المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الكارمية الكارمية اسم يطلق على مجموعة من التجار المسلمين ظهروا فى - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٢٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌القزوينى، زكريا

- ‌المصادر:

- ‌القزوينى، نجم الدين

- ‌المصادر:

- ‌القسطنطينية

- ‌الحملات العسكرية العربية على القسطنطينية:

- ‌قسطيلية

- ‌تاريخها:

- ‌الجغرافية التاريخية:

- ‌المصادر:

- ‌قسى، بنو

- ‌المصادر:

- ‌القصاص

- ‌المصادر:

- ‌قصر هبيرة

- ‌قصص الأنبياء

- ‌ المصادر

- ‌القصيدة

- ‌قصي

- ‌المصادر:

- ‌قضاعة

- ‌قطب

- ‌1 - فى الفلك:

- ‌المصادر:

- ‌2 - فى التصوف: كلمة قطب فى التصوف الإسلامى تعنى إما "الإنسان الكامل" أو "القطب الحسى" أو "الحقيقة المحمدية"، ويشار إليها أحيانا بوصفها القطب المعنوى. ويشير بعض المؤلفين إلى قطب الوقت، أو صاحب الوقت أو صاحب الزمان على أنه "الغوْث" الذى يوجد بفضل "قطب الأقطاب" ويتجلى فيه -وأصول هذا المفهوم ترجع إلى الحلاج

- ‌المصادر:

- ‌قطب الدين شيرازى

- ‌المصادر:

- ‌قطرى بن الفجاءة

- ‌المصادر:

- ‌قطز

- ‌ المصادر

- ‌قفسة

- ‌قفسة تاريخيا:

- ‌جغرافيتها التاريخية:

- ‌قفط

- ‌المصادر:

- ‌قفطان

- ‌المصادر:

- ‌قلاوون

- ‌المصادر:

- ‌القلزم

- ‌المصادر:

- ‌قلعة أيوب

- ‌المصادر:

- ‌قلعة رباح

- ‌قلعة الشقيف

- ‌قلعة نجم

- ‌المصادر:

- ‌قنسرين

- ‌1 - البلدة:

- ‌2 - قنسرين الجند:

- ‌المصادر:

- ‌قهرمان نامه

- ‌المصادر:

- ‌قهوة

- ‌المصادر:

- ‌القواسم

- ‌المصادر:

- ‌قوله

- ‌قوس

- ‌1 - عموميات وأصوليات:

- ‌2 - البحوث:

- ‌3 - النماذج المختلفة للأقواس:

- ‌4 - مصطلحات مركبات القوس:

- ‌5 - السهم والكنانات:

- ‌6 - القفازات وخواتم الإبهام:

- ‌7 - أطوار ومبادئ التصويب:

- ‌8 - التدريب والاستخدام التكتيكى

- ‌قوصرة

- ‌القومية

- ‌المصادر:

- ‌قونية

- ‌المصادر:

- ‌القياس

- ‌قاعدة:

- ‌طبيعة القياس:

- ‌المصادر:

- ‌القياس فى النحو (اللغة):

- ‌المصادر:

- ‌القيافة

- ‌أهم المصادر:

- ‌القيامة

- ‌المصادر:

- ‌القيثارة

- ‌ المصادر

- ‌القيروان

- ‌1 - التأسيس

- ‌2 - التاريخ

- ‌3 - الجغرافيا التاريخية

- ‌قيس

- ‌قيس عيلان

- ‌القيسارية

- ‌قيصر

- ‌فى العصور الإسلامية الأولى:

- ‌قيصر التاريخ الإسلامى

- ‌قيصرية الأناضول

- ‌التجارة والصناعة والزراعة:

- ‌الثقافة:

- ‌قيصرية فلسطين

- ‌القين

- ‌المصادر:

- ‌القين (قبيلة)

- ‌قينقاع، بنو

- ‌المصادر:

- ‌ك

- ‌الكارمية

- ‌المصادر:

- ‌كافور

- ‌المصادر

- ‌كبريت

- ‌المصادر:

- ‌كثير عزة

- ‌ المصادر

- ‌الكرابيسى

- ‌المصادر:

- ‌كربغا

- ‌المصادر:

- ‌الكرج

- ‌الفتح الإسلامى:

- ‌العباسيون وجورجيا:

- ‌الساجيون والسلاريون وآل شداد:

