المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 - الجغرافيا التاريخية - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٢٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌القزوينى، زكريا

- ‌المصادر:

- ‌القزوينى، نجم الدين

- ‌المصادر:

- ‌القسطنطينية

- ‌الحملات العسكرية العربية على القسطنطينية:

- ‌قسطيلية

- ‌تاريخها:

- ‌الجغرافية التاريخية:

- ‌المصادر:

- ‌قسى، بنو

- ‌المصادر:

- ‌القصاص

- ‌المصادر:

- ‌قصر هبيرة

- ‌قصص الأنبياء

- ‌ المصادر

- ‌القصيدة

- ‌قصي

- ‌المصادر:

- ‌قضاعة

- ‌قطب

- ‌1 - فى الفلك:

- ‌المصادر:

- ‌2 - فى التصوف: كلمة قطب فى التصوف الإسلامى تعنى إما "الإنسان الكامل" أو "القطب الحسى" أو "الحقيقة المحمدية"، ويشار إليها أحيانا بوصفها القطب المعنوى. ويشير بعض المؤلفين إلى قطب الوقت، أو صاحب الوقت أو صاحب الزمان على أنه "الغوْث" الذى يوجد بفضل "قطب الأقطاب" ويتجلى فيه -وأصول هذا المفهوم ترجع إلى الحلاج

- ‌المصادر:

- ‌قطب الدين شيرازى

- ‌المصادر:

- ‌قطرى بن الفجاءة

- ‌المصادر:

- ‌قطز

- ‌ المصادر

- ‌قفسة

- ‌قفسة تاريخيا:

- ‌جغرافيتها التاريخية:

- ‌قفط

- ‌المصادر:

- ‌قفطان

- ‌المصادر:

- ‌قلاوون

- ‌المصادر:

- ‌القلزم

- ‌المصادر:

- ‌قلعة أيوب

- ‌المصادر:

- ‌قلعة رباح

- ‌قلعة الشقيف

- ‌قلعة نجم

- ‌المصادر:

- ‌قنسرين

- ‌1 - البلدة:

- ‌2 - قنسرين الجند:

- ‌المصادر:

- ‌قهرمان نامه

- ‌المصادر:

- ‌قهوة

- ‌المصادر:

- ‌القواسم

- ‌المصادر:

- ‌قوله

- ‌قوس

- ‌1 - عموميات وأصوليات:

- ‌2 - البحوث:

- ‌3 - النماذج المختلفة للأقواس:

- ‌4 - مصطلحات مركبات القوس:

- ‌5 - السهم والكنانات:

- ‌6 - القفازات وخواتم الإبهام:

- ‌7 - أطوار ومبادئ التصويب:

- ‌8 - التدريب والاستخدام التكتيكى

- ‌قوصرة

- ‌القومية

- ‌المصادر:

- ‌قونية

- ‌المصادر:

- ‌القياس

- ‌قاعدة:

- ‌طبيعة القياس:

- ‌المصادر:

- ‌القياس فى النحو (اللغة):

- ‌المصادر:

- ‌القيافة

- ‌أهم المصادر:

- ‌القيامة

- ‌المصادر:

- ‌القيثارة

- ‌ المصادر

- ‌القيروان

- ‌1 - التأسيس

- ‌2 - التاريخ

- ‌3 - الجغرافيا التاريخية

- ‌قيس

- ‌قيس عيلان

- ‌القيسارية

- ‌قيصر

- ‌فى العصور الإسلامية الأولى:

- ‌قيصر التاريخ الإسلامى

- ‌قيصرية الأناضول

- ‌التجارة والصناعة والزراعة:

- ‌الثقافة:

- ‌قيصرية فلسطين

- ‌القين

- ‌المصادر:

- ‌القين (قبيلة)

- ‌قينقاع، بنو

- ‌المصادر:

- ‌ك

- ‌الكارمية

- ‌المصادر:

- ‌كافور

- ‌المصادر

- ‌كبريت

- ‌المصادر:

- ‌كثير عزة

- ‌ المصادر

- ‌الكرابيسى

- ‌المصادر:

- ‌كربغا

- ‌المصادر:

- ‌الكرج

- ‌الفتح الإسلامى:

