الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والفحم والخشب الذى يصدره الأهالى إلى صقلية ومالطة.
نجلاء فتحى [م. طالبى M. Talbi]
القومية
مصطلح مشتق من قَوْم وهو لفظ ذو أصل قبلى ويعنى مجموعة من الناس ينحدرون من أصل مشترك، أو من قبيلة تنحدر من جد واحد. أما فى هذا القرن العشرين فهى تعنى حركة القومية التى سرت بين عرب الولايات العثمانية فى الهلال الخصيب التى غزاها الحلفاء فى الحرب العظمى. وقد انتقل المصطلح منذ الحرب العالمية الثانية إلى أجزاء أخرى من البلاد التى تتحدث العربية وقد حاول المثقفون العرب منذ الحرب الأخيرة صياغة أسس نظرية وفلسفية ومقدمات تاريخية وأيديولوجية لهذه القومية. وكان أكثرهم نشاطا السوريون واللبنانيون والعراقيون من سياسيين ومعلمين وصحفيين وكتاب. ومن أبرز هؤلاء حزب "البعث" الذى تأسس عام 1943 م وفى سنة 1955 م حمل جمال عبد الناصر (من مصر) لواءها ونادى بها فى الشرق الأوسط العربى، والقائلون بالقومية العربية ينادون بوجود "أمة عربية" وهى وإن كانت دولا متفرقة إلا أنه يجب أن تكون متحدة فى كيان سياسى عضوى واحد -وإن ما يربط أعضاء الأمة العربية هو العقيدة المشتركة- أى الإسلام، ولغة مشتركة هى العربية وثقافة إسلامية واحدة وتاريخ مشترك أما عن الأسس الاقتصادية والعملية الأخرى فلم تحظ بصياغة ما، ولم يتقدم أحد باقتراح ما بشأنها- وأصبحت المشاعر الدينية والهوية المشتركة هى الملهم للوحدة، السياسية أى أنها كانت الأساس لقيام حركة القومية العربية أو النزعة العربية، أو الجامعة العربية وكلها مظاهر أو تفرعات للقومية فى هذا القرن وفى المذكرة المتعلقة بالحركة العربية التى رفعت إلى وزير الخارجية البريطانى انتونى ايدن. والمؤرخة 27 مايو 1936 م يقرر القنصل البريطانى فى دمشق أنه "لا شك فى وجود حركة عربية ولكن هناك شك كبير فى قدرتها. وحتى فى عام 1936 م كانت أهداف
هذه الحركة تتمثل فى خلق دولة واحدة تضم الدول العربية بأكملها. ولكن دعاة هذه الفكرة كانوا يعنون بها العراق ولبنان وسوريا، وهى جميعا تعد دولا جديدة، تحت الانتداب الإنجليزى أو الفرنسى -وتلك أيضا كانت فترة اهتم فيها دعاة القومية العربية بتحديد معنى الأمة العربية جغرافيا وأيديولوجيا. أما عن مصر فكانت فى ذلك الحين خارج دائرة اهتمامات القومية العربية لإنهاكها فى مشكلة علاقاتها ببريطانيا- ثم طرأ عامل خارجى جديد هو مشكلة فلسطين، ومع ذلك فإننا نجد اليوم -وبعد مرور أربعين عاما- أن آمال الوحدة العربية لم تتحقق فبدلا من أن تكون دولة عربية موحدة إذا بنا نرى عدة دول عربية.