- ‌السلاجقة وجورجيا:

- ‌إبادة الجيش السلجوقى فى تفليس سنة 515 هـ/ 1121 م

- ‌بنو جعفر وحكم جورجيا:

- ‌عصر الملوك الأقوياء فى جورجيا:

- ‌حكم تامار:

- ‌جلال الدين خوارزمشاه:

- ‌فترة ما بعد تيمور:

- ‌تقسيم جورجيا:

- ‌الآق فويونلو:

- ‌الصفويون وجورجيا:

- ‌السيادة العثمانية (986 - 1011 هـ/ 1578 - 1603 م):

- ‌الشاه عباس الأول والملوك المسلمون فى جورجيا:

- ‌غزو الأفغان لفارس:

- ‌الاستيلاء العثمانى الثانى على جورجيا (1135 - 1147 هـ/ 1723 - 1734 م):

- ‌نادرشاه وجورجيا:

- ‌باجريت كاخيتى:

- ‌القاجار:

- ‌جورجيا تحت الحكم الروسى:

- ‌المصادر:

- ‌الكرخ

- ‌المصادر:

- ‌كردستان (الأكراد)

- ‌تاريخ الفترة الإسلامية حتى عام 1920 م

- ‌كردستان بعد الفتح العربى:

- ‌الأكراد تحت حكم الخلفاء والبويهيين:

- ‌أسرة الأكراد المروانيين الحاكمة:

- ‌الفتح التركى:

- ‌أتابكيات الموصل:

- ‌الأيوبيون:

- ‌جلال الدين خوارزمشاه:

- ‌الإيلخانيات المغولية:

- ‌تيمور والبيوتات التركمانية:

- ‌شاهات الصفويين وسلاطين العثمانيين:

- ‌كردستان من سنة 1650 إلى 1730 م:

- ‌ الأفغان

- ‌نادر شاه:

- ‌البيت الزندى:

- ‌القاجار:

- ‌تركيا فى القرن التاسع عشر:

- ‌الحروب الروسية - التركية:

- ‌القوات الحميدية:

- ‌العلاقات الأرمينية - الكردية:

- ‌القرن العشرون:

- ‌الحرب العالمية الأولى 1914 - 1918 م:

- ‌من سنة 1920 م حتى الوقت الحاضر:

- ‌المجتمع الكردى

- ‌التنظيم القبلى

- ‌اللغة

- ‌الفولكلور والأدب

- ‌(أ) الأدب الشعبى:

- ‌(ب) الأدب الراقى المدون

- ‌الكرك

- ‌المصادر:

- ‌كرك نوح

- ‌المصادر:

- ‌كرمان

- ‌السكان:

- ‌الفتح العربى:

- ‌المصادر:

- ‌كرمان شاه

- ‌المصادر:

- ‌الكرمانى

- ‌المصادر:

- ‌الكسائى "الشاعر

- ‌ المصادر

- ‌كسرى

- ‌المصادر:

- ‌كعب الأحبار

- ‌كعب بن الأشرف

- ‌المصادر:

- ‌كعب بن زهير

- ‌كعب بن مالك

- ‌كلاب بن ربيعة

- ‌كلب بن وبرة

- ‌الكلبيون فى الإسلام: أما فى الإسلام فترجع علاقتهم بالأمويين إلى زمن الخليفة عثمان بن عفان وإلى زواج معاوية بن أبى سفيان من ميسون بنت أنيف، وكان معاوية يرمى من وراء هذا الزواج إلى دعم موقفه والاعتماد عليهم فى محاربته للإمام على بن أبى طالب، ومن هنا كان اليمنيون (لاسيما الكلبيون) أكثر القبائل نفوذًا فى الشام زمن معاوية وولده يزيد الذى تزوج هو الآخر امرأة من بنى كلب

- ‌الكلبيون فى الأندلس:

- ‌ الكلبي

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌كليلة ودمنة

- ‌المصادر:

