الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى عبد الرزاق عن الحسن قال: قال علي: فينا والله أهل بدر نزلت:
{وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} .
وقال المؤمنون شاكرين نعمة الله وفضله: الحمد لله الذي هدانا في الدنيا للإيمان الصحيح والعمل الصالح، الذي كان جزاؤه هذا النعيم، وما كان من شأننا ومستوى تفكيرنا أن نهتدي إليه بأنفسنا، لولا هداية الله وتوفيقه إيانا لاتباع رسله.
وقالوا أيضا حين رأوا مطابقة كل شيء لما أخبر به الرسل: لقد جاءت رسل الله بالحق، وهذا مصداق وعد الله على لسان رسله.
ونادتهم الملائكة: سلام عليكم طبتم، فادخلوها خالدين، هذه الجنة التي أورثكم الله إياها جزاء أعمالكم الصالحة.
أخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما منكم من أحد إلا وله منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فإذا مات فدخل النار، ورث أهل الجنة منزله، فذلك قوله:{أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ} .
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيتان على ما يأتي:
1 -
الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون.
2 -
التكليف على قدر الطاقة والوسع، سواء في التكاليف الشرعية من عبادات وفرائض، أو في التكاليف المالية كنفقات الزوجات ونحوها.
3 -
من نعم الله عز وجل على أهل الجنة: نزع الغلّ الذي كان في الدنيا من صدورهم. والنزع: الاستخراج، والغلّ: الحقد الكامن في الصدر.
4 -
استحقاق إرث الجنة من جهة العدل بالعمل الصالح، ففي قوله تعالى:
{أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} دليل على أن الإنسان يدخل الجنة بعمله. لكن دخولها يكون برحمة الله وفضله، كما قال تعالى:{ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ} [النساء 70/ 4] وقال: {فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ} [النساء 175/ 4].
وجاء في صحيح مسلم: «لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» .
يتبين من هذا أن إرث منازل الجنة بالعمل، ودخولها بالرحمة والفضل الإلهي وهذا رأي القرطبي الذي قال: وبالجملة فالجنة ومنازلها لا تنال إلا برحمته، فإذا دخلوها بأعمالهم، فقد ورثوها برحمته، ودخلوها برحمته، إذا أعمالهم رحمة منه لهم وتفضل عليهم
(1)
. وهذا قريب من رأي ابن كثير، فإنه قال: بسبب أعمالكم نالتكم الرحمة فدخلتم الجنة، وتبوأتم منازلكم بحسب أعمالكم
(2)
.
ويمكن التوفيق بنحو آخر أولى وهو أن عمل الإنسان مهما كثر لا يستحق به الجنة لذاته، لولا رحمة الله وفضله، فإنه جعل الجزاء العظيم على العمل القليل، فصار دخول الجنة برحمة الله وفضله.
والخلاصة: العمل الصالح في رأي أهل السنة لا بد منه لدخول الجنة في ميزان العدل وإيجاد تكافؤ الفرص بين جميع الناس، لكن لا بد أن ينضم إليه رحمة الله وفضله، فإنه جعل الجنة جزاء العمل فضلا منه ورحمة، وكافأ على القليل بالكثير فضلا منه ورحمة، لا أن ذلك مستحق عليه وواجب للعبادة وجوب الديون التي لا اختيار في أدائها، كما فهم المعتزلة؛ لأنه يستحيل عقلا إيجاب شيء على الله تعالى.
(1)
تفسير القرطبي: 208/ 7 - 209
(2)
تفسير ابن كثير: 215/ 2