الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الحق والصواب، وفائدة قوله:{وَما كانُوا مُهْتَدِينَ} لبيان أنه لم يحصل منهم اهتداء قط.
أخرج البخاري عن ابن عباس قال: «إذا سرّك أن تعلم جهل العرب، فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام:{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً} إلى قوله: {وَما كانُوا مُهْتَدِينَ} .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة أنه قال في هذه الآية: هذا صنع أهل الجاهلية، كان أحدهم يقتل ابنته مخافة السّباء والفاقة، ويغذو كلبه.
فقه الحياة أو الأحكام:
تلك شرائع العرب في جاهليتهم الجهلاء، مصدرها وهم وسخف، وقصور عقل، وهوى فاسد، روي أن رجلا قال لعمرو بن العاص: إنكم على كمال عقولكم، ووفور أحلامكم، عبدتم الحجر! فقال عمرو: تلك عقول كادها باريها.
هذا الذي أخبر الله سبحانه من سخافة العرب وجهلهم أمر أذهبه الإسلام، وأبطله الله ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، فبئس الحكم حكمهم.
قال ابن زيد: كانوا إذا ذبحوا ما الله، ذكروا عليه اسم الأوثان، وإذا ذبحوا ما لأوثانهم لم يذكروا عليه اسم الله.
إنهم لم يعدلوا في قسمتهم الزروع والثمار والأنعام، فما جعلوه لله بزعمهم صرفوه لأوثانهم، وما جعلوه لأوثانهم قدموه لها.
وقد ارتكبوا ظلما عظيما بوأد البنات: وهو دفن البنت حية مخافة السّباء والحاجة، ولعدم ما حرمن من النصرة، أي أنهم لا يستطيعون الغزو والقتال.
وشركاؤهم وهم الذين كانوا يخدمون الأوثان، أو الغواة من الناس أو
الشياطين هم الذين زينوا لهم قتل أولادهم ليهلكوهم، وليخلطوا عليهم دينهم الذي ارتضى لهم، أي يأمرونهم بالباطل ويشككونهم في دينهم. وكانوا على دين إسماعيل.
وقد صنفوا أموالهم وأقواتهم ثلاثة أصناف، صنف لمعبوداتهم وأوثانهم، وصنف حرّمت ظهورها، وصنف لا يذكرون اسم الله عليها عند الذبح، افتراء وكذبا على الله بما لم يشرعه، وسيلقون جزاء افترائهم.
وخصصوا ألبان الأنعام وذكورها لذكورهم الرجال، وحرموها على الإناث، وجعلوا الميتة شركة بين الذكور والإناث، وتركوا الأنثى للنتاج، سيجزيهم الله وصفهم، أي كذبهم وافتراءهم، أي يعذبهم على ذلك.
وكان أشد أنواع عاداتهم وأحكامهم ظلما وجرما قتلهم الأولاد أي البنات وتحريم ما أحل الله، بدليل أنه كرر الله توبيخهم عليه في هذه الآيات، وحكم عليهم بسبعة أمور
(1)
:
1 -
الخسران: لأن الولد نعمة عظيمة من الله على العبد.
2 -
السفاهة: وهي الخفة المذمومة؛ لأن قتل الولد لخوف الفقر، والفقر وإن كان ضررا، إلا أن القتل أعظم منه ضررا، والفقر موهوم والقتل ضرر حتمي.
3 -
الجهل وعدم العلم: لأن هذه السفاهة تولدت من عدم العلم، ولا شك أن الجهل أعظم المنكرات والقبائح.
4 -
تحريم ما أحل الله لهم، وهو من أعظم أنواع الحماقة، لأنه يمنع نفسه تلك المنافع والطيبات.
(1)
تفسير الرازي: 209/ 13
5 -
الافتراء على الله: ومن المعلوم أن الجرأة على الله والافتراء عليه أعظم الذنوب والكبائر.
6 -
الضلال عن الرشد في مصالح الدين ومنافع الدنيا.
7 -
إنهم ما كانوا مهتدين، وهو وصف لازم دائم لهم.
روي أن رجلا من أصحاب النّبي صلى الله عليه وسلم كان لا يزال مغتما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له:«مالك تكون محزونا؟» فقال: يا رسول الله، إني أذنبت ذنبا في الجاهلية، فأخاف ألا يغفره الله لي، وإن أسلمت! فقال له:«أخبرني عن ذنبك» فقال: يا رسول الله، إني كنت من الذين يقتلون بناتهم، فولدت لي بنت، فتشفّعت إليّ امرأتي أن أتركها، فتركتها حتى كبرت وأدركت، وصارت من أجمل النساء، فخطبوها؛ فدخلتني الحميّة ولم يحتمل قلبي أن أزوجها أو أتركها في البيت بغير زوج، فقلت للمرأة: إني أريد أن أذهب إلى قبيلة كذا وكذا في زيارة أقربائي فابعثيها معي، فسرّت بذلك وزينتها بالثياب والحلّي، وأخذت على المواثيق بألا أخونها، فذهبت بها إلى رأس بئر، فنظرت في البئر، ففطنت الجارية أني أريد أن ألقيها في البئر؛ فالتزمتني وجعلت تبكي وتقول: أيش تريد أن تفعل بي! فرحمتها، ثم نظرت في البئر فدخلت عليّ الحميّة، ثم التزمتني وجعلت تقول: يا أبت لا تضيع أمانة أمّي؛ فجعلت مرة أنظر في البئر، ومرة أنظر إليها فأرحمها، حتى غلبني الشيطان، فأخذتها وألقيتها في البئر منكوسة، وهي تنادي في البئر: يا أبت، قتلتني.
فمكثت هناك حتى انقطع صوتها فرجعت، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقال: لو أمرت أن أعاقب أحدا بما فعل في الجاهلية لعاقبتك
(1)
.
(1)
تفسير القرطبي: 97/ 7