الفصل: ‌ ‌الكارمية الكارمية اسم يطلق على مجموعة من التجار المسلمين ظهروا فى

‌الكارمية

الكارمية اسم يطلق على مجموعة من التجار المسلمين ظهروا فى أيام الدولتين الأيوبية والمملوكية يشتغلون بتجارة التوابل بشتى أنواعها، ولم يوجد حتى الآن تعريف مقنع بالأصل الذى اشتقت منه كلمة "كارمى" أو "كارم" أو "أكارم"، ويميل "كاترمير" بناء على ما يذكره القلقشندى إلى أن الاسم مشتق من كلمة "كانم" وهو بلد فى السودان الغربى ثم تحوَّل إلى "كارم"، أما القلقشندى نفسه فيذكر أن الكلمة وردت بهذه الصورة فى وثائق "الديوان" وليس لها من معنى فى العربية، على حين أن ابن ماجد يشير إلى طريق تجارة الفلفل الأسود القديم من بلاد الكانم (فى السودان الغربى). ويذهب "ليتمان" إلى أنها مشتقة من أصل أمهرى وأنها من الكلمة "كرر ريمة" ويقصد بها نوع من التوابل أدخله "الكارمى" إلى الحبشة.

على أن الثابت المؤكد هو أن "الكارمية" بالدرجة الأولى كانوا تجارًا من المحيط الهندى والبحر الأحمر، ومن ثم تكون الفكرة صحيحة وهى التى أعلنها "ليتمان" من أن كلمة "الكارمى" قد تكون مرتبطة باسم نوع من التجارة، ويتضح من وصف المقريزى لأسواق القاهرة أن سوق العنبر (الكارم أو القهرمان) كانت سوقا رائجة، ولا يزال العنبر الأصفر يعرف فى مصر حتى اليوم باسم "الكارم"، وعلى هذا الأساس يمكن تفسير أصل لفظ "الكارمى"، ويؤيد "بلوشيه" هذا

ص: 8489

الاشتقاق، أما "جاستون فييت" فيقول إن مصدر العنبر الأصفر إنما هو فى إقليم البلطيق وليس فى بضائع وسلع المحيط الهندى. وينقل "فيدمان" عن النويرى إشاراته إلى أن العنبر كان يستورد من الامبراطورية البيزنطية ويقصد بذلك من أسواق بيزنطة التجارية، على حين نرى أن "فيشيل" و"جوتيين" و"أشتور"، و"تورا" و"ميليو" و"دراج" و"سوبليه" وكاهن من ناحية أخرى يركزون اهتمامهم على تقدم جماعات الكارمية أكثر من اهتمامهم بأصل الكلمة الذى اشتقت منه.

ويتضح لنا من الوثائق العربية أن كلمة "الكارم" كانت تستعمل ويقصد بها "الأسطول" ولا سيما الأسطول التجارى، وتشير وثائق الجنيزة إلى ما يشبه هذا المعنى.

ومهما يكن الأمر فإن لفظ "الكارم" ورد لأول مرة فى نص نقله القلقشندى حيث يذكر أن الفاطميين أنشأوا أسطولا خاصًا (كان مؤلفا فى البداية من خمس سفن ثم صار ثلاثًا) وكانت مهمة هذا الأسطول حماية سفن الكارمية (فى رحلاتها ما بين عيذاب وسواكن) من هجوم قراصنة الجزائر المجاورة ولا سيما قراصنة "دَهْلَك" وكانوا يعهدون بقيادة الأسطول إلى والى قوص وأحيانًا إلى أمير يكون اتصاله مباشرة بالحكومة فى القاهرة، وقد أظهر صلاح الدين اهتمامًا متزايدًا بتجارة الكارم التى كانت الضرائب المفروضة عليها قدر دخلًا كبيرًا لبيت المال، ويذكر المقريزى أن صلاح الدين طالب تجار الكارم فى سنة 577 هـ (= 1181 م) بأن يدفعوا إليه ضرائب أربع سنوات مقدمًا وذلك حين قدموا فى ذلك العام، ومما يستحق الانتباه أن المقريزى يتكلم عن "التجار" وليس عن "الكارم".

ولقد صادف تجار الكارم بعد ذلك بسنة واحدة فقط (أعنى سنة 578 هـ) أشد صعوبة لاقوها تمثلت فى محاولة الصليبيين تثبيت أقدامهم فى البحر الأحمر، وكان ذلك العمل من جانبهم ينطوى على خطر بالغ على الإسلام، لأن معناه هو تهديدهم للأماكن المقدسة بالحجاز، غير أن أعظم ما كان يشغل بال

ص: 8490

صلاح الدين هو أن تظل مصر محتكرة حركة الملاحة فى البحر الأحمر، على أن انتصار صلاح الدين على رينودى شاتيون (ارناط) ساعده على أن تظل القوي الفرنجية والتجار الفرنجيون بعيدين عن طريق هذه التجارة الهامة الحيوية بين الغرب والشرق الأقصى وعمل فى الوقت ذاته على زيادة التوسع فى نشاط التجار الكارمية.