ولعل القومية العربية كانت حركة تعويضية لدى العرب وذلك على مستويين: أولا بوصفها حركة رد فعل ضد الهيمنة العثمانية التى طال أمدها ولم يكن من الممكن أن تبزغ فى ظلها مسألة الهوية القومية. ثانيا بوصفها رد فعل ضد الأوضاع الجغرافية والسياسية التى أملتها القوى الأوربية على آخر الامبراطوريات الإسلامية بعد تفككها فى عام 1920 م (المقصود الدولة العثمانية)، فالقومية قد زودت العرب بعامل دَفْع يدفعهم إلى التكامل ضد تفتت الواقع السياسى. ونظرا لأن المجتمعات العربية لم تمر بتجربة إضفاء الطابع العلمانى على الهوية السياسية وعلى الحياة والمفاهيم على نحو ما حدث لأوربا فى بداية العصور الوسطى، فإن مفهوم "الأمة - الدولة" وحركة القومية عند العرب ظلت امتدادا وترجمة لثقافة سياسية هى فى جوهرها ذات أساس دينى - فقد ظل أبناء هذه القومية على وعى دائم بهويتهم الإسلامية. وكانت القومية العربية محاولة لبث الوعى بالهوية العربية وزاد عدد الدول العربية المستقلة ذات السيادة فى الفترة الأخيرة، مما خلق اتجاها قويا وبالتالى اتجهت الايديولوجية القومية نحو نوع من ترشيد العواطف الإسلامية، وأصبحت بذلك بمثابة عاطفة تعمل على جمع الشمل فى مواجهة التهديدات
الأجنبية أو ضد الأعداء. ولقد بزغ من الشروط الأولية لقيام القومية شرط أساسى إبان القرن التاسع عشر الميلادى وهو الوعى التاريخى أو الإقرار بوجود خصوصية للعرب من ناحية ووجود فوارق بينهم وبين الآخرين (أى غير العرب) من ناحية أخرى -حدث ذلك مع التغلغل الأوربى السريع والقوى فى الشرق بصوره المختلفة من عسكرية واقتصادية وسياسية، كما حدث نتيجة لتأثير الأفكار السياسية والمؤسسات التى صاحبت هذا التغلغل. ونتيجة لهذه اليقظة أو النهضة بزغت أفكار تدعو إلى إحياء اللغة العربية كما تدعو إلى الإصلاح الدينى وذلك فى مواجهة الحداثة الأوربية -وكانت هذه النهضة- بمختلف صورها زادًا لقيام معارضة إسلامية أولا ثم عربية فيما بعد -ضد الحكم الأجنبى وكان ذلك بدوره تمهيدا للمطالبة بحق تقرير المصير- كذلك كان الإصلاح الحديث داخل الدولة العثمانية ذاتها، والذى أدى إلى تبنى الطبقات الحاكمة التركية لاتجاهات القومية، مبتعدين بذلك ابتعادا تاما عن مفهوم "الأمة" إلى هذا الإصلاح ذاته- أدى إلى قيام حركات انفصالية فى العالم العربى بلغت أوجها فيما حدث من ثورة الحجاز العربية بتشجيع من بريطانيا ضد الخليفة العثمانى فى الحرب العالمية الأولى والأهم من ذلك ما طرأ من تطور على حكومات لدول ذات طابع حديث نسبيا وذلك فى العديد من الولايات العربية مما شكل أساسا يسمح بقيام استقلال قومى محلى. كما أن نشأة الصفوة الوطنية واهتمامها بتطوير الأنظمة الحكومية وتشريعاتها ونظم التعليم والاقتصاد والسير بها فى اتجاه علمانى: كل ذلك أعطى دفعة قوية لهذا الاتجاه القومى -وأيًّا ما كان الأمر فإن التجربة لم تكن فى عديد من الدول العربية متماثلة بل أدت إلى وجود تفاوت وفروق فيما بينها مما زاد من صعوبة تحقيق آمال وحدة القومية العربية.
إن القومية العربية تفترض ضمنا وجود أمة عربية، وتفترض تضامنها وخصوصيتها ووحدتها غير أن كل هذه الافتراضات الضمنية تقوم على أساس دينى فى جوهرها، هو الإسلام واللغة
العربية بوصفها لغة القرآن الكريم، والشريعة بوصفها القانون المقدس الذى نزل به الوحى والتاريخ بانتصاراته المجيدة وامبراطوريته. وهى تغض الطرف عن التنوع العرقى وتنوع الأجناس التى تضمها الجامعة الإسلامية. ومن هنا ظل هناك تعارض قائم بين القومية الحديثة بطابعها الإقليمى والجامعة الإسلامية، ومن هنا اتجهت جهود الداعين للقومية إلى إيجاد توافق بين الفروق المختلفة والبحث عن تكامل بين العروبة (قلب القومية) والدين. وكل ما يمكن تحقيقه هو ترجمة التضامن الإسلامى المتمثل فى "الإسلام" إلى وحدة الأمة العربية ولكن لكى يتحقق ذلك ينبغى أولا إسناد دور للعرب فى مقابل غير العرب داخل الإسلام. وقد كان هذا هو الشغل الشاغل لعبد الرحمن الكواكبى (توفى 1902 م) والشيخ محمد رشيد رضا (توفى 1932 م) فى أوائل هذا القرن، ثم جاء بعدهما عبد الرحمن البزاز (توفى 1971 م) وقد حاولوا جميعا التدليل على أنه لا تناقض بين الإسلام والقومية العربية. فمن الناحية النظرية لا تشكل العلاقة بين الدين والدولة أية مشكلة فى الإسلام -فلقد سبق للإسلام أن أسس دولة وبنى إمبراطورية. فليس غريبا إذن أن يكون ثمة مزج حديث بين الإسلام والعروبة.