- ‌العباسيون وجورجيا:

- ‌الساجيون والسلاريون وآل شداد:

- ‌السلاجقة وجورجيا:

- ‌إبادة الجيش السلجوقى فى تفليس سنة 515 هـ/ 1121 م

- ‌بنو جعفر وحكم جورجيا:

- ‌عصر الملوك الأقوياء فى جورجيا:

- ‌حكم تامار:

- ‌جلال الدين خوارزمشاه:

- ‌فترة ما بعد تيمور:

- ‌تقسيم جورجيا:

- ‌الآق فويونلو:

- ‌الصفويون وجورجيا:

- ‌السيادة العثمانية (986 - 1011 هـ/ 1578 - 1603 م):

- ‌الشاه عباس الأول والملوك المسلمون فى جورجيا:

- ‌غزو الأفغان لفارس:

- ‌الاستيلاء العثمانى الثانى على جورجيا (1135 - 1147 هـ/ 1723 - 1734 م):

- ‌نادرشاه وجورجيا:

- ‌باجريت كاخيتى:

- ‌القاجار:

- ‌جورجيا تحت الحكم الروسى:

- ‌المصادر:

- ‌الكرخ

- ‌المصادر:

- ‌كردستان (الأكراد)

- ‌تاريخ الفترة الإسلامية حتى عام 1920 م

- ‌كردستان بعد الفتح العربى:

- ‌الأكراد تحت حكم الخلفاء والبويهيين:

- ‌أسرة الأكراد المروانيين الحاكمة:

- ‌الفتح التركى:

- ‌أتابكيات الموصل:

- ‌الأيوبيون:

- ‌جلال الدين خوارزمشاه:

- ‌الإيلخانيات المغولية:

- ‌تيمور والبيوتات التركمانية:

- ‌شاهات الصفويين وسلاطين العثمانيين:

- ‌كردستان من سنة 1650 إلى 1730 م:

- ‌ الأفغان

- ‌نادر شاه:

- ‌البيت الزندى:

- ‌القاجار:

- ‌تركيا فى القرن التاسع عشر:

- ‌الحروب الروسية - التركية:

- ‌القوات الحميدية:

- ‌العلاقات الأرمينية - الكردية:

- ‌القرن العشرون:

- ‌الحرب العالمية الأولى 1914 - 1918 م:

- ‌من سنة 1920 م حتى الوقت الحاضر:

- ‌المجتمع الكردى

- ‌التنظيم القبلى

- ‌اللغة

- ‌الفولكلور والأدب

- ‌(أ) الأدب الشعبى:

- ‌(ب) الأدب الراقى المدون

- ‌الكرك

- ‌المصادر:

- ‌كرك نوح

- ‌المصادر:

- ‌كرمان

- ‌السكان:

- ‌الفتح العربى:

- ‌المصادر:

- ‌كرمان شاه

- ‌المصادر:

- ‌الكرمانى

- ‌المصادر:

- ‌الكسائى "الشاعر

- ‌ المصادر

- ‌كسرى

- ‌المصادر:

- ‌كعب الأحبار

- ‌كعب بن الأشرف

- ‌المصادر:

- ‌كعب بن زهير

- ‌كعب بن مالك

- ‌كلاب بن ربيعة

- ‌كلب بن وبرة

- ‌الكلبيون فى الإسلام: أما فى الإسلام فترجع علاقتهم بالأمويين إلى زمن الخليفة عثمان بن عفان وإلى زواج معاوية بن أبى سفيان من ميسون بنت أنيف، وكان معاوية يرمى من وراء هذا الزواج إلى دعم موقفه والاعتماد عليهم فى محاربته للإمام على بن أبى طالب، ومن هنا كان اليمنيون (لاسيما الكلبيون) أكثر القبائل نفوذًا فى الشام زمن معاوية وولده يزيد الذى تزوج هو الآخر امرأة من بنى كلب

- ‌الكلبيون فى الأندلس:

- ‌ الكلبي

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌كليلة ودمنة

- ‌المصادر:

الفصل: ‌3 - الجغرافيا التاريخية

على مقاليد الأمور وأعاد بناء أسوار المدينة وألغى الضرائب ولذلك تحسنت أوضاع الأهالى المعيشية.

