الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك التّحريم الذي حرّمناه عليهم بسبب بغيهم، وعقوبة لهم، لقتلهم الأنبياء بغير حقّ، وصدّهم عن سبيل الله، وأخذهم الرّبا، واستحلالهم أموال النّاس بالباطل.
وفي ذكر هذا تكذيب لليهود في قولهم: إن الله لم يحرّم علينا شيئا، وإنما حرمنا على أنفسنا ما حرّمه إسرائيل على نفسه.
ولما كان هذا إخبارا عمّا حكم الله به على اليهود في الماضي، ولم يكن لأحد به علم، وردّا على قولهم: لم يحرّم علينا شيء، قال تعالى:{وَإِنّا لَصادِقُونَ} قال الطبّري: أي لصادقون في إخبارنا بهذه الأخبار من تحريمنا ذلك عليهم لا كما زعموا، من أن إسرائيل هو الذي حرّمه على نفسه، ومن أصدق من الله حديثا، وقال ابن كثير: أي وإنا لعادلون فيما جازيناهم به.
فإن كذّبوك يا محمد بعد هذا أي اليهود، كما قال مجاهد والسّدي، أو مشركو مكة، والصواب: فإن كذّبك يا محمد مخالفوك من المشركين واليهود وأشباههم في ادّعاء النّبوة والرّسالة، وفي تبليغ الأحكام {فَقُلْ: رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ} وهذا ترغيب لهم في ابتغاء رحمة الله الواسعة واتّباع رسوله، {وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} أي لا يردّ عذابه عن كلّ مجرم، وهذا ترهيب لهم من مخالفتهم الرّسول خاتم النّبيين صلى الله عليه وسلم.
وكثيرا ما يقرن الله تعالى بين التّرغيب والتّرهيب في القرآن، كما قال تعالى في آخر هذه السّورة {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} .
فقه الحياة أو الأحكام:
دلّت آية: {قُلْ: لا أَجِدُ.} . على تحريم أربعة أشياء، هي: الميتة، والدّم المسفوح، ولحم الخنزير، والمذبوح للأصنام تعبّدا، وبما أن الآية مكية فمعناها وما يستفاد منها مقصور على هذه الأربعة، أي {قُلْ} يا محمد،
{لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ} إلا هذه الأشياء، لا ما تحرّمونه بشهوتكم، ولم يكن في الشريعة في ذلك الوقت محرّم غير هذه الأشياء، كما قال القرطبي، ثم نزلت سورة [المائدة] بالمدينة. وزيد في المحرّمات من أصناف الميتة المنخنقة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة ونحوها، كما زيد تحريم الخمر.
وحرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أكل كل ذي ناب من السّباع وكلّ ذي مخلب من الطّير.
وأكثر أهل العلم أن كل محرّم حرّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو جاء في القرآن مضموما إلى هذه المحرّمات، فهو زيادة حكم من الله عز وجل على لسان نبيّه عليه الصلاة والسلام. مثل زواج المرأة على عمّتها وعلى خالتها، مع قوله تعالى:
{وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ} [النساء 24/ 4]، وحكمه عليه الصلاة والسلام باليمين مع الشاهد مع قوله تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ} [البقرة 282/ 2]. وآية: {قُلْ: لا أَجِدُ..} . هي جواب لمن سأل عن شيء بعينه، فوقع الجواب مخصوصا.
وقال مالك: لا حرام بيّن إلا ما ذكر في هذه الآية، ولهذا قال بعض المالكية: إن لحوم السباع وسائر الحيوان ما سوى الإنسان والخنزير مباح.
ودلّت الآية أيضا على حكم استثنائي وهو حال الضرورة، فعند الاضطرار يزول تحريم المحرمات، لدفع خطر الهلاك، وحفاظا على حقّ الحياة.
وأما آية: {وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا} فتدلّ على أنّ الله تعالى حرّم على اليهود عقوبة لهم أشياء أخرى سوى هذه الأربعة المذكورة في الآية السابقة، وهي نوعان، ولم يحرمهما على المسلمين.
النّوع الأوّل-كل ذي ظفر غير مشقوق الأصابع، كالإبل والنّعام والإوزّ والبط.