الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثقافة:
وتزخر قيصرية بالآثار المعمارية ولازال بها من آثار تلك العهود القلعة الداخلية وقسم كبير من السور الذى كان يحيط بها وكذلك عدة مدارس ومساجد ومقابر وخانات يرجع بعضها إلى العصر السلجوقى، ومن الآثار التى تشتهر بها قيصرية قبر "بطال غازى" وكذلك قبر سيدى برهان الدين شيخ جلال الدين الرومى، كما توجد بقيصرية سبع مدارس ترجع إلى زمن السلاجقة، وكان يوجد بالمدينة زمن السلطان سليمان القانونى ثلاثة مساجد كبيرة تقام بها صلاة الجمعة، إلى جانب عشرين مسجدا صغيرا، وعشر مدارس وسبع عشرة زاوية وثلاثة حمامات ومائة وسبعة حوانيت على أن بعض رحالة القرن التاسع عشر الميلادى يصفون مدينة قيصرية فى أيامهم بالقذارة لوجود السلخانة بها ومصنع تصنيع اللحوم وصناعة دبغ الجلود والصباغة.
واشتهر أهل قيصرية الأناضول بشدة تمسكهم بالإسلام السنى، ويزعم الرحالة "كابى نورى نيكولاس" أنه لا يمكن ليهودى أن يعيش أبدا فى قيصرية وتفسير ذلك عنده أن ما عليه أهلها من المهارة والجد لا يسمح بالتواجد والقول الشائع فى تركيا أن لأهل قيصرية ميلا قويا للعمل وأنهم أهل جد ودأب.
د. حسن حبشى [ر. ريننجس R. Rennings]
قيصرية فلسطين
قيصرية (وقد يقال عنها قيسارية) وباللغات الأجنبية Caesarea وهو اسم كان يطلق أيام الأمبراطورين الرومانيين أوجستوس وطيبريوس على أكثر من هذه المواضع سوى مكانين فقط يحملان هذا الاسم (انظر ياقوت فى معجمه تحت كلمة قيسارية). أما الموضع الأول فبلدة على الساحل الفلسطينى كانت معروفة فى القديم باسم قيصرية البحرية Ma-Caesare ritima وهى تبعد عن حيفا من ناحية الجنوب قرابة خمسة وعشرين ميلا، وقد أنشاها جماعة من أهل صيدا فى
القرن الرابع قبل الميلاد وسموها "برج سترابو". ثم جاء هيرودوس الكبير فبناها سنة 13 أو 10 ق. م. وسماها بقيصرية تمجيدا لمولاه أوجستوس [قيصر]، وسرعان ما اندثر الاسم القديم ونسيه الناس، وازدهرت هذه المدينة الجديدة ازدهارًا يرجع الفضل فى بعضه إلى ما تتمتع به من مرفأ لطيف يعتبر الميناء الأساسى لسبسطية وكانت معقلا للقوة الهيلينية الرومانية رغم -سكانها اليهود وما كانت تتمتع به من تعليم يهودى حتى أن جزءا من التلمود الفلسطينى كتب بها، وظلت حتى دخول العرب فيها تعتبر عاصمة ولاية فلسطين الرومانية ثم البيزنطية وعُدت مركزا هاما من مراكز تعليم التعاليم المسيحية بفضل أسقفيتها واعتبارها معقل الأسقفية كلها، فلما كان القرن الرابع الميلادى تولى أسقفيتها "بوسيبوس".
إن أخبار فتح قيصرية الواردة فى المصادر الإسلامية متأثرة بالحقيقة الثابتة إلا وهى أن هذه المدينة المنيعة الحصانة والتى تتمتع بقوة دفاع عظيمة كانت تعتبر فى عيون المسلمين جماع القوة المسيحية والبيزنطية فى فلسطين، وأنها آخر ما قد يمكن أن يقع من الأماكن فى أيدى العرب ولما سقطت فى أيديهم كان هذا السقوط ذروة النجاح الإسلامى فى فلسطين لذلك فإن ما ورد عنها من الأخبار فى هذه المصادر يفوق فى كمه وتفصيله الأخبار المتعلقة بالقدس، ولقد بولغ فى تقدير عدد المدافعين عنها تمجيدا لهذا الفتح، وحتى ليذهب خبر من الأخبار للقول بأن من حوصروا بها كانوا 930000 مقاتل إزاء سبعة عشر ألف مسلم (فتوح البلدان للبلاذرى 31، ولكن انظر بارهبريوس حيث يقدر عدد المدافعين عنها بسبعة ألاف رجل فقط) وقد ظل عمرو بن العاص قائما على حصارها حتى غادرها إلى مصر، وكان معه فى الحصار عياض بن غُنم.
وقد جاء فى أسد الغابة أنه هو الذى فتح الجزيرة وصالحه أهلها وهو أول من اجتاز الدروب، وقد مات سنة عشرين للهجرة وكان إسلامه قبل الحديبية وشهدها، وكان يسمى؛ زاد الركب.