وتدهورت أحوال أهل القيروان فى عهد حسين الثانى بسبب فرض الضرائب الباهضة.

وفى سنة 1881 م وبعد إعلان الحماية الفرنسية على تونس مباشرة أحرزت القيروان مكانة رفيعة حيث أصبحت معقل المقاومة، ومع ذلك فقد سقطت المدينة واحتلت فى نهاية الأمر فى 36 أكتوبر 1881 م.

‌3 - الجغرافيا التاريخية

حسبما نذر مؤسسها [أى عقبة بن نافع] فإنه أراد أن تكون القيروان "عزا للإسلام إلى آخر الدهر"(ابن عذارى: البيان المغرب، جـ 1، ص 19) هذا وما تزال القيروان تعتبر مدينة مقدسة على الرغم من أنها قد فقدت على مر القرون أهميتها كمدينة كبرى.

وعندما شرع عقبة فى تخطيط المدينة قام فى بادئ الأمر بتحديد موضع الجامع الكبير ودار الإمارة.

وذكر ابن عذارى أن دورها فى ذلك الحين [أى عندما اكتملت عمارتها] بلغ 13600 ذراع أى حوالى 7.5 كم [7500 م] وقد وزعت خططها على القبائل مثلما حدث فى كل من البصرة والكوفة اللتين تم تأسيسهما فى نفس الظروف ولكننا لا نملك معلومات مؤكدة حول هذا الموضوع باستثناء بعض الإشارات القليلة ومنها ما أورد (البكرى) من أن قبيلة "فهر" القرشية التى ينتمى إليها مؤسس المدينة -قد استقرت فى شمالى الجامع الكبير [أى جامع سيدى عقبة] فى زمن هشام بن عبد الملك (105 - 125 هـ/ 724 - 743 م)، وفى القرن 3 هـ/ 9 م استقرت كل طائفة فى أحد الأحياء ويتضح ذلك من حارة يحصب ورحبة القرشيين وسوق اليهود.

وقد بنيت القيروان بالحجارة ويرجع الفضل فى ذلك إلى إعادة استخدام مواد البناء القديمة التى كانت موجودة فى مكان تشييدها، وقد تم تخطيطها لتكون مدينة كبيرة صممت لاستيعاب جميع عرب إفريقية وخاصة

ص: 8449

المحاربين الذين طالما صحبتهم عائلاتهم.

وكما هو الحال فى البصرة والكوفة ظلت المدينة [أى القيروان] بدون أى أسوار تحميها وبقيت مدينة مفتوحة قرابة قرن من الزمان. وحصنت المدينة لأول مرة فى عام 144 هـ/ 762 م بأسوار بلغ سمكها عشرة أذرع على نحو ما ذكر (البكرى). وكان عهد يزيد ابن حاتم المهلبى (155 - 171 هـ/ 771 - 787 م) عظيم القيمة فى حياة المدينة فقد قام بتنظيم الأسواق [حيث جعل لكل حرفة سوقا خاصا بها] وتحديد أنشطة كل منها، كما كان رجلا ذا مكانة سامية حتى استطاع أن يجذب إليه الشعراء والعلماء حتى أصبحت القيروان نفسها واحدة من أعظم مراكز الحضارة الإسلامية. كما بلغت الغاية فى القرن 3 هـ/ 9 م عندما أصبحت حاضرة لإمارة مستقلة [أى الأغالبة] وقد أسست مدينة جديدة محصنة كمستقر للأمير الأغلبى عرفت بالعباسية [القصر القديم وتقع على بعد 3 أميال جنوبى القيروان] فى سنة 184 هـ/ 800 م تقريبًا، ومن بعدها أسست مدينة أخرى أكثر ثراءً وخصوصية وهى مدينة رقادة فى سنة 263 هـ/ 877 م.

وقد أصبحت المدينة فى غاية الأهمية وبدأت تقلق السلطات ولم تعد هناك حاجة إلى أن تكون محصنة ولذلك تم تدمير أسوارها السابق الإشارة إليها.

ويذكر البكرى أن الشارع الرئيسى (السماط) كان "طوله من باب أبى الربيع إلى الجامع ميلين غير ثلث ومن الجامع إلى باب تونس ثلثى ميل".

