته:

{وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ} ، أي لا تنقصوهم شيئا في البيع خفية تدليسا، كما قال تعالى في تهديده ووعيده:{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} -إلى قوله- {لِرَبِّ الْعالَمِينَ} [المطففين 1/ 83 - 6] والبخس: النقص بالتعييب والتزهيد، أو المخادعة عن القيمة، أو الاحتيال في التزيد في الكيل أو النقص منه.

والمراد أنه لما منع قومه من بخس (أي نقص) في الكيل والوزن في البيع، منعهم بعد ذلك من البخس والتنقيص بجميع الوجوه، ويدخل فيه المنع من الغصب والسرقة، وأخذ الرشوة، وقطع الطريق، وسلب الأموال بطرق الاحتيال، ونحو ذلك من المساومات، والغش ولو في غير البيع، ويشمل أيضا هضم الحقوق المعنوية كالعلوم والفضائل، فلا يجوز لإنسان نقص آخر حقه في علم أو خلق أو فضيلة أو أدب، وادعاء التفوق عليه حسدا وبغيا وكراهية. روي عن قوم شعيب أنهم كانوا إذا دخل الغريب بلدهم، أخذوا دراهمه الجياد، وقالوا:

هي زيوف، فيقطعونها قطعا، ثم يأخذونها منه بنقصان ظاهر، أو أعطوه بدلها زيوفا.

5 -

منع الإفساد، قال:{وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها} أي لا تفسدوا في الأرض بعد ما أصلح فيها الصالحون من الأنبياء وأتباعهم العاملين بشرائهم، وهو على حذف مضاف أي بعد إصلاح أهلها.

والإصلاح عام يشمل العقيدة والسلوك والأخلاق ونظام المجتمع والحضارة والعمران وسائر وجوه التقدم الزراعي والصناعي والتجاري.

ص: 292

ويلاحظ أن قوله: {وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ} منع عن مفاسد الدنيا، وقوله:{وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} منع من مفاسد الدين، حتى تكون الآية جامعة للنهي عن مفاسد الدنيا والدين.

{ذلِكُمْ} إشارة إلى هذه التكاليف الخمسة من عبادة الله، والتصديق بنبوتي، والوفاء بالكيل والميزان، وترك البخس والإفساد في الأرض. والمعنى:

كل ما ذكر خير لكم في الإنسانية وحسن السمعة وما تطلبونه من الربح المادي، لأن الناس أرغب في معاملتكم إذا عرفوا منكم الأمانة والعدل. وخير لكم في الآخرة بالثواب والرضا الإلهي، إن كنتم مؤمنين بوحدانية الله وبرسوله وبشرعه وهداه وبالآخرة، فالإيمان يقتضي الامتثال والعمل بما جاء به الرسول من عند الله.

ويجوز أن يكون {ذلِكُمْ} إشارة إلى العمل بما أمرهم به ونهاهم عنه، فإن الله لا يأمر إلا بالنافع، ولا ينهى إلا عن الضارّ.

وفي هذا دلالة واضحة على أن العلم وحده لا يكفي للإصلاح، وإنما لا بد في إصلاح الأمم والشعوب من تربية دينية، تقنع الأجيال بمنافع الفضائل كالصدق والأمانة والعدل، وبمضار الانحراف والرذائل؛ لأن الوازع النفسي أقوى من أي ردع أو وازع خارجي.

ثم نهاهم شعيب عن قطع الطريق الحسي والمعنوي بقوله: {وَلا تَقْعُدُوا..} .

أي ولا تقعدوا في مفارق الطرقات تتوعدون الناس بالقتل إن لم يعطوكم أموالهم، أو تخوفون المؤمنين الآتين إلى شعيب ليتبعوه، قال ابن كثير: والأول أظهر، لأنه قال:{بِكُلِّ صِراطٍ} وهو الطريق. أما المعنى الثاني فهو مستفاد من قوله: {وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ} . أي تصرفون من يريد الإيمان عن دين الله، وتودون أن تكون سبيل الله عوجا مائلة، ففي هذه الآية نهاهم

ص: 293

عن ثلاثة أمور: قطع الطريق على المارّة لأخذ الأموال، والصد عن دين الله، وطلب جعل سبيل الله المستقيمة معوجّة مائلة بالأكاذيب والضلالات وتشوية الحقائق والشبهات والشكوك الملقاة منكم.

والمراد من الآية أن شعيبا منع القوم من أن يمنعوا الناس من قبول الدين الحق بأحد هذه الطرق الثلاث.

ويلاحظ أن شعيبا ركّز في دعوته أولا على الإصلاح الداخلي بإيفاء المكيال والميزان وعدم الإفساد في البلد، ثم انتقل إلى الإصلاح الخارجي بإزالة الموانع والعقبات أمام نشر دعوته للذين يزورون أرضهم.

وبعد قمع الفساد وتطهير البلد من المنكرات انتقل إلى النواحي الإيجابية الملازمة لهم وهي تذكر النعم، فقال:{وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ.} . أي وتذكروا كثرة إنعام الله عليكم، ليحملهم على الطاعة ويبعدهم عن المعصية، ومن تلك النعم أنكم كنتم مستضعفين قليلي العدد، فصرتم أعزة كثيري العدد بما بارك الله في نسلكم، واشكروا له نعمه بعبادته وحده.

روي أن مدين بن إبراهيم تزوج رئيا بنت لوط، فولدت أولادا كثيرين، حتى كثر عددهم، لأن الله بارك في نسلها.

ويجوز أن يكون المعنى أنكم كنتم فقراء ضعفاء، فجعلكم موسرين أقوياء.

وتأملوا واعتبروا بمصير السابقين من الأمم الخالية والقرون الماضية والشعوب المجاورة لكم كقوم نوح، وعاد وثمود، وقوم لوط، كيف أهلكهم الله بفسادهم وبغيهم في الأرض، واجترائهم على معاصي الله، وتكذيب رسله، فتذكروا عاقبة فسادهم وما لحقهم من الخزي والنكال.

والمقصود من تذكر نعم الله، والتأمل في عقاب المفسدين، حملهم على

ص: 294