وقام تقى الدين عمر (ابن أخى صلاح الدين ونائبه بمصر) فى سنة 579 هـ (= 1183 م) ببناء "فندق الكارم" الشهير فى الفسطاط التى هى ميناء القاهرة التجارى وتخلّى فى هذا الوقت كل من التجار اليهود والأقباط عن نشاطاتهم فى البحر الأحمر وحل محلهم التجار المسلمون ولا سيما "الكارمية".

قد يكون من الصعب كتابة تاريخ الكارمية خلال العصر الأيوبى بعد موت صلاح الدين وذلك بسبب عدم وجود مصادر فى أيدينا بهذا الصدد، أما السلاطين المماليك فيمكن القول إنهم مارسوا نفس سياسة اسلافهم التجارية ومن ثم عملوا على نشاط وتوسيع تجارة الكارم. ولقد صحب انتقال الحكم من الأيوبيين إلى المماليك مشكلات كبيرة فى الداخل والخارج من ذلك حملة القديس لويس وتقدم المغول من ناحية، وثورات القبائل العربية المستقرة فى مصر من ناحية أخرى، وفى خلال هذه الأزمة رأى الكارمية وغيرهم من تجار الحملة أن من الخير لهم أن يقللوا حجم ما يجلبونه إلى مصر، وظهر ذلك على وجه الخصوص حين قام الملك المظفر قطز بفرض الضرائب الباهظة على تجار مصر حتى لقد فقدوا فى هذه الأثناء ثلث ثروتهم وكان الدافع لقطز على هذا العمل سداد نفقات حملاته، فلما تولى بيبرس السلطة ألغى هذه الأجراءات وأمر واليه فى قوص وفى عيذاب بحسن معاملة التجار وبذلك لم يتوقف ورود السفن من الموانئ اليمنية إلى عيذاب، ويشير ابن واصل إلى أنه لم يقع على أحد منهم ما يضايقه ولم يتعرضوا هم ولا ممتلكاتهم لآية خسارة.

ولقد فتح نشاط الكارمية فصل جديدًا فى تاريخ تقدم رأس المال

ص: 8491

المصرى والموارد المالية من التجارة، وإذا كان رأس مال الكارمى المسلم أو الذمى فى مصر كان قبل الكارمية يتراوح بين عشرة آلاف وثلاثين ألف دينار فإنه ارتفع حتى بلغ مليون دينار أو أكثر، ولقد أدى هذا بالتاجر الكارمى نصر الدين محمد بن مسلم البالسى (المتوفى سنة 766 هـ) إلى أن يمد نشاطه التجارى إلى ما وراء حدود التعامل المصرى التجارى، فتعامل معه تجار مسلمون من الهند ممن يتاجرون فى مصر، وتجار من مكة وعدن، كما أن التاجر الكارمى تاج الدين المعروف بالدماميتى (المتوفى سنة 731 هـ = 1331 م) خلف بعد موته مائة ألف دينار وهو مبلغ كان يزيد فى قدره عما خلفه البالسى، أما فيما يتعلق بثروات تجار الهند من أهل "دولتاباد" فيذكر ابن بطوطة "أنهم كانوا يشبهون تجار الكارمية فى مصر".

كانت أرباح تجار الكارم أكثر من الثلث المسموح به فى الإسلام (*) وكانوا يدمنون الرشاوى بنقود سائلة أو على صورة صكوك، والواقع أنه من خلال شبكة أسواقهم وتبادلاتهم المالية كانوا يؤلفون ما يكاد يشبه منظمات مصرفية كان أكبر عملائها السلاطين والأمراء حيث يمدهم الكارمية بالأموال ويزوّدونهم بالجند والسلاح، ولم يقتصر الأمر على السلطان المملوكى فى استدانته من الكارمية، بل إن صاحب اليمن مدّ إليهم يده حين وجد نفسه وقد أحاطت به الأزمات المالية، بل إن "مَنْسا موسى" ملك مالى صاحب مناجم الذهب فى غريب السودان استعار الأموال من أحد تجار الكارم قبل مغادرته مكة عائدًا إلى بلاده.