ويضيف البكرى أن بالقيروان "ثمانية وأربعين حماما، وأحصى ما ذبح بالقيروان فى بعض أيام عاشوراء من البقر خاصة بتسعمائة وخمسين رأسا. . " أما اليعقوبى (من أهل النصف الثانى من القرن 3 هـ/ 9 م) فيذكر أن أهل القيروان مزيج من السكان ما بين عرب من قريش ومضر وربيعة وقحطان وقبائل أخرى والفرس من خراسان [آسيا الوسطى] وأخيرًا البربر من الروم وغير ذلك.

ص: 8450

وبسبب كثرة أهل القيروان لم يعد نظام الماء الذى نظم منذ عهد هشام بن عبد الملك (105 - 125 هـ/ 734 - 743 م) كافيا لسد احتياجات المدينة ولذلك تم بناء خزانات عديدة للمياه [المواجل] فى عهد الأغالبة، ولا تزال بقايا الماجل العظيم الذى أسسه أبو إبراهيم أحمد (242 - 249 هـ / 856 - 863 م) عند باب تونس تبعث على الاعجاب، وكان هذا الماجل أعظم المواجل الخمسة عشر شأنا وأفخمها منصبا على حد قول البكرى [المغرب، ص 26].

وقد تمت زيادة وتوسعة الجامع الكبير -الذى يعد أقدم وأعظم العمائر الدينية فى الغرب الإسلامى- فى فترات كثيرة حتى وصل إلى ما هو عليه الآن.

واكتسب شكله الحالى ونسبه المعمارية فى القرن 3 هـ/ 9 م [أى فى عهد الأغالبة] باستثناء بعض التفاصيل ومنها مئذنته [الصومعة] التى من المحتمل أن تكون قد بقيت فى عهد هشام بن عبد الملك. وقد قام زيادة اللَّه الأول فى سنة 221 هـ/ 836 م بهدم الجامع بكامله وإعادة بنائه من جديد باستثناء المئذنة التى بقيت على حالها فضلا عن الاحتفاظ بنفس حدوده الخارجية التى كان عليها منذ عهد عقبة ابن نافع، كذلك قام أبو إبراهيم أحمد بالزيادة فيه وبزخرفته فى سنة 248 هـ/ 862 - 863 م ومنذ ذلك الوقت لم تغير أعمال الترميم والزخرفة شيئا من مظهره الأصلى. وقام المعز بن باديس الزيرى بإهداء الجامع المقصورة الحالية [وتعد أقدم مقصورة باقية فى العمارة الإسلامية]. ومن الترميمات والزخارف الأخرى للجامع ما حدث فى عهد الحفصيين وكذلك خلال القرون 17 - 18 - 19 م. أما أحدث الترميمات التى أجريت مؤخرا فترجع إلى ما بين عامى 1970 - 1972 م.

وأصبحت القيروان فى القرن 3 هـ/ 9 م أحد المراكز الرئيسية للثقافة الإسلامية، كما كانت تمثل هى والكوفة والمدينة الحواضر الثلاثة الكبرى للعلوم

