الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقه الحياة أو الأحكام:
ثمود
(1)
مثل عاد من القبائل العربية العاربة، بعث الله إليهم صالحا نبيا، فهم قوم صالح عليه السلام، وكان صالح من أوسطهم نسبا، وأفضلهم حسبا، فدعاهم إلى الله تعالى حتى شاب، فلم يتبعه إلا قليل مستضعفون. وقال المستكبرون: نحن كافرون بما جاء به صالح.
قال الرازي: وهذه الآية من أعظم ما يحتج به في بيان أن الفقر خير من الغنى، وذلك لأن الاستكبار إنما يتولد من كثرة المال والجاه، والاستضعاف إنما يحصل من قلتهما، فبين تعالى أن كثرة المال والجاه حملهم على التمرد، والإباء، والإنكار، والكفر. وقلة المال والجاه حملهم على الإيمان، والتصديق والانقياد، وذلك يدل على أن الفقر خير من الغنى
(2)
.
واستدل بقوله تعالى: {تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً} أي تنبون القصور بكل موضع، وقوله:{وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً} اتخذوا البيوت في الجبال لطول أعمارهم؛ فإن السقوف والأبنية كانت تبلى قبل فناء أعمارهم، استدل بهذه الآية من أجاز البناء الرفيع كالقصور ونحوها. وبقوله:{قُلْ: مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف 32/ 7]
وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن أبي الدنيا عن علي بن زيد بن جدعان مرسلا: «إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده في مأكله ومشربه» . ومن آثار النعمة: البناء الحسن، والثياب الحسنة.
وكره ذلك آخرون، منهم الحسن البصري وغيره. واحتجوا
بقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني والخطيب عن جابر وهو ضعيف: «إذا أراد الله بعبد شرا، خضر
(1)
ثمود: لم ينصرف لأنه جعل اسما للقبيلة كما ذكر سابقا، وقال أبو حاتم: لم ينصرف لأنه اسم أعجمي، قال النحاس: وهذا غلط؛ لأنه مشتق من الثّمد: وهو الماء القليل.
(2)
تفسير الرازي: 165/ 14
له في الطين واللّبن حتى يبنى»
وفي خبر آخر أنه صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه الطبراني وأبو نعيم عن ابن مسعود: «من بنى فوق ما يكفيه، كلّف يوم القيامة أن يحمله على عنقه»
وأخرج الدارقطني عن جابر بن عبد الله قال: قال النّبي صلى الله عليه وسلم:
«وما أنفق المؤمن من نفقة، فإن خلفها على الله عز وجل، إلا ما كان في بنيان أو معصية» .
ودل قوله تعالى: {فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ} على أن الكفار منعم عليهم.
وفي قوله: {قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا.} .
دلالة على أن السادة والزعماء هم الذين تكبروا عن الإيمان، شأنهم في ذلك أمثالهم مع كل نبي ومصلح يتمردون ويستعلون عليه. وفيه دلالة أيضا على أن المستضعفين هم الذين آمنوا برسالة صالح عليه السلام، وهو الشأن الغالب أيضا مع كل نبي، يبادر الضعفاء والفقراء إلى الإصغاء لكلمة الحق والهدى والإيمان، فيكونون أهل الجنة، وأولئك المتكبرون هم أهل النار والعذاب في الدنيا.
وأما قول صالح: {وَقالَ: يا قَوْمِ، لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ..} .
فيحتمل أنه قال ذلك قبل موتهم، ويحتمل أنه قاله بعد موتهم،
كقوله صلى الله عليه وسلم لقتلى بدر:
«هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟» فقيل: أتكلم هؤلاء الجيف؟ فقال: «ما أنتم بأسمع منهم، ولكنهم لا يقدرون على الجواب» . قال القرطبي: والأول أظهر، يدل عليه:{وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النّاصِحِينَ} أي لم تقبلوا نصحي. وذكر ابن كثير وغيره:
أن صالحا قال لهم ذلك بعد هلاكهم تقريعا وتوبيخا.
وقوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} والفاء للتعقيب: يدل على أن الرجفة أخذتهم عقيب ما ذكروا ذلك الكلام، لكن ليس الأمر كذلك؛ لأنه تعالى قال في آية أخرى:{فَقالَ: تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ، ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود 65/ 11].
ولا تناقض بين تعبير الرجفة هنا، والطاغية والصيحة والصاعقة، كما ذكرنا