الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منذ القرن الخامس الهجرى ولقد ألقت الحكومة القبض على كبيرهم فتح على خان وصادرت كثيرًا، من أملاكه فى "أسفندقة" و"جيرفت" وتزعم إحدى الروايات أن قبائل المهينى، جاءت أصلًا من خراسان إلى اسفندقة زمن الصفويين. ويذكر الإصطخرى أن أهل جبال البارزى كانوا أشرَّ من لصوص القفصيين وأنهم لم يدخلوا فى الإسلام حتى زمن العباسيين، وأنهم استمروا رغم إسلامهم سادرين فى شرورهم، وقد تغلب على جموحهم يعقوب بن ليث وعمرو بن ليث وكانت لهم كما يقول الإصطخرى لهجة خاصة بهم.
وعلى الرغم مما يقرره نولدكه من أن هناك هجرات عربية إلى كرمان قبل الفتح الإسلامى إلا أنه لا يوجد من العرب كثيرون قد استقروا خلال الأيام الأولى للفتوحات الإسلامية ذلك لأن الجيوش العربية استمرت فى زحفها من كرمان إلى سيستان وخراسان أما من استقر من العرب وهم قلة فقد اندمجوا فى أهل البلاد، ويقول ياقوت إن هناك وجودًا لجماعات فى جيرفت يرجعون إلى الأزديين وبنى المهلب.
الفتح العربى:
لقد بدأ فتح العرب لكرمان حوالى سنة 17 هـ على يد "الربيع بن زياد" الذى أرسله أبو موسى الأشعرى والى البصرة حينذاك فغزا سرجان وعقد معاهدة مع سكان "بام" ثم قامت حملة عربية ثانية بقيادة عثمان بن أبى العاص الثقفى والى البحرين الذى قتل "مرزبان" كرمان لكن ذلك كله لم يؤد إلى فتح كرمان تمامًا، وحدث فى سنة 29 هـ (= 649 م) أن يزدجِرْد آخر ملوك بنى ساسان فرَّ من أصفهان إلى كرمان ثم إلى خراسان فطارده معظم الجيش العربى بقيادة "مجاشع بن مسعود السلمى"، لكن هلك هذا الجيش عن آخره فى الثلوج وكان مجاشع هذا قد استولى على كثير من المدن الكبرى حتى جبال قُفص، ثم كانت أحداث بين الجانبين الفارسى والعربى لا تُعرف على حقيقتها (انظر البلدان لليعقوبى) ولقد أصبحت كرمان زمن الأمويين مسرحا لعمليات الخوارج الحربية فقد فر الأزارقة إليها سنة 68 هـ، ثم تجمعوا بعد خمس سنوات من ذلك
التاريخ تحت قيادة قطرىّ بن الفجاءة واستولوا على فارس وكرمان وانضم إليهم جمع من الأهالى، وامتد خطرهم إلى العراق فهب المهلب بن أبى صفرة لقتالهم وهزمهم وقضى على جموعهم، ومع ذلك فقد ظلت كرمان بؤرة ساخنة تعج بالمتمردين وملجأ يحمى الثوار، فقد فرَّ إليها ابن الأشعث سنة 82 أو 83 هـ، ولما فشلت ثورة يزيد بن المهلب أحكم الأمويون قبضتهم على كرمان عن طريق والى خراسان الذى كان يحكم البلد عن طريق نائب له بها، حتى إذا كانت سنة 130 هـ وقام "محارب ابن موسى"، بعد إخراجه ولاة بنى أمية من كرمان وهاجمها لكن لم يُقَدر له النجاح فى الاستيلاء عليها، وفى سنة 131 هـ خرج جيش أموى من كرمان لمعارضة بعض العباسيين ولكنه هزم قرب أصفهان.
وكان العباسيون الأوائل يعينون ولاة كرمان التى ظلت معظم الوقت تحت رقابة خراسان، وسَكّ العباسيون فى كرمان عملة تحمل اسمهم سنة 167 هـ، ولما كان زمن الرشيد احتل حمزة بن عبد اللَّه هرات ووصل نفوذه إلى فارس وكرمان التى كان لا يزال بها عدد غير قليل من الخوارج الذين يبدو أنهم نفضوا عنهم غبار الهزائم التى أصابتهم أواخر عصر بنى أمية.