وكانت بيوت الكارمية التجارية شبه شركات تمتلكها أسراتهم، يتوارثها ذرياتهم والذين يتعلمون فيها كل ما يتعلق بالتجارة، حتى قيل إن أحد تجار الكارم أرسل "عبيده" ممثلين له إلى أسواق المحيط الهندى وأسواق السودان الغربى للتعامل باسمه، ويقال إنه لم يمت قط أحد من عبيد الكارمى نصر الدين محمد بن مسلم فى الغربة أثناء

(*) تحديد الربح التجارى بما لا يزيد عن الثلث مسألة جيدة لكن الفقهاء المسلمين لم يتفقوا عليها. (هيئة التحرير)

ص: 8492

متاجرتهم باسمه فى الهند أو اليمن أو اثيوبيا أو مالى أو بلاد التكرور، وبذلك لم تصب تجارته بأية خسارة. وقد بلغ عدد تجار الكارم زمن السلطان الناصر محمد بن قلاوون مائتى تاجر وعندهم ما لا يقل عن مائتى عبد موكلين بالقيام بعملياتهم التجارية الهامة.

ولم يكن ابن قاضى شهبة الأسدى مبالغًا حين قال إن نشاط تجار الكارم امتد من المغرب إلى الصين، وكان بعضهم فى ثرائهم كالملوك بما يملكون من القوافل المسلحة والحراس والوكلاء والشركات والعبيد والخدم، وكان يدق على أبوابهم "بالكوسات" التى جرت العادة ألّا تدق إلّا على أبواب كبار رجال الدولة.

كانت هناك كميات كبيرة من البضائع يجلبها التجار الكارمية وغيرهم من الشرق وتنقل من اليمن إلى الحجاز والشام، وإن كان الجانب الأعظم منها يصل إلى القاهرة وإلى الإسكندرية ودمياط وهما أكبر وأهم الموانئ المصرية المطلة على البحر المتوسط حيث يأتى إليها تجار الفرنجة لاسيما البنادقة، وكان التاجر المصرى يعتبر هؤلاء الايطاليين خصومًا له كرجال أعمال أو أصحاب رؤوس أموال، والواقع أن البنادقة حاولوا بسط نشاطهم التجارى وقدراتهم المالية على أوربا والامبراطورية البيزنطية، ولكنهم تركوا آسيا وافريقية للكارمية، ومع ذلك فإن العلاقات الودية بين الامبراطورية المغولية والشرق ساعدت الإيطاليين لما يقرب من قرن من الزمان (1250 - 1350 م) على أن يتوغلوا آمنين فى آسيا ويذهبوا بعيدًا حتى الصين، ولكن كان يوجد فى هذه النواحى التجار الكارمية فالتقى الجانبان بعضهما ببعض فى تلك النواحى.

وكان هناك تجارة القوافل سواء منها البرية أو البحرية عبر المحيط الهندى والبحر الأحمر التى لم تفقد أهميتها أو مكانتها خلال عصر "السلام

ص: 8493

المغولى". وأصبح ملقى على عاتق التجار الفرنجة والكارمية حلّ مشكلة القرصنة، وصار على الأولين معالجتها فى البحر والمحيط الهندى وكذلك مواجهتهم مثل هذه الصعوبات فى الطرق الصحراوية فى إفريقية وآسيا، ثم كانت مشكلات المدن، فمدن الغرب المسيحى فى هذه العصور الوسطى كانت تناضل من أجل تحرير نفسها من اللوردات الإقطاعيين على حين أن المدن الإسلامية فى الشرق كانت خلال هذه الفترة ذاتها واقعة تحت سيطرة السلطات المركزية وفى قبضة حكامها، ومن هنا فإنه من الصعب مقارنة دور التاجر الكارمى السياسى بدور منافسه الأوروبى.

