الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تاريخها:
كان عقبة بن نافع أول من دخل قسطيلية، ثم تَمَّ فتحها "صلحا" وبدون مقاومة على يد حسن ابن النعمان الذى صالح أهلها النصارى على شروط حسنة مجزية، ولما تقدمت الأيام أصابها بطبيعة الحال رذاذ من الأهوال التى أضرت ببقية افريقية لاسيما بسبب فتن الخوارج التى أضرت ببقية افريقية لاسيما بسبب فتن الخوارج التى اندلعت فى القرن الثانى للهجرة (الثامن الميلادى) ومن جراء ثورات الجند الأغالبة والحروب ضد الخارج الفاطمى وظهور أبى يزيد النكارى، وترتب على هذه الاضطرابات أن أكثر أتباع الأباضية هناك ونجح الشيعة بعض النجاح لاسيما فى "نَقْطة". يضاف إلى ذلك أن هجمات بنى هلال فى منتصف القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) ساعدت على قيام إمارة صغيرة مستقلة سرعان ما اغتصبها "بنو الرند" أصحاب قفسة كما صارت قسطيلية بذلك أرضا متنازعا عليها وعرضة لهجمات قراقوش وبنى غانية، فلما كان زمن الحفصيين (أعنى مستهل القرن الثامن الهجرى)(الرابع عشر الميلادى) ظهرت دويلة صغيرة يحكمها بنو يملول ونفر من المشيخة، واتسم وجودها بالمتاعب الشديدة حتى زالت على يد أبى فارس سنة 802 هـ (= 1400 م). ولقد زادت فوضى القرن التاسع عشر من بؤس الإقليم الذى كابد شدة من الضرائب المرهقة التى لاحقته بها الحكومة فى عنف بالإضافة إلى جانب عدم وجود من يتصدى لهجمات البدو ليردعهم.
الجغرافية التاريخية:
لا يقتصر اسم قسطيلية على وروده كبلد فى تونس وحدها إذ يذكر ياقوت الحموى فى معجمه "قسطلّة"(بتشديد اللام المفتوحة) فى الأندلس، وكذلك "قسطيلية" فى إقليم البيرة، كما يشير إلى موضع بين حلب ودمشق يسميه بقسطل، كما أن إحدى القلاع القديمة كانت تعرف بقسطيلية. وعلى أية حال فالكلمة مشتقة من اللفظ اللاتينى Castells أى القلعة أو الحصن، وقد
استعملها العرب الذين دخلوا البلاد وقصدوا بها "توزر" ثم عمموها فأطلقوها على كل الإقليم المتصل بها وتبعا لما يقوله اليعقوبى المتوفى ما بين 282 و 292 فإن هذا الإقليم كان يتألف من أربع واحات "أكبرها توزر" مقر الولاة، وثانيها الحامة، ثم "تقيوس والرابعة نفطة". فأما تقيوس فقد زالت ولم يعد لها وجود اليوم. وقد ذكر هذا القسم معظم الجغرافيين المتأخرين لاسيما البكرى وياقوت. أما ابن حوقل والمقدسى والإدريسى فقد اكتفوا بإيراد صفات هذه المدن دون أن يفصلوا سعة الإقليم وحَدُودَه. ونجد أن قسطيلية التى تعرف الآن ببلاد الجريد واردة عند المؤلفين المتأخرين ويقصدون بها "قفسه" فى الشمال وبلاد "نفزاوة" فى الجنوب، بل وأيضا قابس وجزيرة جربة. ولقد ظهر اسم "بلاد الجريد" أو "الجريد" فقط لأول مرة بعد منتصف القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) فى كتابات ابن خلدون، وأخذ اسم "قسطيلية" القديمة فى التلاشى بالتدريج حتى لم يعد أحد من المحدثين يعرفها سوى المتخصصين وإذا كان التيجانى المتوفى قد ذكرها فإنما كان ذكرهم إياها فى معرض اقتباسهم نصا من المؤلفين القدامى، حتى أن ليو الافريقى الذى زار تونس سنة 1517 لم يكن يعرف شيئا قط عن قسطيلية، كما أنه لم يكن بها إلى القرن الثالث الهجرى (= التاسع الميلادى) عنصر عربى يعتد به لذلك يقول اليعقوبى إن سكانها ليسوا عربا ولكنهم من ذرية الرومان القدماء والبربر والأفارقة من نسل اللاتين والبربر المنتصرين. ولما تكلم ابن خلدون عن اضطرابات 224 هـ (839 م) نراه يذكر زواغة ولواته وبربر فكناسة (انظر العبر 4/ 428) لم يحدث أى تغيير كبير فى الخريطة السكانية حتى منتصف القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) إلى أن جاءت الهجمات الهلالية فجاءت معها إلى قسطيلية ببنى سليم خاصة، وتغيرت الخريطة السكانية منذ ذلك التاريخ تغيرا ملحوظا وسارت المسيحية فى طريق التلاشى بعد أن كانت راسخة الأقدام بها، ولم
تفت هذه الملاحظة التيجانى صاحب الرحلة بل استلفتت نظره فى عام 706 هـ (= 1306 م) كثرة وجود الكنائس التى صار بعضها أطلالا وبعضها مهجورا، كما أشار فى فزع إلى تفشى ظاهرة أكل لحوم الكلاب.
ويجمع الكتاب العرب فى العُصور الوسطى على وصف قسطيلية بأنها بلد غنى عظيم الازدهار، كما يقدر البكرى جبايتها بمائتى ألف دينار وذلك فى منتصف القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى)، على جين بلغت جباية قفسه خمسين ألف دينار فقط.
وقد تعجّب ابن خلدون (وهو من أهل القرن الثامن الهجرى = الرابع عشر الميلادى) من كثرة سكان قسطيلية كما كان بها نظام دقيق للرى استلفت أنظار جميع من شاهدوه. هذا إلى جانب وفرة انتاجها من التمر، ويشير اليعقوبى إلى زراعة هامة هى زراعة الزيتون التى اندثرت بعد ذلك. ويشير ابن حوقل فى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) إلى أن زراعة قصب السكر بقسطيلية كانت من أعظم الزراعات انتاجا، لكنها ما لبثت أن تضاءلت (على حد قول البكرى) فى القرن التالى وحدث مثل ذلك لزراعة الموز.
ومن ناحية أخرى نجد أن هذا الإقليم كان ينتج من الفاكهة والحمضيات والأترج كميات لا يجاريه فيها أى إقليم آخر، كما كان يزرع به الكتان والحناء والكمون، ويصاد به ثعلب الفنك لفرائه الغالى، ويذكر ابن حوقل أن قسطيلية كانت فى عصره مركزا تجاريا هاما حافلا بالتجار من شتى الأقطار، وكان أهم ما تصدره القمح الذى يسعى المُشْترون إليه ويدفعون فيه أثمانا غالية كما أن قسطيلية كانت تصدر التمر فكان كل حمل بعيد بدرهمين كما يقول المقدسى. كما يكثر بها الصوف لكثرة ما بها من الأغنام التى يعنى الأهالى بتربيتها، ومن ثم كانت قسطيلية مركزا لتصدير المنسوجات الصوفية. وليس من شك فى أن التجارة التى كانت تمر عبر