وقد تم الاستيلاء على المدينة فى شوال سنة 19 هـ (سبتمبر/ أكتوبر 640 م) بعد حصار يبدو أنه دام سبعة أشهر، ولكن بولغ فيه فى كثير من المصادر العربية فجعلته سبع سنوات، ووقع فى أشر المسلمين يومذاك أربعة آلاف محارب (راجع الفتوح للبلاذرى 140 - 141، 212 فتوح مصر لابن عبد الحكم 57 - 58، وتاريخ اليعقوبى 172 - 173 والعقد لابن عبد ربه جـ 1 ص 124، ومعجم البكرى 757، وتاريخ ابن عساكر جـ 4 ص 395). ولقد اعتبر قيصرية الشام هذه مركز دفاع رئيسى تحول بين نزول البيزنطيين إلى الساحل، كما اغتنم الروم ثورة عبد اللَّه ابن الزبير وقاموا بمهاجمة كل من قيصرية وعسقلان وخربوهما، ولكن ما كاد عبد الملك بن مروان يجمع السلطة فى يده حتى رمم الموضعين وأعاد تحصينهما وتحصين مناطق أخرى ساحلية مثل عكا وصور (البلاذرى ص 142) غير أن عزوف العرب عن ركوب البحر [آنئذ] جعل من الصعوبة بمكان على الخلفاء الأمويين حمل المقاتلين العرب على الاستقرار فى المدن الساحلية.
ومرت قيصرية الشام بطور من التدهور زمن العباسيين الذين صرفوا عنايتهم إلى ولاياتهم الشرقية لعدم اهتمامهم الاهتمام الواجب ببلاد الشام وقام أحمد بن طولون (254 - 270 هـ/867 - 883 م) بتحصين الساحل الفلسطينى مرة ثانية، لكننا لا نجد أية إشارة إلى هذا الموضوع يتعلق بقيصرية التى كانت الرمال قد ملأت ساحلها يومذاك.
ويلاحظ أن جغرافيى العرب من أهل القرنين الثالث والرابع الهجريين (التاسع والعاشر الميلاديين) وناصر خسرو (رحالة القرن الخامس الهجرى) يعبرون إلى خصوبة إقليم قيصرية الشام ووفرة منتجاتها الزراعية وإن كانوا قد أمسكوا عن الإشارة إلى مينائها (انظر المقدسى 35، 154، وناصر خسرو فى سفر نامة 18، والإدريسى ولى سترانج فى فلسطين فى ظل الحكم الإسلامى)، غير أنه فى سنة 36 هـ (975 م) قام الأمبراطور
البيزنطى حنا الشميشيق فاعتدى على الأراضى الإسلامية وتوغل جنوبا حتى بلغ مشارف قيصرية، ولكن ما لبث أن وافاه أجله، إلا أن الخطر القديم الذى كان يهدد رخاء المدينة إنما جاء هذه المرة من ناحية بدو بنى جراح وهم من قبائل طئ وكانوا بقيادة شيخهم "مفرج ابن دغفل" الذى اغتنم فرصة ما اتسمت به خاتمة حكم الإخشيديين من الاضطرابات فتمكن فى سنة 360 هـ (971 م) فى دعم مركزه فى السهل الساحلى لاسيما حول الرملة. واستغل نفوذ هؤلاء البدو فى خلال نصف القرن الأول من حكم الفاطميين حتى لقد استطاع مفرج بن دغفل من محاصرة المدن الساحلية فيما بين عامى (397 و 404 هـ حاكما تابعا له 1014 و 1012 م) ثم ذهب أبعد من ذلك حين أقام من مدن فى فلسطين (راجع يحيى بن سعيد الأنطاكى، طبعة شيخو ص 160، 201)، فلما كانت سنة 414 هـ (1024 م) عين الخليفة الظاهر والى قيصرية وهو منتخب الدولة عاملا على فلسطين وفوضه السلطة الكاملة فى القضاء على بلاد حسن بن مفرج الذى كان قد خلف أباه فى قيادة بنى جراح (انظر خطط المقريزى، طبعة القاهرة 1270، جـ 1 ص 354).
وعلى الرغم من أن قيصرية لم تشتهر بأنها مركز إسلامى للعلم إلا أننا نطالع فى المصادر أسماء بعض علمائها ممن عاشوا بها ودرسوا فيها (معجم البلدان لياقوت جـ 4 ص 124، 778، وابن تغرى بردى النجوم الزاهرة جـ 2 ص 204، وابن عساكر جـ 4 ص 185، 232، 460).