أما من الناحية المالية فقد بلغ خراج كرمان وعُمَان 2.600.000 دينار وكان ولاة كرمان (منذ عهد المعتصم) من الترك حتى إذا كانت خلافة المهتدى ثار محمد بن واصل التميمى سنة 250 هـ واستولى على فارس وكرمان، فبعث المعتمد -حين استخلف- ضد التميمى والتقى الجيشان قرب الأهواز وانتصر الخارجى، كما زحف فى الوقت ذاته يعقوب بن ليث على كرمان واستولى عليها ثم زحف على فارس واستولى عليها هى الأخرى سنة 253 هـ وولى أمور كرمان أخوه عَمْرو الذى لم يكد يُهْزم أمام الموفق فى فارس سنة 274 هـ حتى ارتد إلى سيستان غير أن الصلح تم بينه سنة 280 هـ وبين المعتضد الذى استعمله ثانية على كرمان وفارس وسيستان، ثم خلفه حفيده طاهر الذى ظل فى ولايتها حتى انتزعها منه "السُّبْكرى" الذى هزمه جيش عباسىٌ سنة 298 هـ، ومع كل هذه الاضطرابات نجد أن أبا جعفر أحمد ابن محمد بن خلف بن ليث الصفارى
يجمع الخراج من كرمان لكن على يد عسكر أرسلهم إليها لهذا الغرض كانت الدولة السامانية تعانى فى هذا الوقت متاعب الفتنة فقد قام واحد من أمراء نصر بن أحمد واسمه "أبو على بن محمد الياس" واستولى على نيسابور فلما استردها منه نصر سنة 320 هـ مضى "محمد بن إلياس" إلى كرمان واستولى عليها وتولى حكومتها غير أنه لم تكد تمضى سنتان حتى أخرجه منها "ماكان بن كاكى"، واستولى عليها باسم السامانيين، ثم ترك "ماكان" الولاية سنة 323 هـ ليحارب فى "جُرْجان" واضطربت الأحوال فى مدى عام واحد اضطرابا شديدًا هناك وكان جذب وشد من بين أطراف شتى متنازعة متقاتلة انتهت بعودة محمد بن إلياس إلى كرمان واعترافه فى خطبة الجمعة بالسامانيين الذين بعثوا إليه برايتهم وبخلعة الولاية، وأيد ذلك الخليفة "المطيع"، على أن المنازعات شبت بين محمد بن إلياس وبين أولاده واضطر أخيرًا للتخلى عما بيده "لليسع"، وعاد عضد الدولة فاستولى على عمان وهاجم كرمان وسقطت "بردسير" وهرب اليسع إلى خراسان وأنعم الخليفة بولاية كرمان على عضد الدولة الذى ولاها من قبله لولده أبى الفوارس الذى عرف فيما بعد بشرف الدولة، وعاد عضد الدولة إلى شيراز، وجدّت أحداث ومنازعات بين أولاد ابن إلياس الذين كان عهدهم عهد اضطرابات وقلاقل وكان من نتائجها قَطْع الجباية والخراج عن الحكومة وبعد موت عضد الدولة سنة 372 هـ أخذ أبناؤه يتقاتلون فيما بينهم واضطربت الأمور وتمكن السلاجقة بعد نصف قرن من الزمان من هزيمة مسعود فى وقعة "دندا نقان"، كما أرسل طغرل بك جيشًا لغزو كرمان ولكن رده على أعقابه "أبو كاليجار" سنة 434 هـ ولقد اشتهر سلاجقة كرمان بالعدل والاهتمام بالرعية، كما عنى بعضهم بتأمين الطرق وسلامة المسافرين وإقامة صهاريج المياه، ويعد كل من "توران شاه بن قاوورد" وأرسلان شاه بن كرمان شاه وزوجته "زيتون خان" ومحمد بن أرسلان شاه من أعظم من اهتموا بالعمارة فقد أسس محمد بن أرسلان شاه مكتبة بجامع
