الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روى ابن جرير الطبري عن عبد العزيز الشامي عن أبيه، وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يحمد الله على ما عمل من عمل صالح، وحمد نفسه، فقد كفر وحبط عمله. ومن زعم أن الله جعل للعباد من الأمر شيئا فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه، لقوله: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ}» .
وفي الدعاء المأثور عن أبي الدرداء، وروي مرفوعا:«اللهم لك الملك كله، ولك الحمد كله، وإليك يرجع الأمر كله، أسألك من الخير كله، وأعوذ بك من الشر كله» .
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآية إلى ما يلي:
1 -
الله عز وجل هو المنفرد بقدرة الإيجاد، وخالق السموات والأرض، فهو الذي يجب أن يعبد.
2 -
استوى الله تعالى على العرش، وخص العرش بذلك؛ لأنه أعظم مخلوقاته، ورأي السلف الصالح: أنه استوى على عرشه حقيقة، لكن كيفية الاستواء مجهولة، فإنه لا تعلم حقيقته. قال مالك رحمه الله: الاستواء معلوم (يعني في اللغة) والكيف مجهول، والسؤال عن هذا بدعة. وكذا قالت أم سلمة رضي الله عنها.
وأكثر المتقدمين والمتأخرين من علماء المتكلمين على تنزيه الله تعالى عن الجهة والتحيّز في مكان، لأنه يلزم من ذلك أنه متى اختص بجهة أن يكون في مكان أو حيّز، ويلزم على المكان والحيّز: الحركة والسكون للمتحيّز، والتغيّر والحدوث.
وقد يؤوّل العرش في الآية بمعنى الملك والسلطان، أي ما استوى الملك
المطلق إلا له جل وعز. قال القرطبي: وهو قول حسن، وفيه نظر
(1)
.
3 -
الليل والنهار متعاقبان، وتعاقبهما دليل على كروية الأرض وحركتها ودورانها. ولم يذكر في هذه الآية دخول النهار على الليل، واكتفى بأحدهما عن الآخر، مثل:{سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل 81/ 16] أي والبرد. ومثل:
{بِيَدِكَ الْخَيْرُ} [آل عمران 26/ 3] أي والشر.
4 -
الشمس والقمر والنجوم وسائر الكواكب مخلوقة لله، بدليل أنها معطوفة على السموات، أي وخلق السموات، وهي مذللات خاضعات لتصرف الله.
5 -
لله الخلق والأمر، وقد دلت الآية على صدق الله في خبره، فله الخلق وله الأمر، خلقهم وأمرهم بما أحب، وهذا الأمر يقتضي النهي. قال سفيان بن عيينة: فرق بين الخلق والأمر؛ فمن جمع بينهما فقد كفر. فالخلق: المخلوق، والأمر: كلامه الذي هو غير مخلوق، وهو قوله:{كُنْ} : {إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ} [يس 82/ 36].
وفي تفرقته بين الخلق والأمر دليل بيّن على فساد قول من قال بخلق القرآن؛ إذ لو كان كلامه الذي هو أمر مخلوقا، لكان قد قال: ألا له الخلق والخلق.
وذلك عيّ من الكلام ومستهجن، والله يتعالى عن التكلم بما لا فائدة فيه. ولو كان الأمر مخلوقا لافتقر إلى أمر آخر يقوم به، وذلك الأمر إلى أمر آخر إلى ما لا نهاية له، وذلك محال، فثبت أن أمره الذي هو كلامه قديم أزلي غير مخلوق؛ ليصح قيام المخلوقات بأمره، بدليل قوله تعالى:{وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ} [الروم 25/ 30] وقوله هنا: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ} فأخبر سبحانه أن المخلوقات قائمة بأمره.
(1)
تفسير القرطبي: 221/ 7