الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات اللغوية:
{وَحَشَرْنا} جمعنا. {قُبُلاً} أي مواجهة ومقابلة ومعاينة. {عَدُوًّا} العدو: ضد الصّديق، ويستعمل للواحد والجمع والمذكر والمؤنث. {شَياطِينَ} جمع شيطان، والشياطين:
المردة، قال ابن عباس: كلّ عات متمرّد من الجنّ والإنس فهو شيطان. {يُوحِي} يوسوس به الشّيطان، والإيحاء: الاعلام مع الخفاء والسّرعة كالإيماء. {زُخْرُفَ الْقَوْلِ} أي الكلام المزين الذي يبدّل الحقائق أوهاما، ويطلق لفظ الزخرف على كلّ زينة، كالذهب للنّساء، والورود والأزهار للرّياض وغيرها. {غُرُوراً} خداعا باطلا. {فَذَرْهُمْ} دع الكفار. {وَما يَفْتَرُونَ} من الكفر وغيره مما زين لهم. {وَلِتَصْغى} تميل، يقال: صغي إليه: مال. ومضارعه: يصغي، مثل رضي يرضى، وصغي فلان وصغوه: أي ميله وهواه. {إِلَيْهِ} الزخرف. {أَفْئِدَةُ} قلوب.
{وَلِيَقْتَرِفُوا} يكتسبوا، يقال: اقترف المال: اكتسبه، واقترف الذّنب: اجترحه.
سبب النّزول:
روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى جماعة من كفار مكة وزعمائها فقالوا له: أرنا الملائكة يشهدون بأنك رسول الله، أو ابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم، أحقّ ما تقول أم باطل؟ أو ائتنا بالله والملائكة قبيلا، فنزلت الآية.
المناسبة:
هذا تفصيل لما ذكر على سبيل الإجمال بقوله تعالى: {وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ} فبيّن تعالى أنه لو أعطاهم ما طلبوه من إنزال الملائكة، وإحياء الموتى حتى يكلّموهم، بل لو زاد في ذلك بأن يحشر عليهم كلّ شيء قبلا يشهد بصدق الرّسول، ما كانوا ليؤمنوا لتأصّلهم في الضّلال إلا أن يشاء الله.
التفسير والبيان:
قال ابن عباس في قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ.} .: وهم أهل الشقاوة، ثم قال:{إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ} : وهم أهل السعادة الذين سبق لهم في علمه تعالى أن يدخلوا في الإيمان
(1)
.
(1)
تفسير الطبري: 2/ 8 - 3
والمعنى: ولو أننا أجبنا سؤال هؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم: لئن جاءتهم آية ليؤمننّ بها، فنزلنا عليهم الملائكة، تخبرهم بالرّسالة من الله، بتصديق الرّسل كما سألوا، فقالوا:{أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً} [الإسراء 92/ 17] و {قالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ حَتّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ} [الأنعام 124/ 6] ما آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن.
وبعبارة أخرى: لو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة، فرأوهم بأعينهم مرة بعد أخرى، وسمعوا شهادتهم لك بالرّسالة؛ ولو كلّمهم الموتى بأن نحييهم، فيخبروهم بصدق ما جاءتهم به الرّسل كما طلبوا:{فَأْتُوا بِآبائِنا} [الدّخان 36/ 44]، وحشرنا، أي وجمعنا كلّ شيء من الآيات والدّلائل معاينة ومواجهة، فيخبرونهم بصدق الرّسل فيما جاؤوا به، وقيل:{قُبُلاً} كفلاء بصحّة ما بشّرنا به وأنذرنا، أو جماعات تعرض عليهم كلّ جماعة بعد أخرى، ما كان شأنهم به يؤمنوا، وليس عندهم الاستعداد أن يصدّقوا؛ لأنهم لا ينظرون في الآيات نظر تأمّل وهداية وعظة، وإنما ينظرون إليها نظر معاداة واستهزاء، لا يؤمنون إلا بمشيئة الله، أي لا يؤمنون ما داموا على صفاتهم، إلاّ أن يزيلها الله تعالى إن شاء، فالهداية مقدور عليها من الله، ولكنه تعالى يتركهم وشأنهم بعد أن بصّرهم بطرق الخير والانتفاع بهدي القرآن.
فالمراد بقوله: {ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا} أي ما كانوا ليؤمنوا على سبيل الاختيار، والمراد من قوله:{إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ} هو الإيمان الاختياري، وليس الإيمان الاضطراري، كما قال الرّازي؛ لأن المستثنى يجب أن يكون من جنس المستثنى منه، والإيمان الحاصل بالإلجاء والقهر ليس من جنس الإيمان الاختياري
(1)
.
