الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويذكرهم بأن نجاتهم بالإيمان بدعوته والعمل بنصائحه، فزادهم ذلك عتوا إلى أن دمرهم الله بالريح العقيم، سلطها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما.
ونجىّ الله هودا والذين آمنوا معه برحمة منه، وظل هود بعد هلاك عاد ساكنا بلاد حضرموت، إلى أن مات، ودفن في شرقي بلادهم، على نحو مرحلتين من مدينة «تريم» قرب وادي برهوت. روى ابن جرير عن علي كرم الله وجهه أنه مدفون في كثيب أحمر وعند رأسه سمرة (سدر) في حضرموت.
التفسير والبيان:
وأرسلنا إلى قبيلة عاد أخاهم هودا، ليس أخا في الدين، وإنما كان واحدا من تلك القبيلة أو من جنسهم جنس بني آدم، لا من جنس الملائكة، وذلك ليفهموا كلامه ويأنسوا بمنطقه وأفعاله، ولتكون أخلاقه دليلا معروفا على سلوكه، فيكونوا أقرب إلى تصديقه.
قال هود: يا قوم، اعبدوا الله وحده، ولا تجعلوا معه إلها آخر. أفلا تتقون ربكم، وتبتعدون عما أنتم عليه من الشرك والمعصية؟ فقال الملأ أي الجمهور والسادة والقادة منهم: إنا لنراك في خفة حلم، وسخافة عقل، حيث تهجر دين قومك إلى دين آخر. وجعلت السفاهة ظرفا على طريق المجاز، للإشارة إلى تمكنه فيها. ووصف الملأ هنا بالكفر دون ملأ قوم نوح؛ لأن منهم من كان قد آمن وكتم إسلامه مثل مرثد بن سعد.
وإنا لنظنك في كلامك وادعائك أنك رسول من رب العالمين أنك أحد الكاذبين الذين يكذبون على الله في ادعائهم الرسالة من الله.
قال لهم غاضا عن اتهامهم بأدب حسن وخلق عظيم: ليس بي سفاهة أي ضلالة وحماقة، ولكني بحق رسول من رب العالمين، أرسلني إليكم لتبليغكم
ما أرسلت به من التكاليف الإلهية، وأنا لكم ناصح فيما أدعوكم إليه، أمين فيما أبلغكم إياه، فلا أكذب على الله. وهذه هي صفات الرسل: التبليغ والنصح والأمانة.
ولا تعجبوا أن بعث الله إليكم رسولا من أنفسكم لينذركم أيام الله ولقاءه، بل احمدوا الله على ذاكم. فقوله:{أَوَعَجِبْتُمْ} معطوف على محذوف تقديره:
أكذبتم وعجبتم من إنزال وحيه بتذكيركم وعظتكم على لسان رجل منكم، لينذركم عقابه ويحذركم من بأسه؟! واذكروا فضل الله عليكم ونعمته، إذ جعلكم ورثة نوح، ومنحكم طولا في القامة وقوة في الجسد تفوق أمثالكم من أبناء جنسكم.
واذكروا آلاء الله، أي نعمه ومننه عليكم، واشكروه عليها بإخلاص العبادة وترك الشرك به لتفوزوا بجنان الخلد والنعيم الأبدي.
فردوا عليه متمردين بقولهم: أجئتنا لأجل أن نعبد الله وحده، ونفرده بالتعظيم، ونترك ما كان عليه آباؤنا من اتخاذ الأصنام شركاء معه؟ أي أنهم أنكروا عليه دعوته، واستبعدوا اختصاص الله وحده بالعبادة، وترك دين الآباء في اتخاذ الأصنام شركاء معه، حبا لما نشؤوا عليه، وإلفا لما يتدين به آباؤهم.
وازدادوا طغيانا وعنادا وإنكارا على هود عليه السلام، بل اشتطوا في الحماقة والتحدي فطلبوا إنزال العذاب عليهم على ترك الإيمان به، قائلين:{فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ} أي استعجل إنزال العذاب علينا إن كنت صادقا في تهديدك ووعيدك.
فأجابهم هود عليه السلام: إنه قد وجب عليكم وحقّ بمقالتكم هذه من ربّكم عذاب وسخط وطرد من رحمته، أو قد نزل عليكم، جاعلا المتوقع الذي لا بدّ من نزوله بمنزلة الواقع، وقد كان عذابهم ريحا صرصرا (شديدة الصوت) عاتية تلقي
الناس على الأرض {كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر 20/ 54] أي أصول نخل قلع من جذره.
أتحاجونني في هذه الأصنام التي سميتموها أنتم وآباؤكم آلهة، وهي لا تضر ولا تنفع، وما أنزل الله من حجّة ولا برهان أو دليل على عبادتها؟! ثم هددهم وأوعدهم بقوله:{فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} أي انتظروا نزول العذاب الشديد من الله الذي طلبتموه بقولكم: {فَأْتِنا بِما تَعِدُنا} إني معكم أحد المنتظرين لنزوله بكم.
وقد نزل بهم العذاب ونجّى الله هودا والذين آمنوا معه برحمة عظيمة من الله، واستأصل الكافرين، وقطع دابر الذين جحدوا بآيات الله؛ لأنهم لم يكونوا مؤمنين بالله تعالى، وكذبوا بآيات الله، فهاتان صفتان استوجبتا التّعذيب، وهما: التّكذيب بآيات الله، والكفر أو عدم الإيمان.
وكان العذاب كما في آيات أخرى بالأعاصير الهوجاء والرّيح العاتية: {وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ، ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذّاريات 41/ 51 - 42]، {وَأَمّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ} .
{سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً، فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى، كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ، فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ} [الحاقة 6/ 69 - 8]، فلما تمرّدوا وعتوا أهلكهم الله بريح عاتية، فكانت تحمل الرّجل منهم، فترفعه في الهواء، ثمّ ترميه على رأسه، فتخلع رأسه ممن بين جثّته {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها، فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاّ مَساكِنُهُمْ} [الأحقاف 25/ 46].
ومظاهر عتوّهم: عبادة الأوثان، وظلم الناس، والاغترار بالقوّة:{فَأَمّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا: مَنْ أَشَدُّ مِنّا قُوَّةً؟} [فصلت 15/ 41]، وبناء الأبنية الضخمة في كلّ مكان عبثا بغير نفع، فعاتبهم هود