وكان التجار الكارمية خلال العصر الصليبى أعظم تجار الجملة، وكان أبرزهم فى النواحى السياسية والاقتصادية والدينية يطلق عليه لقب "كبير" أو "رئيس تجار الكارم" ويعامل باحترام كبير فى جميع الأقطار التابعة لمصر وكذلك فى مجلس السلطان، وعلى الرغم من أن المصادر المعاصرة لا تساعدنا على تقرير الطريقة التى يختار "الرئيس" أو "كبير الكارمية" على أساسها ولا تمدنا بكيفية ممارسته لسلطانه إلا أننا نستطيع تكوين فكرة عامة من قصة ذكرها ابن حجر العسقلانى فى كتابه "إنباء الغمر" من أن التاجر الكارمى الكبير زكى الدين الحزّوبى -فى عودته من الحجاز إلى مصر سنة 786 هـ (= 1384 م) أهدى هدايا كثيرة، فيقول ابن حجر: قدم زكى الدين الحزّوبى من المجاورة فأهدى للسلطان هدايا جليلة ولغيره من الأمراء، ووقع بينه وبين شهاب الدين الفارقى -أحد أعيان التجار اليمنيين- وهو أخو شرف الدين وزير صاحب اليمن- فترافعا إلى السلطان، فنسب الفارقىّ زكى الدين إلى أمور معضلة، فأخرج الحزّوبى كتاب الأشراف صاحب اليمن إليه وضمنه كتاب من الفارقى يقول فيه: "إن مصر آل أمرها

ص: 8494

إلى الفساد، وليس بها صاحب له قيمة، فلا ترسل بعد هذه السنة هدية فإن صاحبها اليوم أقل المماليك وأرذلهم" فأمر السلطان برقوق بالقبض على الفارقى وبقطع لسانه وبمصادرة أملاكه [ثم شفع فى لسانه فأطلق] وخلع على زكى الدين خلعة معظّمة واستقر كبير التجار. [إنباء الغمر 1/ 228 تحقيق حسن حبشى] وتدلنا هذه القطعة عن الشروط التى يحتاج إليها ليلقب الواحد بهذا اللقب.

وكانت سياسة الحكومة تشجع التجار الكارميين، فكان "ناظر البهار والكارم"، مسئولًا عن الحفاظ على مصالح الكارمية فى البحر الأحمر ومصر، وعن جمع الجمارك والضرائب منهم، وقد بلغ من أهمية هذا المنصب أن كان يعهد به فى بعض الأحيان إلى الوزير أو ناظر الخاصة وكان الرأى الأخير للسلطان طالما أن الأموال المجباة من تجارة الكارم كانت تؤول إلى خزانة السلطان المؤيد شيخ محمود وأصبحت هذه الوظيفة تصدر بقرار من السلطان حفظه لنا ابن حِجّى الحموى وفيه وكلت هذه الوظيفة إلى الفقيه الشَّافعى كمال الدين البارزى.

ولما كان الصعيد قد ظل لأمد طويل هو الطريق المألوف لهذه التجارة الشرقية فهناك خطاب آخر يؤكد على والى مصر العليا "والى ولاة الصعيد" بذل الجهد والعناية الخاصة إلى ما تفرضه عليه وظيفته من الاهتمام بالجوانب الاقتصادية باعتبار الصعيد "بوابة اليمن والحجاز"، كما أن هناك مرسومًا ثالثًا يبين أهمية الأنشطة الكارمية فى مصر العليا وأن مهمة الوالي الكبرى هى حسن معاملة هؤلاء التجار ومراعاة مصالحهم.

ولما كانت سنة 832 هـ (= 1429 م) احتكر السلطان برسباى تجارة الفلفل والتوابل وفرض رقابة صارمة على سوقه فكان يشترى الفلفل الأسود وأنواع التوابل فى "جدة" لحسابه الخاص، ويمنع جميع التجار من

ص: 8495

التصرف فيها قبل أن يأخذ منها لنفسه ما يشاء، كما أنه حدّ من سلطان الفرنجة فى الإسكندرية فى تجارة الكارم بشتى أنواعه بتقرير ثمن لها وأصيب تجار الفرنجة بضربة شديدة حين قرروا أن يشتروه بما يقرب من خمسين دينارًا زيادة عن سعره المعتاد مما أرغمهم على الحدّ من مشترياتهم منه، وكثيرًا ما كانوا يعودون إلى ديارهم من غير بيع أو شراء، كذلك أصيب التجار المصريون بخسائر فادحة، ذلك أنه حين أراد الكارمية منهم التعامل مع الفرنجة فى السر هددهم سنة 833 هـ (= 1430 م) بمنعهم نهائيًا من المتاجرة فى التوابل، ثم أمرهم بعد عامين من ذلك التاريخ بألا يتعاملوا فى آية سلعة مع الغرب إلا بإذن منه هو شخصيا، ثم قام فى سنة 838 هـ (= 1435 م) باحتكار تجارة الكارم فى جدة وحدّد سعرًا معينًا لبيعه للغرب، ولقد زاد من شدة دفع هذه الصعاب بين مصر والتجار الغربيين ما كان يقوم به قراصنة الكتلان والترك. ثم جاء السلطان جقمق (841 - 856 هـ = 1438 - 1453 م) فحَدّد مدة إقامة تجار الفرنجة فى الموانئ المصرية فلم تكن تزيد عن ستة أشهر على الأكثر.