(1)
تفسير الرّازي: 150/ 13 - 152
ولكن أكثر هؤلاء المشركين يجهلون أن الإيمان إليهم والكفر بأيديهم، متى شاؤوا آمنوا ومتى شاؤوا كفروا، وليس ذلك كما يظنون، لا يؤمن منهم إلا من هديته له فوفقته، ولا يكفر إلا من خذلته عن الرّشد فأضللته. هذا ما يراه الطبري
(1)
وهو الظاهر الرّاجح.
ويرى الزّمخشري: ولكن أكثر المسلمين يجهلون أن هؤلاء لا يؤمنون إلا أن يضطرهم الله، فيطمعون في إيمانهم إذا جاءت الآية المقترحة
(2)
. يعني أن المعتزلة يرون أن المستثنى هو الإيمان الاضطراري، وأن الضمير في قوله:{وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ} عائد في رأي الزمخشري إلى المسلمين لا إلى الكفار، والمعتزلة يقولون:
المراد: أنهم أي المشركون جهلوا أنهم يبقون كفارا عند ظهور الآيات التي طلبوها، والمعجزات التي اقترحوها، وكان أكثرهم يظنون ذلك. وأهل السّنّة يقولون: المراد: يجهلون بأنّ الكلّ من الله وبقضائه وقدره
(3)
.
قال ابن عباس: المستهزئون بالقرآن كانوا خمسة: الوليد بن المغيرة المخزومي، والعاصي بن وائل السّهمي، والأسود بن عبد يغوث الزهري، والأسود بن المطلب، والحارث بن حنظلة، أتوا الرّسول صلى الله عليه وسلم في رهط من أهل مكة، وقالوا له: أرنا الملائكة يشهدون بأنك رسول الله، أو ابعث موتانا حتى نسألهم، أحقّ ما تقوله أم باطل؟ أو ائتنا بالله والملائكة قبيلا، أي كفيلا على ما تدّعيه، فنزلت الآية
(4)
.
ثمّ أراد الله تعالى التّخفيف على نبيّه ومواساته وتسليته، فأبان أنّ سنّته في الخلق أن يكون للأنبياء عدوّ من الجنّ والإنس، فقال:{وَكَذلِكَ جَعَلْنا..} .
(1)
تفسير الطّبري: 2/ 8
(2)
الكشّاف: 524/ 1
(3)
تفسير الرّازي: 152/ 13
(4)
المرجع السابق: 149/ 13 - 150
أي وكما جعلنا لك يا محمد أعداء يخالفونك ويعادونك ويعاندونك، جعلنا لكلّ نبيّ من قبلك أيضا أعداء، فلا يحزنك ذلك، كما قال تعالى:{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ، فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا} [الأنعام 34/ 6]، وقال تعالى:
{وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ} [الفرقان 31/ 25]، وقال ورقة بن نوفل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم:«إنه لم يأت أحد قطّ بمثل ما جئت به إلا عودي» أي أنّ سنّة الله جرت على أن يكون بعض الناس أعداء للأنبياء وورثتهم، وكلّ أصحاب دعوات الإصلاح في الأمور الدّينيّة والاجتماعيّة، وهذا ما يعبّر عنه بتنازع البقاء وبقاء الأصلح، كما قال تعالى:
{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً، وَأَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرّعد 17/ 13].
والعداوة سواء من شياطين الإنس والجنّ، قال مجاهد وعكرمة وقتادة والحسن البصري: من الجنّ شياطين، ومن الإنس شياطين، يوحي بعضهم إلى بعض.
وقال قتادة: بلغني أن أبا ذر كان يوما يصلّي، فقال له النّبي صلى الله عليه وسلم:
«تعوّذ يا أبا ذرّ من شياطين الإنس والجنّ» فقال: أو إن من الإنس شياطين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم»
(1)
. وجاء في سورة البقرة: {وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا: إِنّا مَعَكُمْ} [14].
ثم ذكر تعالى أثر عداوة الشّياطين للأنبياء، وهو مقاومتهم دعوة الله وهدايته، فقال:{يُوحِي بَعْضُهُمْ.} . أي يلقي بعضهم إلى بعض القول المزيّن المزخرف، وهو المزوّق الذي يغتّر سامعه من الجهلة بأمره، وينخدع ويميل إلى رأي القائل، ويتأثّر بإغراء الشياطين بالمعاصي. والوحي: الإيماء والقول السريع، والزّخرف: الذي يكون باطنه باطلا، وظاهره مزيّنا خادعا.
(1)
ذكره الطبري وابن كثير، ثم قال الأخير: وهذا منقطع بين قتادة وأبي ذرّ، وقد روي من وجه آخر عن أبي ذرّ رضي الله عنه (تفسير الطّبري: 5/ 8، تفسير ابن كثير: 166/ 2).