توران شاه كان بها خمسة آلاف كتاب فى شتى فنون المعرفة، كما كان بعض الحكام السلاجقة رعاة للعلوم الدينية حتى أن العلماء كانوا يأتون من شتى الأرجاء إلى كرمان فى عهد ارسلان شاه بن كرمان، وأجرى ولده محمد النفقة على الفقهاء حتى أن أرباب الحرف كانوا يرسلون أبناءهم إلى كرمان لدراسة الفقه، ولم يقصر بعض كبار رجال السلاجقة. فى تشجيع العلوم الدينية، فأنشأ الأتابك مؤيد الدين ريحان كثيرًا من المؤسسات لهذا الغرض وأوقف الأوقاف للصرف منها عليها، غير أنه يلاحظ أن سلاجقة كرمان كانوا يؤثرون الحياة إلى جانب قطعانهم الحيوانية خارج المدينة فيقضون سبعة أشهر من السنة معها فى مراعيها، وكان مركزهم المالى طيبًا حتى نهاية حكمهم، ولم تضطرب قيمة العملة، وربما ساعد على ذلك ازدهار التجارة وكانت "قمارين" حتى نهاية عهدهم موضعا يقصده الناس من الأناضول، وكان لبعض الوزراء والأمراء إقطاعيات واسعة وكان مؤيد الدين ريحان يمد التجار بأموال من عنده يتاجرون له بها، وكان معاش الجند و"حشم" الوالى يتبادلون رواتبهم من الحكومة المركزية كما يقول المؤرخ أفضل الدين فى تاريخه، وكان الجيش يتألف أساسًا من الترك وإلى جانبهم بعض الديلم.
ولم يكن عدد جند الحكام والأمراء كبيرا. ولما تولى توران شاه أمر كرمان سنة 477 هـ، قام بشن حملة على فارس ثم خلفه ولده "إيران شاه" سنة 490 هـ الذى أظهر الميل للإسماعيلية فأفتى شيخ الإسلام القاضى جمال الدين أبو المعالى بموته ففرّ ولكنهم أمسكوه وأعدموه وحل محله على العرش أرسلان شاه بن كرمان شاه سنة 495 هـ مُؤيَّدًا من قبل الأمراء والقضاة، وامتد حكمه اثنتين وأربعين سنة، ووصلت الدولة فى عهده إلى حالة بلغت فيها الدولة أوج قوتها، وقد عين "شحنة" لحفظ عثمان وحاول مدّ نفوذه على فارس وشهدت أخريات حكم أرسلان شاه نزاعًا بينه وبين علاء الدولة والى يزد وتعقدت الأمور وانتهى الأمر أخيرًا بقيام محمد بن أرسلان شاه فى سنة 537 هـ بتنحية أبيه
متعللا بشيخوخته وحل هو مكانه رغم أنه كان هناك "ولى عهد" وهو أخوه "كرمان شاه" ومن ثم حاول الأخ الثالث سلجوق شاه الاستيلاء على المملكة فلم ينجح ففر إلى عُمان حيث ظل شوكة تقض جنب أخيه محمد.