ويلاحظ أن تدهور موقف التجار الكارمية خلال القرن التاسع الهجرى (= الخامس عشر الميلادى) لم يكن راجعا فحسب إلى سياسة السلاطين المماليك بل وإلى تفاقم الأزمة الاقتصادية فى مصر أيضًا وإلى سياسة صاحب اليمن الملك الناصر أحمد الذى أراد أن يبسط نفوذه على الحجاز وأن يحرم مصر من مكانتها الممتازة هناك، هذا إلى جانب ما اتسم به عهده من نشر الرعب مما حمل تجار الكارم على الهروب إلى الهند أو إلى جدَّة تاركين بعض تجارتهم فى عدن.

كذلك أصيب تجار الصين ونواخذة السفن الصينية بخسائر فادحة، فقد حدث فى سنة 823 هـ (= 1421 م) أن

ص: 8496

أرسل ملك الصين هدية فتعرض لها اليمنيون فأرسل الملك احتجاجًا عنيفًا إلى صاحب اليمن وكان من الرسوليين، كما أن الحكومة فى مصر حاولت صرف التجارة وربابنة سفن الكارم عن عدن إلى جدَّة.

وإذا نظرنا إلى الحدود الشمالية للأملاك السلطانية المملوكية نجد أن الموقف هناك كان شديد التوتر خلال القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) مما استدعى إرسال حملات مصرية على الدوام مما أدَّى إلى إرهاق ميزانية السلطنة المملوكية.

ولما جاء عهد قايتباى وقد زادت أسعار السلع المحتكرة قام السلطان وجهز ست عشرة حملة حربية كلفته ثمانية ملايين دينار إلى جانب نفقة العسكر، ولما كانت مالية القطر واقتصاده لا يستطيعان سداد هذه النفقات فقد تطلب الوضع فرض ضرائب على التجارة مما أرهق كاهل التجار الكارمية فأخذوا منذ ذلك الحين يفقدون تجارتهم المربحة ودخل الكثيرون منهم فى خدمة السلطان وأصبحوا تجار مصر وحدهم، كما هاجر البعض الآخر منهم إلى الهند وخاصة إلى "كاليكوت" و"كمبايا"، وانصرف غير هؤلاء وهؤلاء إلى المضاربات المالية وهى وإن لم تكن تعود عليهم بالربح الجزيل إلا أنه ترتب عليها صعوبات كثيرة للدولة، فأخذوا فى تصدير كثير من العملة النحاسية مما حمل السلطان فى سنة 832 هـ (= 1429 م) على أن يمنع تصديرها إلى جدة منعًا باتًا، ثم صدر الأمر بالمنع مرة ثانية سنة 839 هـ (= 1437 م)، ومما يدل على سوء حال التجار زمن السلطان برسباى هو أن أحد التجار أراد اقتراض مبلغ من المال لتغطية نفقاته فى الوقت الذى كان له فيه من البضائع المخزونة ما يقدر بعشرة آلاف دينار.

أما تجار البحر الأحمر فقد أرادوا تأكيد حقوقهم عند السلطان وكانوا بذلك مخالفين لرفاقهم تجار القاهرة كل

