الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هود لقومه: أخوة في القبيلة أو الجنس، أي من بني آدم ومن جنسهم لا من جنس الملائكة، فهي أخوة في النّسب لا في الدّين.
{بَيِّنَةٌ} معجزة ظاهرة الدّلالة من الله على صدقه. {وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ} بعقر أو ضرب.
{وَاذْكُرُوا} تذكّروا {إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ} أي في الأرض. {وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ} أسكنكم فيها أو أنزلكم فيها، والأرض: أرض الحجر بين الحجاز والشام. {مِنْ سُهُولِها قُصُوراً} تسكنونها في الصيف. {وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً} تسكنونها في الشتاء. والنّحت: نحر الشيء الصّلب.
{فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ} تذكّروا نعم الله الكثيرة. {وَلا تَعْثَوْا} من العثيّ والعثو: الفساد.
{اِسْتَكْبَرُوا} تكبّروا عن الإيمان به.
{فَعَقَرُوا النّاقَةَ} نحروها بالذّبح، وأصل العقر: الجرح، وعقر الإبل: قطع قوائمها، وكانوا يفعلون ذلك بها قبل نحرها لتموت في مكانها ولا تنتقل. والذي عقرها هو:«قدار بن سالف» حيث قتلها بأمرهم بالسّيف، وإنّما نسب الفعل إليهم جميعا؛ لأن العقر كان برضاهم وأمرهم، والآمر والرّاضي بالفعل: شريك في الجريمة.
{وَعَتَوْا} تمرّدوا مستكبرين. {الرَّجْفَةُ} الزّلزلة الشديدة من الأرض أو الحركة والاضطراب، والصّيحة من السّماء. {جاثِمِينَ} باركين على الرّكب، أو قاعدين لا حراك بهم، والمراد: أنهم أصبحوا جثثا هامدة ميتة لا تتحرّك.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله في أوّل السّورة قصة آدم الدّالة على قدرته وتوحيده وربوبيته، وأقام الأدلّة الدّامغة على صحّة البعث بعد الموت، أتبع ذلك بقصص الأنبياء وموقف أقوامهم المعاندين لهم، فذكر قصة نوح ثمّ قصة هود، ثم قصة ثمود، وكان قوم ثمود يتلون قوم عاد في الوجود والظّهور بين الأمم، كما قال تعالى على لسان صالح عليه السلام:{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ} .
أضواء من التاريخ:
ثمود بن عاثر بن إرم بن نوح، وهو أخو جديس بن عائز، وكذلك قبيلة طسم، كلّ هؤلاء من العرب العاربة البائدة قبل إبراهيم الخليل عليه السلام.
وكانت ثمود-قوم صالح-بعد عاد، ورثوا أرضهم وديارهم، وكانت مساكنهم بالحجر بين الحجاز والشّام، إلى وادي القرى وما حوله. ومدائن صالح ظاهرة إلى اليوم، تعرف ب «فجّ النّاقة» . وحجر ثمود في الجنوب الشرقي من أرض مدين، وهي مصاقبة لخليج العقبة. وقد كان يقال لعاد: عاد إرم، إلى أن هلكوا، فقالوا: ثمود إرم.
وقد مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على ديارهم ومساكنهم، وهو ذاهب إلى تبوك سنة تسع، قال الإمام أحمد عن ابن عمر قال: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس على تبوك، نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود، فاستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود، فعجنوا منها، ونصبوا لها القدور، فأمرهم النّبي صلى الله عليه وسلم، فأهرقوا القدور، وعلفوا العجين الإبل، ثم ارتحل بهم، حتى نزل على البئر التي كانت تشرب منها النّاقة، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا، وقال:
«إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم، فلا تدخلوا عليهم» .
وروى أحمد أيضا عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بالحجر:«لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين، فلا تدخلوا عليهم، أن يصيبكم مثل ما أصابهم» وأصل هذا الحديث مخرج في الصحيحين من غير وجه.
وكانت قبيلة ثمود مثل قوم نوح وعاد تدين بعبادة الأصنام يشركونها مع الله في العبادة، وآتاهم الله نعما كثيرة، فأرسل الله إليهم صالحا نبيّا عليه السلام، واعظا لهم ومذكّرا لهم بنعم الله وآياته الدّالة على توحيده وأنه لا شريك له، وأنه يجب إفراده بالعبادة دون سواه.
فآمن به المستضعفون من قومه، وكفر الملأ (السّادة والأشراف والقادة) ولم يؤمنوا به، وعصوا وتكبروا وكفروا، وأنكروا نبوته:{أُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا؟ بَلْ هُوَ كَذّابٌ أَشِرٌ} [القمر 25/ 54]، وقالوا للمستضعفين: {أَتَعْلَمُونَ
أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ؟ قالُوا: إِنّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ} [الأعراف 7/ 75]، فأجاب المستكبرون:{إِنّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ} [الأعراف 7/ 76].
وطلب المستكبرون منه آية على صدقه، فأيّده الله بالنّاقة وقال لهم:{لَها شِرْبٌ، وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء 26/ 155]، {إِنّا مُرْسِلُوا النّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ، وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ، كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} [القمر 54/ 27 - 28]، فكانت تشرب ماء البئر أو النّهر الصغير في يوم، ويشربون منه في اليوم التالي، ويحلبون منها ما شاؤوا فلا ينضب حليبها.
وأمرهم ألا يمسّوها بسوء، وأن يذروها تأكل في أرض الله، وبذل صالح عليه السلام قصارى جهده في تذكير قومه بنعم الله تعالى عليهم، ونهاهم عن أن يعثوا في الأرض مفسدين.
فتكبّروا عن الإيمان به، واستخفّوا به، وعاندوه، وعتوا عن أمر ربّهم، وعقروا النّاقة، عقرها قدار بن سالف بأمرهم:{فَعَقَرُوا النّاقَةَ، وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ، وَقالُوا: يا صالِحُ: اِئْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف 7/ 77]، {فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ} [القمر 54/ 29].
فقال لهم: {تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ} [هود 11/ 65]، {فَتَوَلّى عَنْهُمْ، وَقالَ: يا قَوْمِ، لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النّاصِحِينَ} [الأعراف 7/ 79]، ثم نزل عليهم العذاب عذاب الرّجفة (الواقعة الشديدة من صوت الرّعد، المصحوبة بقطعة من نار تحرق ما أتت عليه) أو عذاب الصيحة: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ، فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ} [الأعراف 7/ 78]، وقال تعالى:{فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ. إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً، فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} [القمر 54/ 30 - 31]، وعبّر تعالى عنها أيضا بالصاعقة، وتارة بالطاغية. وكلّ ذلك صحيح؛ لأن الصاعقة تكون