لم تهدد الحرب الصليبية الأولى قيصرية تهديدا خطيرا إلا أنه فى عام 494 هـ (= 1101 م) قام الصليبيون بعد اعتلاء بلدوين الأول عرش القدس بمهاجمة المدينة يعاونهم فى هذا الهجوم أسطول جنوة، وبعد أن سقطت أرسوفيوم 27 جمادى الثانية (29 أبريل) حاصروا قيصرية وسقطت فى أيديهم يوم 17 مايو، ولقد كوفئ الجنوية لقاء مساهمتهم فى الغزو بأن
صار لهم ثلث المدينة وأذن لهم بتسمية الكاتدرائية الثانية الموجودة فى المدينة بكاتدرائية راعية سان لورننزو (فيما يتعلق بالفتح راجع المبتدأ، ابن خلدون جـ 5 ص 186)، وبعد أن تم فتح قيصرية استقلت بها أسرة "جارنييه" فكانت من الأسر الأولى التى تاسست فى هذا الإقليم، (انظر رنسمان الحروب الصليبية) وبنى الصليبيون فى قيصرية مرفأ صغيرا داخل حدود المدينة القديم الكبير، وزاد عدد سكانه اللاتين حتى بلغوا ما يقرب من خمسة آلاف نسمة، وهو عدد ضخم فيما يتعلق بسكان المدن الصليبية، وفى سنة 583 هـ (1187 م) بعد وقعة حطين واحتلال عكا تيسر فتح قيصرية فلسطين على يد قائدين من قواد صلاح الدين هما بدر الدين دالدرم وغراس الدين خلج (انظر الروضتين لابن هامة 2 ص 356، وابن الأثير الكامل جـ 11 ص 356، والفتح القسى للكاتب الأصفهانى ص 33). ولما أخذت طلائع جيوش الحرب الصليبية الثالثة فى الظهور وأدرك صلاح الدين ضعفه فى البحر، ولما كان شديد الحرص على ألا يتمكن الصليبيون من النزول إلى الساحل فقد أمر فى سنة 586 هـ (1190 م) بهدم تحصينات قيصرية (انظر السلوك 1/ 10، 104 والأنس الجليل لمجير الدين 324) ثم عاد ريتشارد قلب الأسد فاحتل قيصرية مرة ثانية فى العام التالى وأقيمت بها حامية قوية، ولقد ظلت تحصينات البلد مهدمة حتى جاءت سنة 615 هـ (1218 م) فأجمعوا العزم على إعادة بناء القلعة على المرفأ الجنوبى من الميناء، ولما كانت سنة 617 هـ (1220 م) استعد الملك الأيوبى المعظم عيسى لاحتلال قيصرية فى الوقت الذى كانت فيه قوات الصليبيين الرئيسية تحاصر دمياط ولكن وجدها خالية تماما فقد أخلت البحرية الجنوبية القلعة من السكان (ابن تغرى بردى جـ 6 ص 239). وبقيت المدينة من الناحية الاسمية أو الشكلية فى أيدى المسلمين سنة 656 هـ (1228 م) حين
سلمها الملك الكامل سلطان مصر إلى الإمبراطور فردريك الثانى هى والقدس وغيرهما من البلاد الفلسطينية، وبعد قدوم الملك لويس التاسع إلى الأراضى المقدسة سنة 648 هـ (1250 م) شرع فى إقامة تحصينات جديدة وتم له الفراغ منها فى إبريل أو مايو 1252 م، وكان الترحيب بما أنجز عظيما باعتباره أعظم وأجمل مبنى فى فلسطين (انظر جوانفيل: القديس لويس) وكان العمل الذى تم فى هذا الوقت يتضمن بناء كل المدينة وإقامة حصن يحمى البلد من البر والبحر على السواء وكشفوا عن خندقها القديم وأزالوا ما به من تعديات وعمقوه، وبذلك أعطوا سور المدينة أقصى ما يمكن من الارتفاع إذ بلغ حوالى سبعين قدما (واثنين وعشرين مترا)، ولكن لم تستطع كل هذه التحصينات المنيعة إنقاذ قيصرية حين أجمع المماليك العزم على هدم كل ما بقى من المعاقل الصليبية على طول الساحل الشامى وذلك حين أمكنهم دحر الغزو المغولى سنة 658 هـ (1260 م) فلما كان بعد أربع سنوات من هذا التاريخ (622 هـ - 1264 م) كان أول هجوم للمماليك على نواحى قيصرية وعثليث بقيادة الأمير ناصر الدين القيصرى، إلا أن الحملة الأخيرة بقيادة بيبرس جرت عام 663 هـ (1265 م) حين شن المماليك هجوما ضاريا أرغم المدافعين على الارتداد إلى القلعة المسماة فى المصادر العربية باسم "الخضراء" كما اضطر الصليبيون تحت وطأة قصف منجنيق بيبرس إلى طلب التفاوض وتم رحيلهم يوم الخامس من مارس 1265 م على ظهر السفن وأمر السلطان يومئذ بهدم الحصن، وكان احتلال المماليك لقيصرية مساعدا لهم على حرية التحرك كيفما شاؤوا فعرجوا جنوبا على يافا وأرسوف، وشمالا على عثليث وعكا (مرآة الزمان لليافعى جـ 4 ص 161، والسلوك جـ 1 ص 526 - 528 صبح الأعشى للقلقشندى جـ 3 ص 434، مفضل بن أبى الفضائل فى Patrolagia جـ 12 ص 132 - 133).