ص: 8497

المخالفة، حتى أن شاه رخ نفسه السلطان التيمورى ساهم فى هذا الصراع، فندد بفرض الضرائب فى جدّة بحجة أنها مخالفة للشريعة، ونادى الفقهاء وأهل الفتوى فى القاهرة للمعارضة، كما حاول شاه رخ زيادة التوتر بين السلطان المملوكى وبين التجار الشرقيين ولكنه لم ينجح فى حمل السلطان على التخلى عن سياسته الاحتكارية أو إرغامه على اتباع أوامر القرآن فيما يتعلق بجمع الضرائب، ولم يستطع دخول السفن الصينية إلى سواحل إفريقية الشرقية ووصولها إلى عدن فى العقود الأولى من القرن الخامس عشر الميلادى أن يساعد الكارمية فى التخلص من أحكام السلطان الإجبارية، كما لم يستطع قيام العلاقات القوية بين إثيوبيا وأوربا من أن تغير سياسة سلطان مصر المملوكية تجاه التجار الكارميين، بل لقد أُلقِى القبض على نور الدين على التوريزى (ابن أحد تجار الكارم) وكان من أصل فارسي بتهمة الخيانة العظمى وأنه يبيع السلاح والأقمشة الأوربية فى الحبشة، كما أُتهم بالذهاب إلى أوربا عبر المغرب بأمر من النَّجاشى لتحريض الفونسو ملك أرغونه ضد المسلمين، وحوكم وأعدم بالقاهرة سنة 832 هـ (1429 م) ودافع ابن حجر العسقلانى وتلميذه السخاوى عنه وندّدا بشرعية محاكمته: وكان من رأيهما أن التوريزى كان يسعى لإعلاء كلمة الإسلام فى الحبشة. [أما موقف ابن حجر من هذه فقد ترجم عنه بقلمه].

على أية حال جاء سفراء من النجاشى إسحاق ملك الحبشة إلى بلاط الفونسو الخامس (راجع de la Rouciere La decouverte de l'afrique ou moyen age 11، P. 116 ووافق الفونسو على عقد تحالف مع الحبشة، التى أراد نجاشيها الشروع فى المتاجرة فى البحر الأحمر حتى تحل سواكن محل جدة، ومع ذلك فقد حاول برسباى أن يحتكر الموقف كله فأمر السفن القادمة (من الهند وعدن أن تتجه مباشرة إلى ميناء عيذاب، وأخمد فتنة

ص: 8498

أضرمتها القبائل المحلية التى تحول أهلها إلى قراصنة، وخرّب البلد سنة 829 هـ، ويقدر الحسن الوزان (ليو الافريقى) عدد الهلكى من الأهالى بأربعة آلاف من أهلها، مما حمل البقية على الهروب إلى دنقلة وسواكن التى هى ميناء الحبشة ومدّ السلاطين المماليك نفوذهم على مصوّع وبسطوا سلطانهم على سواكن التى أصبح صاحبها تابعًا للسلطان وتسلم براءة التعيين من بلاط القاهرة.

ونستفيد مما ذكره ابن تغرى بردى أنه لم يعد أثر فى سنة 859 هـ (= 1455 م) للتجار الكارميين فى الأسواق المصرية، فلم نعد نرى ذكرًا لهم فى المصادر المعاصرة منذ سنة 889 هـ (= 1484 م)، ولا نعرف من الكارمية سوى اثنين كانا آخر من نسمع عنهم هما على بن محمد بن يوسف القليوبى وعلى بن بدر الدين حسن بن عليبة المتوفى سنة 897 هـ (= 1491/ 1492 م).

ولم يكن التجار الكارمية هم وحدهم، الذين فقدوا مكانتهم بل شاركهم أيضًا جميع التجار، حتى أننا لنرى اثنين من الجزارين فى مصر يعملان كممثلين لطبقة التجار قبل استيلاء العثمانيين على مصر، كما فقد تجار الجملة المصريون علاقاتهم الدولية واتصالاتهم بالخارج ولم يستردوها إلا أخيرًا فى القرن التاسع عشر.

إنه من الثابت المؤكد أن كثيرًا من المماليك منذ القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) وما بعده راحوا يبيعون "اقطاعاتهم" وبذلك مكنوا التجار من الاستحواذ على الأراضى رغم المعارضة من جانب الفقهاء والحكومة لمثل هذا العمل، حتى إنه ليقال إن التاجر الكارمى ناصر الدين ابن مسلم أصبح يملك 3438 فدانا كان يدفع ضريبة عليها تقدر بعشرة آلاف دينار، ولقد أثر هذا الوضع فى نظام الاقطاع المصرى، ولكن لم يكن فى الامكان أن يقال عنه حسب تعبير الكارمية Willeyire maeht، ذلك أن التاجر الكارمى وغيره من الناس الذين أصبحوا يملكون الإقطاعات لم يتمكنوا

ص: 8499