وعلى أية حال فقد ازدهرت كرمان تحت حكم محمد بن أرسلان شاه الذى مدّ سلطانه خارج كرمان، وقد خلفه بعد موته ولده طغرل شاه الذى تدهورت الأخلاق فى عهده بيان ظلت كرمان تنعم بالأمان والرفاهية على أن مقاليد الأمور كانت فى الواقع فى أخريات عهد طغرل شاه فى أيدى الاتابك مؤيد الدين ريحان الذى ولىّ على العرش بهرام شاه عند موت أبيه طغرل شاه فعارضه أخوه أرسلان بتأييد من الأتابك قطب الدين "محمد بن بزكش"، واضطربت الأمور ومرت بكرمان فترة منازعات بين الأخوة شهدت بعضهم يقاتل بعضا ويلتمس التأييد من خارج البلد وظل الحال على هذا المنوال حتى سنة 574 هـ حين أخرج سلطان شاه الغُز من سرخس وشبت الفتن بين الكثيرين وكان ظهور "الغز" على مسرح الأحداث مؤديا إلى مزيد من الأحداث الدامية والحروب الداخلية حتى لقد حاول بعضهم أن يقرأ فى خطبة الجمعة اسم الأميرة السلجوقية "خاتون كرمانى" ابنة طغرل، ولكن الأمير "ملك دينار" استطاع أن يؤكد الأمر لنفسه فى إقليم جيرُفت ويذكر اسمه فى الخطبة، وتحارب مع السلاجقة. وتميز عهد "الغز" بالتدهور والبؤس الذى أصاب أهل كرمان وظلت الأمور تزداد سوءًا يوما بعد يوم حتى استطاع الأميران قطب الدين مبارز ونظام الدين محمود أن يهزما "الغز" سنة 579 هـ لكن ذلك لم يضع خاتمة للاضطرابات حتى ظهر آل زنكى (وهم غير بيت عماد الدين وابنه نور الدين محمود) فلم يكن عهدهم أحسن مِن عهد مَن سبقوهم وحاربهم بل كان تمهيدا لعصر المغول، وشهد النصف الثانى من القرن السابع الهجرى جلوس الأميرة "تِيرْكين خاتون" زوجة قطب الدين على عرش كرمان وكانت ترجع فى أمورها إلى هولاكو وطال حكمها مدة ربع قرن من الزمان نعمت فيها كرمان بالرخاء وعاد إلى كرمان كثير ممن كان قد رحل عنها من علمائها وتجارها واطمأنت النفوس
لكن نافسها أحدهم وحسدها فتعقدت الأمور من جديد وزادت هى من اتصالاتها بالبلاط المغولى وأرسلت من أجل ذلك ابن زوجها جلال الدين صرغتمش بن قطب الدين إلى معسكر "أبقا" التتارى الذى وضع اسمه بعد عودته من هذه الرسلية فى الخطبة إلى جانب اسمها وآل الأمر إلى تشكى كل منهما إلى البلاط المغولى مما أدّى إلى تدخله تدخلا راعى فيه مصلحته الذاتية، وأيّد صرغتمش فعاد إلى كرمان سنة 681 هـ ودخلها دون مقاومة، وترتب على ذلك اضطراب أحوال كرمان الداخلية بصورة مزعجة وبعد أحداث كثيرة لم يكن منها شئ فى صالح كرمان انتهى الأمر بدخول كرمان تحت حكم ولاة من المغول حتى سنة 740 هـ حين استردها مبارز الدين محمد مظفر الذى كان متزوجًا من "قطلغ خان" ابنة شاه جهان بن صرغتمش، وحينذاك قام قطب الدين بن جلال الدين بن قطب بمحاولة فاشلة لانتزاعها من يد مبارز الدين وظلت "بام" فى هذا الصراع ثابتة بفضل واليها أبى سعيد مدة أربع سنوات خضعت بعدها، وكانت إمبراطورية الأيلخانات فى هذا الوقت قد مزقتها الحروب والصراعات الداخلية، وقام أبو اسحق بن محمود شاه والى أصفهان بمهاجمة مدينة سيرجان وتدميرها ولم يبق منها سوى قلعتها وبعد أن واصل زحفه على كرمان عاد إلى شيراز دون أن يشتبك فى القتال مع مبارز الدين وارتد إلى فاس، وحدث فى هذا الوقت أن عاث فسادًا فى جنوب الولاية جماعات من أصل مغولى، فخرج مبارز الدين يصدهم، فلم يوفق التوفيق الذى يرجوه، ولكنه نجح مما بسط نفوذه على فارس وعهد بولاية كرمان إلى ولده شجاع الدين على الرغم من أنه لم يكن دائم الإقامة فى الولاية بسبب مشاركته فى الحملات الحربية على فارس وعراق العجم، ثم عاد أبوه مظفر الدين إلى كرمان لفترة بسيطة لتأديب جماعات ممن يثيرون الاضطرابات فيها إلا أن وفاته سنة 765 هـ (1364 م) تلتها فترة صراع مرير فقد ثار فى كرمان الوالى "بهلوات أسد" الذى ارتد إلى داخل المدينة بعد قتال عنيف بينه وبين شاه