ص: 8451

الإسلامية، وبرزت بها أسماء شخصيات لامعة منها يحيى بن سلامة البصرى (124 - 200 هـ/ 741 - 815 م) صاحب التفسير المعروف الذى يعد أول أثر هام للتفاسير الإسلامية، وأسد بن الفرات (حوالى 142 - 213 هـ/ 759 - 828 م)، والفقيه سحنون (حوالى 160 - 240 هـ = 777 - 854 م) الذى كان بلا شك أعظم رجال ذلك العصر والذى أصبح كتابه الموسوم بالمدونة مرجعا دينيا لرجال القيروان، وقد حضر دروسه العديد من الطلاب ومن بينهم طلاب من الأندلس، ونعرف ما لا يقل عن 57 طالبا قاموا بنشر تعاليمه. هذا ولم يبق لدينا أى من الأعمال الكبيرة فى مجال فقه اللغة وإن كان أبو بكر الزبيرى قد أفرد لها أحد فصول كتابه المسمى طبقات النحويين واللغويين. كذلك برزت فى مجال الطب أسماء لامعة مثل زياد بن خلفون وإسحاق بن عمران وإسحاق بن سليمان وقد ترجمت أعمالهم إلى اللاتينية على يد قنسطنطين الإفريقى فى القرن 5 هـ/ 11 م ودرست فى سالرنو. ولم يكن عهد الفاطميين الشيعة مفضلا بكل تأكيد لهذه القلعة السنية، وقد ادعت قبيلة كتامة المنتصرة أن من حقها سلب تلك المدينة الغنية كمكافأة لجهودهم. [وعلى الرغم من إنشاء مدينة منافسة لها، وهى صبرة - المنصورية (336 هـ/ 947 - 948 م) والتى كان مقدرًا أن ينتقل النشاط التجارى إليها إلا أن القيروان حافظت على ازدهارها واستطاعت أن تتغلب على بعض الكوارث الطبيعية مثل الزلازل (كزلزال سنة 299 هـ/ 911 - 912 م) وحريق الأسواق (فى ذى الحجة 306 هـ/ 17 مايو 919 م) والمجاعة (التى حدثت فى 308 هـ/ 920 - 921 م) ووباء (317 هـ/ 929 م).

وقد ساهم الخليفة الفاطمى المعز فى مشكلة إمداد المدينة بالمياه وذلك عن طريق نظام القنوات المشيدة التى تصل إليها المياه من الجبل وتصب فى الخزانات بعد مرورها بقصره فى

ص: 8452

صبرة. وازدادت مساحة المدينة فى ذلك الوقت وأصبح يقطعها 15 دربا كما ازداد عدد سكانها.

ثم أصيبت القيروان بعد ذلك (مثلها مثل باقى إفريقية) بحالة من الجمود وهو الأمر الذى أدى فى النهاية إلى تدهورها. إن انتقال الخلافة الفاطمية إلى القاهرة (فى سنة 361 هـ/ 972 م) كان ضربة قاضية لإفريقية حيث حمل الفاطميون معهم كنوزهم المعدنية الثمينة إلى مصر كما فقدت القيروان للأبد دورها كعاصمة وتعرضت القيروان بعد ذلك ببضعة عقود وبالتحديد فى سنة 395 هـ/ 1004 - 1005 م إلى المجاعة والوباء المدمر وما ترتب على ذلك من هجر السكان للمدينة وإصابتها بالشلل واتجه البعض منهم إلى صقلية.

وأجبر التجار بعد ذلك ببضعة سنوات وبالتحديد فى سنة 405 هـ/ 1014 - 1015 م على نقل تجارتهم إلى صبرة كما تقلصت مساحة المدينة ورجعت إلى ما كانت عليه فى زمن عقبة ابن نافع.

وإذا كانت المعلومات المتوفرة بمصادرنا صحيحة فإن مساحة المدينة قد انكمشت إلى ثلث ما كانت عليه وقت ازدهارها، وإن كان ذلك لم يمنع ظهور بعض الأسماء اللامعة فى شتى المجالات مثل ابن أبى زيد القيروانى (توفى 386 هـ/ 996 م) والقابسى (توفى 403 هـ/ 1012 م) فى مجال الفقه المالكى والطبيب ابن الجزار (توفى حوالى 395 هـ/ 1004 م) والمؤرخ ابن الرقيق (توفى بعد 418 هـ/ 1028 م) والفلكى ابن أبى الرجال (توفى حوالى 426 هـ/ 1034 - 1035 م) والذى ترجم كتابه "أحكام النجوم" إلى اللاتينية والعبرية وغير ذلك.

كما ظهر من الشعراء ابن رشيق القيروانى (توفى 456 هـ/ 1064 م) وابن الشريف (توفى 460 هـ/ 1067 م) وآخرون غيرهم، ولكنهم كانوا آخر الشموع المضيئة فى مدينة تحتضر.

وكانت آخر الضربات التى وجهت للمدينة من قبل الهلاليين الذين استقروا

ص: 8453

فى المهدية وقاهوا بنهب القيروان وذلك فى غرة رمضان 449 هـ/ أول نوفمبر 1057 م أى بعد يومين من مغادرة المعز لمدينة صبرة.