والقومية بحكم تعريفها مفهوم علمانى أو فكرة علمانية، يقف وراءها -على الأقل فى أوربا- تفكير فلسفى ونزعة علمانية، وسلطة ممنوحة للدولة بدءا من العصور الوسطى ومرورًا بعصور النهضة والإصلاح الدينى والتنوير أما القومية العربية فإن أسسها إسلامية لأنه لا توجد أسس فلسفية أو فكرية تقوم عليها العلمانية العربية مماثلة لتلك التى تملكها العلمانية الأوربية -على أن الحرب العالمية الثانية ونتائجها هى التى عجلت بظهور حركة القومية العربية وكثرة المؤيدين لها. وكانت النتيجة تكوين الجامعة العربية فى عام (1946/ 1947 م) وهى منظمة تضم الدول العربية المستقلة وعلى حين أن الباعث على نشأة "القومية العربية" إبان الحرب العالمية الأولى مصدره
الأسر الحاكمة ولا شأن له بالايديولوجيين فسوف نجد أنها قد تحولت فى أثناء الحرب العالمية الثانية وما بعدها إلى قوة أيديولوجية وعلمانية -وقد أصبح الكاتب الأول فى هذا الموضوع هو ساطع الحصرى الذى قدم مفهوما للقومية العربية ذا نزعة رومانسية ومثالية، وذلك فى محاولة منه لإخراج الدين من الفكرة القومية واستعار من روسو وهيجل وماتزينى مفهوما روحيا للأمة مفاده شخصية الدولة بوصفها ضرورة تاريخية، والقومية بوصفها مبدأ عاما وسابقًا عليها فى الوجود. لقد استعار ساطع الحصرى مفهوما أوربيا وأجنبيا للأمة، وجعل من القومية بمشاعر الرومانسية تجسيدا لقداسة الشخصية القومية، وأصبح الإسلام عنده "ثقافة قومية" للعرب وليس مجرد دين لهم. وكتب آخرون عن القومية العربية بنفس الروح الرومانسية. فالعلايلى أكد الوعى الكامن عند العرب بوجودهم الاجتماعى" والبزاز يرى أنه لا تناقض بين "القومية الحقة والدين الحق" وعبد اللطيف شرارة يصف القومية العربية بأنها عاطفة -فالأمة واقع بشرى وليس واقعا جغرافيا. وهى أوسع مفهوما من الدولة أو الشعب أو الوطن، ولذلك كان الشعور بالعروبة يتجاوز الحدود الجغرافية ويعلو عليها لاسيما وأن الإنسان ليس مجرد بدن بل هو "عقل وروح". ويعلن ميشيل عفلق -وهو مسيحى، وأحد المشاركين فى تأسيس حزب البعث- أن القومية العربية هى "الحب الذى يفوق كل شئ آخر" لذلك فإن الأمة العربية تشكل كيانا سياسيا واقتصاديا وثقافيا بصرف النظر عن التقسيمات القائمة -وبعد عام 1948 م أدى الصراع العربى الإسرائيلى بالقومية العربية إلى مزيد من التعمق، كما أنه فى نفس الوقت أدى إلى وقوع انقسام فى القومية العربية. وبحلول عام 1949 م تمت الإطاحة بأنظمة الحكم العربية القديمة، وظهور حركات جماهيرية ترفع شعارات أيديولوجية مثل حركتى البعث والناصرية وهى تنادى بحتمية