الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإعراب:
{وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ} {دَرَجاتٍ} مفعول {رَفَعَ} ، بتقدير حذف حرف الجر، وتقديره: ورفع بعضكم فوق بعض إلى درجات، فلما حذف حرف الجر اتصل الفعل به، فنصبه.
المفردات اللغوية:
{خَلائِفَ الْأَرْضِ} أي يخلف بعضكم بعضا فيها {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ} بالمال والجاه وغير ذلك. {لِيَبْلُوَكُمْ} ليختبركم {فِي ما آتاكُمْ} أعطاكم، ليظهر المطيع منكم والعاصي. {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ} لمن عصاه {وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ} للمؤمنين {رَحِيمٌ} بهم.
المناسبة:
بعد أن أخبر الله تعالى أن مصير جميع الناس إلى الله للحساب والجزاء، ختم السورة بخاتمة رائعة هي أنهم يخلف بعضهم بعضا، لتستمر الحياة، ويتنافس الناس في الأعمال النافعة.
التفسير والبيان:
جعل الله الناس خلائف في الأرض، يخلف بعضهم بعضا فيها، بأن أهلك من قبلهم من القرون والأمم الخالية، واستخلفهم لعمارة الأرض بعدهم، وجعلهم أيضا خلفاء أرضه يملكونها ويتصرفون فيها:{وَأَنْفِقُوا مِمّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد 7/ 57].
ورفع بعضكم فوق بعض درجات في الغنى والفقر، والشرف والجاه، والعلم والجهل، والخلق والشكل، والعقل والرزق. وهذا التفاوت ليس ما عجزا وجهلا وإنما لأجل الابتلاء والاختبار فيما أعطاكم، بأن يعاملكم معاملة المختبر لكم في ذلك، فيختبر الغني مثلا في غناه ويسأله عن شكره، والفقير في فقره، ويسأله عن صبره.
ثم يكون الجزاء على العمل، فقد يكون الإنسان مقصرا فيما كلف به، أو قائما به، فيأتي الجزاء تابعا للأعمال. ونظير الآية كثير في القرآن مثل:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصّابِرِينَ، وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ} [محمد 31/ 47].
وجاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» .
وأمام الناس بعد هذا الابتلاء إما العقاب وإما الثواب: {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ، وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} وفيه ترهيب وترغيب، فإن حساب الله وعقابه سريع فيمن عصاه وخالف رسله، وهو أيضا شديد العذاب، لا يهمل وإن أمهل.
ووصف العقاب بالسرعة؛ لأن كل ما هو آت قريب، والعقاب إما في الدنيا بإلحاق الضرر في النفس أو العقل أو العرض أو المال، وإما في الآخرة بعذاب جهنم، وقد يكون الأمران معا.
وهو تعالى غفور للتائبين رحيم بالمحسنين المؤمنين الذين اتبعوا الرسل فيما جاؤوا به من تكاليف؛ إذ رحمته سبقت غضبه، ووسعت كل شيء، فجعل الحسنة بعشر أمثالها، وقد يضاعفها أضعافا كثيرة لمن يشاء، والسيئة بسيئة مثلها، وقد يغفرها لمن تاب منها، ويسترها في الدنيا فضلا وكرما وحلما.
قال ابن كثير: وكثيرا ما يقرن الله تعالى في القرآن بين هاتين الصفتين:
المغفرة والعذاب، كقوله:{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ} [الرعد 6/ 13] وقوله: {نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ} [الحجر 49/ 15 - 50] إلى غير ذلك من