ويمثل منتصف القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى نقطة تحول فى تاريخ ليس فقط القيروان ولكن كل إفريقية أيضا حيث يحدد هذا التاريخ نهاية فترة مزدهرة تماما من جهة وبداية فترة أقل ازدهارًا من جهة أخرى، فقد سيطر البدو على مقاليد الأمور فى البلاد حتى القرن التاسع عشر الميلادى وتحولت القيروان فى ظل هذا المناخ العام من مدينة رئيسية كبرى إلى مدينة فقيرة، كما استمرت هجرة أهلها وأخذت مساحتها فى التقلص والانكماش، ويذكر الإدريسى (من منتصف القرن السادس الهجرى) أنه لم يتبق من القيروان سوى أطلال عبارة عن أسوار غير كاملة من الطوب تحيط بها، كما قام البدو (العرب الرحل) بفرض ضرائب باهظة على الأهالى الذين لم يكن لهم حول ولا قوة، كذلك اختفت كل من رقادة وصبرة تماما، وعموما فقد أصبحت المدينة فى أسوأ حالاتها.

وسرعان ما تمتعت المدينة بفترة السلام النسبى خلال عهد الموحدين وبصفة خاصة خلال عهد خلفائهم من الحفصيين مما أتاح للمدينة أن تنتعش قليلا.

ودعمت بأسوار أفضل فى القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى. ومع بزوغ حركة المرابطين بدأت المدينة تمتلئ بالزوايا، وقد شكلت العناصر البدوية النسبة الكبرى من سكان المدينة ولكنهم لم يكونوا على درجة كبيرة من التحضر.

والحق أنه بدأت فى القيروان حياة جديدة وإن اتصفت بمستوى شديد التواضع إذا ما قورن بعظمتها السابقة. وأصبحت القيروان سوقا ومركزا تجاريا للبدو، وبالرغم من تواضع أسواقها إلا أنها استمرت فى عرض المنتجات الهامة مثل الجلود والملابس والمعادن.

ص: 8454

وقد وصفها (ليو الإفريقى) الذى زارها فى يناير 1516 م، أى فى أواخر العصر الحفصى، واحتلت القيروان فى بداية عهد الحسنيين المكانة الثانية فى البلاد، وكتب الوزير السراج (توفى 1149 هـ/ 1736 - 1737 م) فى بداية القرن 18 م أنها من أكبر المدن المعروفة فى إفريقية بعد تونس، وزار المدينة ديسفوتيان فى يناير 1784 م وذكر "أنها ثانى أكبر مدن المملكة بعد تونس كما أنها أنظف منها ومبنية بطريقة أفضل، وتعتبر تجارة جلود الحيوانات هى التجارة الرئيسية بها كما يقوم السكان بعمل الأقمشة الصوفية، والناس هناك أسعد حالا من غيرهم حيث تم إعفائهم من الضرائب نظير الخدمات التى قدموها لجد البك الحالى".

وقد ذكر الجميع أن المدينة التى أسسها سيدى عقبة، بالرغم من الخراب الذى حل بها، إلا أنها حتى وقت إعلان الحماية الفرنسية كانت أكثر انتعاشا من المدن الأخرى التى كانت تتمتع بمواقع أفضل.

وظلت القيروان حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادى العاصمة الروحية للبلاد كما حافظت على مكانتها الدينية، حيث اعتبرت حتى ذلك الوقت مدينة مقدسة وحرم على غير المسلمين دخولها، وهى الآن لا تتمتع بهذه المكانة المقدسة وللسياح حرية التنقل بين معالمها الدينية.

وأما من حيث عدد سكانها فهى تحتل المرتبة الخامسة على مستوى البلاد، وما تزال القيروان قادرة على جذب صفوة الزائرين.

وعند التحدث عن توحيد دول المغرب، فإن هناك من يرى أن القيروان يجب أن تكون عاصمة هذا الاتجاه الفيدرالى للدول المستقلة لكونها العاصمة الروحية للمسلمين منذ عدة قرون وبذلك تكون رمزًا مناسبا لاستعادة عظمة العالم الإسلامى الماضية.

د. محمد حمزة الحداد [م. طالبى M. Talbi]

ص: 8455