الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أظلم ممن افترى على الله الكذب، بنسبة الشريك والولد إليه. {أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ} القرآن.
{يَنالُهُمْ} يصيبهم. {نَصِيبُهُمْ} حظّهم. {مِنَ الْكِتابِ} مما كتب لهم في اللوح المحفوظ من الرّزق والأجل وغير ذلك. {حَتّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا} أي ملائكة الموت، و {حَتّى} ليست غاية، بل هي ابتداء خبر عنهم، ابتدئ بها الكلام. {قالُوا} لهم تبكيتا. {تَدْعُونَ} تعبدون.
{ضَلُّوا عَنّا} غابوا عنّا، فلم نرهم. {وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ} عند الموت.
{اُدْخُلُوا فِي أُمَمٍ} في جملة أمم سابقة. {فِي النّارِ} متعلّق بادخلوا. {كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ} النّار. {لَعَنَتْ أُخْتَها} التي قبلها لضلالها بها. {اِدّارَكُوا} تلاحقوا واجتمعوا في النّار.
{أُخْراهُمْ} منزلة وهم الأتباع. {لِأُولاهُمْ} منزلة أي لزعمائهم وقادتهم وهم المتبوعون، ومعنى {لِأُولاهُمْ}: لأجل أولاهم، لأن خطابهم مع الله، لا معهم. {عَذاباً ضِعْفاً} مضاعفا على مثله مرّة أو مرّات. {لِكُلٍّ ضِعْفٌ} لكلّ منكم ومنهم عذاب مضاعف، لأن كلاّ من القادة والأتباع كانوا ضالّين مضلّين. {وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ} ما لكلّ فريق.
{فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ} عطفوا هذا الكلام على قول الله تعالى للسّفلة: {لِكُلٍّ ضِعْفٌ} أي فقد ثبت أن لا فضل لكم علينا، لأنكم تكفرون بسببنا، فنحن وأنتم متساوون في استحقاق الضّعف.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى عاقبة المكذّبين بآيات الله، المستكبرين عن قبولها، ذكر هنا أن من أشنعهم ظلما وأعظمهم بغيا من يتقوّل على الله ما لم يقله، أو يكذّب ما قاله، والأوّل: مثل من يثبت الشّريك لله من أصنام أو كواكب أو بنات وبنين، أو ينسب الأحكام الباطلة إلى الله تعالى، والثاني كمن ينكر أن القرآن نزل من عند الله تعالى على رسوله، أو أنكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
التفسير والبيان:
لا أحد أظلم ممن افترى على الله الكذب، بأن أوجب ما لم يوجبه، أو حرّم ما لم يحرّمه، أو نسب إلى دينه حكما لم ينزله، أو نسب إلى الله ولدا أو شريكا.
أو كذّب بآيات الله المنزلة بأن أنكر القرآن مثل كفار العرب، أو لم يؤمن بالنّبي محمد صلى الله عليه وسلم، أو استهزأ بالآيات أو تركها مفضلا عليها غيرها.
أولئك جميعا ينالهم ما كتب عليهم في كتاب المقادير الذي سجل فيه نظام العالم كلّه، وقدّر لهم من الأرزاق والأعمار، وكتب لمن كذب على الله أن وجهه مسود، أي لهم ما وعدوا به من خير أو شرّ، بالرّغم من ظلمهم وافترائهم على الله.
حتى إذا جاءتهم الرّسل وهم ملائكة الموت يتوفّونهم ويقبضون أرواحهم، قالوا لهم أي سألهم الرّسل تأنيبا وتوبيخا: أين الشّركاء الذين كنتم تدعونهم وتعبدونهم في الدّنيا من دون الله؟! ادعوهم يخلصونكم مما أنتم فيه! أجابوهم:
غابوا عنّا وذهبوا، فلا ندري مكانهم، ولا نرجو منهم النّفع والخير، ولا دفع الضّرّ.
وأقرّوا واعترفوا على أنفسهم بأنهم كانوا بدعائهم وعبادتهم إيّاهم كافرين.
ومفاد هذا زجر الكفار عمّا هم عليه من الكفر، ودفعهم إلى النّظر والتّأمل في عواقب أمورهم القائمة على الكفر والضّلال.
ونظير المعنى في هذه الآية قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ. مَتاعٌ فِي الدُّنْيا، ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ، ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ} [يونس 69/ 10 - 70]، وقوله:{وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ، إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ، فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ} [لقمان 23/ 31 - 24].
ثمّ أخبر الله تعالى عمّا تقوله الملائكة لهؤلاء المشركين به، المفترين عليه، المكذّبين بآياته: ادخلوا النّار مع أمم أمثالكم وعلى صفاتكم، قد سبقتكم في الكفر، سواء من الجنّ والإنس، فالقائل: إما مالك خازن النّار، أو هو الله عز وجل، أي قال الله: ادخلوا.
كلّما دخلت جماعة منهم النّار، ورأت العذاب والخزي والنّكال، لعنت أختها في الملّة والدّين التي ضلّت بالاقتداء بها، إذ هي قد ضلّت باتّباعها وتقليدها في الكفر، كما قال تعالى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ، وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ
بَعْضًا} [العنكبوت 25/ 29]، وهكذا يلعن أصناف الكفار بعضهم بعضا، ويتبرّأ بعضهم من بعض، كما قال تعالى:{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا، وَرَأَوُا الْعَذابَ، وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ، وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا: لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنّا، كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ، وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النّارِ} [البقرة 166/ 2 - 167].
حتى إذا تداركوا وتلاحقوا في النّار، واجتمعوا فيها كلّهم، قالت أخراهم دخولا أو منزلة، وهم الأتباع والسّفلة، لأولاهم منزلة أو دخولا، وهم المتبوعون والقادة والرؤساء، لأنهم أشدّ جرما من أتباعهم، فدخلوا قبلهم، قالت قولا يتضمن شكوى الأتباع إلى الله يوم القيامة، لأنهم هم الذين أضلّوهم عن سواء السّبيل. قال الزّمخشري: معنى {لِأُولاهُمْ} : لأجل أولاهم، لأن خطابهم مع الله، لا معهم. أي قالوا في شأنهم وحقّهم ولأجل إضلالهم.
وتلك الشكوى أنهم يقولون مخاطبين الله: ربّنا هؤلاء السّادة أضلّونا عن الحقّ، فأعطهم عذابا مضاعفا من النّار، أي ضاعف عليهم العقوبة، كما قال تعالى:{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النّارِ يَقُولُونَ: يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا. وَقالُوا: رَبَّنا إِنّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا. رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ، وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً} [الأحزاب 66/ 33 - 68].
فأجابهم الله: لكلّ منكم ومنهم عذاب مضاعف، وقد فعلنا ذلك، وجازينا كلاّ بحسبه إما بالإضلال أو بالتقليد والضلال، لأن كلاّ من القادة والأتباع كانوا ضالّين مضلّين، ولكنّكم لا تعلمون عذابهم. والضّعف: المثل الزّائد على مثله مرّة أو مرّات. وهو مثل قوله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل 88/ 16]، وقوله:{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ} [العنكبوت 13/ 29]، وقوله:{لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل 25/ 16].