شجاع الذى ظل مقيما على محاصرته له بضعة أشهر حتى أرغمه على الاستسلام (وذلك فى سنة 776 هـ) ولما مات شاه شجاع سنة 786 هـ ذهب ولده سلطان أحمد إلى كرمان واليا عليها فقرأ خطبة الجمعة باسم تيمور، كما وفد إلى معسكر سنة 789 هـ فأكرم تيمور أخيرا فى التغلب على المظفرين فى كرمان وطردهم من البلاد وذلك سنة 795 هـ (1393 م) وولى واحدا من قبله على كرمان، لكن ذلك أدّى إلى انتشار الاضطرابات بها، ونجح أحدهم واسمه "ادجو بهادر برلاس" فى حكمها واعترف بشاه رخ بعد موت أبيه تيمورلنك سنة 807 هـ (= 1405 م) إلا أن الفوضى سادت كرمان بسبب المنازعات الناشبة بين الأمراء خلفاء تيمور مثل سعيد سلطان ابن ادجو وسلطان أديس وتدهورت الزراعة، ويشير كتابه زيرة التواريخ أنه ما من مكان مرَّ به جيش ميرزا اسكندر (المتوفى سنة 818 هـ) إلا وأصاب الدمار ما به من عمارة أو زرع، كما أن كتاب "الجغرافية" يذكر أن اسكندر ميرزا كان يخرب كل شئ فى طريقه فيهدم المبانى ويجتث الأشجار ويبعث بعسكره إلى شتى النواحى حتى لم يبق مكان ما فى كرمان وفيه حجر على حجر، ولما كانت سنة 819 هـ (= 1416 م) حاصر الجيش التيمورى أولبسا وشهدت السنة التالية مجاعة ضارية فى كرمان وأزهقت أرواح كثيرة وحينذاك أرسل شاه رخ واحدًا من عنده هو "سيد زين العابدين" لاصلاح الزراعة وبذل جهدا كبيرًا حتى أن غلة القمح فى السنة الأولى من وجوده أنتجت 250.000 طن، وخفّض كثيرًا من الضرائب وأسقط ما على الفلاحين من الديون، إلا أن الفوضى ما لبثت أن عمت ولاية كرمان عقب وفاة شاه رخ سنة 850 هـ (= 1447 م) مما حمل جهان شاه بن قره يوسف القرا قوينلى على إرسال ولده أبى الحسن قاسم ميرزا للاستيلاء على الولاية، لكن لم يؤد ذلك إلى تحسن كبير (انظر فى ذلك كتاب الديار البكرية لأبى بكر التهرانى)، وزاد الأمر سوءا فرض الضرائب الثقيلة على الغلات الصيفية والشتوية كما جبيت من الفلاحين ضرائب لا مبرر لها، واغتصبت الحكومة
كثيرًا من الممتلكات كما استولت على دخول الأوقاف لدفع رواتب العسكر، وكان أبو القاسم ميرزا قد أتاح لجنده أن يرتكبوا كل ما شاؤوه من الآثام، ولقد ظلت الفوضى ضاربة بأجرانها فى كرمان حتى نجح أق قوينلو فى حكم البلاد، ثم تولى حكم كرمان فترة من الوقت "زينل" ثالث أولاد "اوزون حسن" وآلت الولاية فى سنة 909 هـ (= 1503 م) إلى يد شاه إسماعيل، ثم غزاها بعد ست سنين من ذلك الأبكيون وكابدت البلاد منهم متاعب شتى، وإذا أخذنا بما يذكره المؤرخ "وزيرى" فإن أول وال لكرمان من الصفويين هو محمد خان استاجْلو، كما أن الولاية ظلت من سنة 930 حتى 1000 هـ (= 1524 - 1592 م) يحكمها ولاة من قبيلة "الأفشر"، وأصبحت كرمان تعد الولاية الثالثة عشرة من ولايات الصفوين وهذا ما يقرره كتاب تذكرة الملوك وكتاب دستور الملوك، وبقيت كرمان من 1005 حتى 1031 هـ (= 1596 - 1621 م) تحت حكومة "جنج على خان" رغم أنه كان كثير التغيب عن الولاية لوجوده على رأس جيش كرمان فى حملاته إلى جانب الشاه، على أنه تمكن فى خلال ولايته من بناء عدد كبير من الخانات والأسواق فى مدينة كرمان ذاتها وفى غيرها من الأماكن.
