الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأقسم الله على أن من تبعك من بني آدم فيما تزينه له من الشرك والفسوق والمعصية، لأملأن جهنم منك ومن أتباعك أجمعين. وذلك كما في آية أخرى {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص 85/ 38] وآية:{قالَ:}
واستثنى الله تعالى من إغوائه عباده المخلصين، فقال تعالى:{إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ، إِلاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ} [الحجر 42/ 15] وقال أيضا: {قالَ: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص 82/ 38 - 83].
والمراد من كل هذا بيان طبيعة البشر وطبيعة الشيطان، واختيارهما في أعمالهما.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
تكريم النوع الإنساني بسجود الملائكة لأصل الإنسان وهو آدم أبو البشر.
2 -
الخلق والتصوير لله وحده، ولا يستطيع أحد من البشر فعل شيء منهما.
والخلق لغة: التقدير، وتقدير الله: عبارة عن علمه بالأشياء ومشيئته لتخصيص كل شيء بمقداره المعين. والتصوير: عبارة عن إثبات صور الأشياء في اللوح المحفوظ.
3 -
رفض إبليس أمر الله بالسجود لآدم، تكبرا منه واستعلاء؛ لأنه رأى أن النار المخلوق منها أشرف من الطين الذي خلق منه آدم، لعلوها وصعودها
وخفتها، ولأنها جوهر مضيء. قال ابن عباس والحسن البصري وابن سيرين:
أول من قاس إبليس، فأخطأ القياس، فمن قاس الدين برأيه قرنه الله مع إبليس. وقال ابن سيرين: وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس أي المقاييس الفاسدة التي منها تفضيل النار على الطين، وهو خطأ، لما يأتي:
أما جوهر الطين ففيه الرزانة والسكون، والوقار والأناة، والحلم، والحياء، والصبر، وهذا ما دعا آدم عليه السلام إلى التوبة والتواضع والتضرع.
والنار سبب للعذاب، وهي عذاب الله لأعدائه، وليس التراب سببا للعذاب. وذلك يدل على أن التراب أفضل من النار.
إن قياس إبليس هو القياس الفاسد المصادم للنص، أما القياس الصحيح الموافق للنص فيجب العمل به شرعا؛ لانسجامه مع النصوص. قال الطبري:
الاجتهاد والاستنباط من كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة، هو الحق الواجب، والفرض اللازم لأهل العلم. وبذلك جاءت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن جماعة الصحابة والتابعين. وقال أبو تمام المالكي: أجمعت الأمة على القياس؛ فمن ذلك أنهم أجمعوا على قياس الذهب والورق في الزكاة.
4 -
إن جزاء الرفض لأمر الله من إبليس استوجب طرده من الجنة، ذليلا معيبا ممقوتا مطرودا مبعدا من رحمته،
قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو نعيم عن أبي هريرة: «من تواضع لله رفعه الله»
وقال أيضا فيما رواه الديلمي في الفردوس: «من تكبر وضعه الله» وقال بعضهم: لما أظهر الاستكبار ألبس الصغار.
5 -
سأل إبليس النظرة والإمهال إلى يوم البعث والحساب، وطلب ألا يموت؛ لأن يوم البعث لا موت بعده، فأنظره الله إلى النفخة الأولى حيث يموت الخلق كلهم. وكان طلب الإنظار إلى النفخة الثانية، حيث يقوم الناس لرب العالمين؛ فأبى الله ذلك عليه. لكن إنظار الله تعالى إبليس إلى يوم القيامة
لا يقتضي إغراءه بالقبيح؛ لأنه تعالى كان يعلم منه أنه يموت على أقبح أنواع الكفر والفسق، سواء أعلمه بوقت موته أو لم يعلمه بذلك، فلم يكن ذلك الاعلام موجبا إغراءه بالقبيح.
6 -
للشيطان دور في إغواء بعض الناس من طريق الوسوسة لهم، والإغواء: إيقاع الغي في القلب، والغي: هو الاعتقاد الباطل. ودل قوله تعالى: {فَبِما أَغْوَيْتَنِي} على أن الله تعالى أضلّ إبليس وخلق فيه الكفر، لذا نسب الإغواء إلى الله تعالى، وهو الحقيقة ومذهب أهل السنة، فلا شيء في الوجود إلا وهو مخلوق له، صادر عن إرادته تعالى.
7 -
المراد من قوله تعالى: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} : أن الشيطان يواظب على الإفساد مواظبة لا يفتر عنها. وتدل هذه الآية على أن إبليس كان عالما بالدين الحق، والمنهج الصحيح؛ لأن صراطك الله المستقيم هو دينه الحق.
8 -
محاولات إغواء الشياطين لا تقتصر على وجه واحد، وإنما تأتي من كل أوجه الحياة، فينبغي الحذر من الشيطان، لذا ورد في الحديث الاستعاذة من تسلط الشيطان على الإنسان من جهاته كلها،
كما روى الحافظ أبو بكر البزار في مسنده عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو: «اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بك اللهم أن أغتال من تحتي» أي من الخسف.
9 -
دلت آية: {اُخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ.} . على أن التابع والمتبوع تملأ جهنم منهما، وهذا يشمل الكافر والفاسق، مما يدل قطعا على دخول الفاسق النار، والمذكور في الآية أنه تعالى يملأ جهنم ممن تبعه، وليس في الآية أن كل من تبعه يدخل جهنم. وتدل الآية أيضا على أن جميع أصحاب البدع والضلالات يدخلون جهنم؛ لأنهم كلهم تابعون لإبليس.