ولقد كابد الكرمانيون خلال حكم شاه سلطان حسين كثيرًا من الهجمات التى شنها عليهم "البلوشيون"، مما حمل الكرمانيين على طلب النجدة من محمود الأفغانى فلبى استغاثتهم وجاء إلى المدينة وأقام بها تسعة أشهر وذلك سنة 1133 هـ ولم يحمله على العودة إلى "قندهار" إلا اضطراب الأمور بها، لكنه عاد فى العام التالى غير أن الأهالى لم يرحبوا بمجيئه هذه المرة وتمثل ذلك فى رفضهم السماح له بدخول البلد فحاصر قلعتها فسقطت فى يده، فاسرف فى النهب ثم واصل زحفه إلى أصفهان، وتمكن ميرزا سيد أحمد (الذى كان من ذرية كبرى بنات شاه سليمان) من الاستيلاء على كرمان ولقب نفسه. بالشاه، ثم ذهب إلى فارس ولكنه أصيب بالهزيمة فعاد إلى كرمان وتابع زحفه إلى بندر عباس فاحتلها احتلالًا مؤقتًا، وانتهى به الأمر
أخيرا إلى الوقوع فى أيدى الأفغان فقتلوه سنة 1140 هـ (= 1728 م)، ثم غادر الأفغان كرمان بعد أن هزم نادر شاه الأشرف سنة 1141 هـ عند اصفهان ثم استولى خدا مراد خان زند سنة 1172 هـ على كرمان التى نعمت فى أيام حكمه ببعض الراحة وتخلصت من بعض المتاعب التى كانت تلقاها زمن الأشرفيين، ولم تتأثر كرمان بالمنازعات التى حدثت بين أسرة زند والفاجاريين حتى إذا كانت سنة 1205 هـ زحف "لطف على" آخر أسرة زند على كرمان التى قبل وإليها الرضوخ له لكنه رفض الذهاب إليه فى معسكره مما دفعه لحصار البلد إلا أن قلة الإمدادات وقلة ما بين يديه من المئونة أرغمه على رفع الحصار عنها، غير أن المعاونات التى أمدّه بها بعض خانات "نَدْماشير" أغرته بالعودة إلى كرمان فهاجمها واستولى عليها سنة 1208 هـ، كما زحف عليها فى الوقت نفسه "آقا محمد" وحاصرها، وأرغمت المجاعة سكانها على الاستسلام له بعد بضعة شهور من محاصرته لها وفتحت له أبوابها يوم 29 ربيع الأول 1209 هـ (= 24 أكتوبر 1794 م) وتلى ذلك حدوث مذبحة مروّعة، وهرب "لطف على" لكن تمكن البعض من إمساكه وسلموه إلى "آقا محمد، على خان" ثم تولى حكومة كرمان "آقا محمد تقى بن آقا على" وظل فى ولايتها حتى وفاة "آقا محمد خان".
وجدّت أمور خاف منها الناس فولى أمر البلد حينذاك إبراهيم خان ظهير الدولة سنة 1218 هـ (1802 م) وظل فى الحكم حتى مات سنة 1240 هـ (1824 م)، وكان إبراهيم هذا هو أول أمير من الفاجاريين يعيّن حاكمًا لكرمان ونعمت الولاية فى أيامه ولأول مرة بفترة من الأمان والطمانينة، وأصلح القنوات وشجع التجارة والزراعة، وعمل إلى إحياء حركة العلوم فاستقدم العلماء من البحرين وخراسان وفارس وغيرها من البلاد، كما شنَّ حملة ناجحة على "بلوشستان" إلا أنه لم يقدر لهذا الوضع الطيب أن يستمر طويلا فقد آن له أن ينتهى بموته، وتولى ولده عباس قُلى خان فشهدت