الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الروسية من جورجيا. وشرع الأغا محمد قاجار ثانية فى غزو ما وراء القوقاز، لكنه أُغتيل بالقرب من شوشه (15 يونيو 1797 م). والملك المُسِن إريكل فى 12 يناير 1798 م. وخلفه ابنه جيورجى الثانى عشر. وكان فتح على قاجار مشغولًا مع منافسيه على الحكم. ومن كارس، أرسل جيورجى قوة قوامها 2000 رجل تحت قيادة ابنيه؛ لكن المكائد ومشاكل الحكم فى العائلة المالكة جعلت موقفه غاية فى الصعوبة. وفى سنة 1799 م أرسل سفارة إلى سان بطرسبرج وكان هدفها كالتالى: أن جورجيا سوف لا توضع تحت الحماية، ولكن تحت سيطرة الإمبراطور الكاملة مثل باقى المقاطعات الروسية. فى مقابل أن يكون العرش منحة للعائلة المالكة.
وفى 18 ديسمبر 1800 م، وقع الأمبراطور بول الأول البيان الرسمى بضم جورجيا، والذى أُعلن يوم 18 يناير 1801 م بعد وفاة جيورجى وتوفى بول الأول يوم 11 مارس. وفى أبريل أرسل الجورجان استعطافًا للإمبراطور الكسندر الأول ليختار لهم أميرًا حاكمًا بلقب قائم المقام الامبراطورى وملك جورجيا. وفى يوم 12 سبتمبر 1801 م صدَّق بول الأول على أن كارتلى - كاخيتى أصبحت منذ ذالك فصاعدًا جزءًا مكملًا للأراضى الإمبراطورية الروسية. أما بقايا افراد البيوتات الجورجية الحاكمة فقد تم إبعادهم إلى روسيا.
جورجيا تحت الحكم الروسى:
لقد سهَّل تملك روسيا لجورجيا توسع قواتها العسكرية فيما وراء القوقاز. وكان على قائد الفرق العسكرية الروسية فى القوقاز آنذاك الأمير تسيتسيانوف Tsitsianov، أن يحتفظ بالمكاسب الروسية الأخيرة ضد عدة أعداء صرحاء، بما فيهم قبائل داغستان المسلمة والخانات المسلمين لكل من باكو وشاكى وجانجا فى آذربيجان الذين كانوا يتبعون فارس
من الناحية الاسمية، فقام بإعلان الحرب على أعدائه ففى يناير 1804 م استولى على جانجا، وقتل حاكمها جواد خان الذى كان قد ساعد قاجار أغا محمد على غزو جورجيا وسلب تفليس سنة 1795 م. وتحول جانجا إلى اليزافتبول نسبة لزوجة القيصر اسكندر الأول إليزابث لكن تسيتسيانوف حين ذهب إلى باكو فى يناير 1806 م، قُتل فى معركة خاضها ضد القوات الفارسية المحلية، إلا أن حملة أخرى أُرسلت بعد ذلك فى نفس العام أدت إلى الاستيلاء على كل من باكو ودارباند Darband. وقد مارس الروس أيضًا ضغطًا على العثمانيين، فاحتلوا بوتى على البحر الأسود سنة 1809 م، كما احتلوا مدينة سوخوم قلعة فى أبخازيا (أفخازيا) سنة 1810 م كما احتلوا المركز الاستراتيجى لأبخازيا (أفخازيا) جنوب شرقى جورجيا سنة 1811 م، ولم يستسلم أمير أميريتى للروس إلا فى سنة 1810 م بعد قتال عنيف.
وفى غضون ذلك، أصبح حكم الروس فى جورجيا بسرعة مكروهًا، ووقعت ثورات جورجانية كثيرة ضده فى سنة 1812 م، حين أُعلن الأمير الباجراتى ملكًا على جورجيا، قبل قمع الثائرين تمامًا عليها. على أنه تم توقيع صلح عام بين الأطراف المتحاربة فيما وراء القوقاز وأعادت معاهدة بوخارست فى سنة 1812 م بوتى وأخالتلاكى Akhaltalki للعثمانيين. ولم يعد للمعاهدة التى عقدت سنة 1807 فى فينكينشتين، والتى اعترف فيها الإمبراطور نابليون بونابورت بحقوق فارس على جورجيا، أى تأثير عملى، وفى معاهدة جوليستان سنة 1813 م أكدت روسيا ملكيتها لجورجيا، مع داغستان وخانيات المسلمين: قراباخ وجانجا وشاكى وشروان ودارباند وباكو وقوبا. وبالطبع لم يكن الفرس راضين عن هذه الخسائر الكبيرة التى فقدوها فى مقاطعات شرق القوقاز التى كانت تابعة لهم منذ زمن طويل، وفى سنة 1826 م، انتهزوا فرصة وفاة الكسندر الأول ومؤامرة ديسمبر فى
سان بطرسبرج، وقاموا بغزو جورجيا وقراباخ. ورغم ذلك استطاع الجنرال باسكيفتش Paskevich درء أخطار هذا الهجوم وبمعاهدة تركمانسى سنة 1828 م، وتثبيت الحدود الروسية مكانها واستُبعد النفوذ الفارسى عن القوقاز نهائيًا. ومن النتائج المهمة لذلك أن فارس قد حُرمت تمامًا من الاتصال المباشر مع مسلمى داغستان. ووجه باسكيفيتش بعد ذلك اهتمامه للجبهة التركية فى الغرب، آملًا فى الاستحواذ على المقاطعة الجورجانية السابقة سامتسخى، وتوغلت القوات الروسية حتى إرزروم (أرض روم)؛ ولقد قدَّمت معاهدة أدريانوبل سنة 1829 م سامتسخى لروسيا كذلك موانئ البحر الأسود بوتى وأنابا، وبذلك انقطع على العثمانيين خط عملياتهم المباشرة مع قرقيسيا Circassiq وشمال غرب القوقاز.
ولقد إنزعج المسلمون من توغل روسيا فى القوقاز، وتجلى ذلك فى الثورة التى قامت سنة 1829 م فى شرق القوقاز التى عُرفت بحركة "المريد" بقيادة القاضى الإمام المُلا شامل الذى أصبح بعد ذلك الإمام "شامل"، الذى نجح فى احتجاز أعداد كبيرة من قوات الروس تحت يده لمدة ربع قرن. كذلك اندلعت ثورات أخرى ضد روسيا فى غرب القوقاز، فى قرقيسيا، بتشجيع تركى وإنجليزى. وخلال حرب القرم (1854 - 1856 م)، كانت جورجيا اعدة الهجمات على تركيا، وقد نجحت القوات التركية فى احتلال قارص سنة 1855 م؛ وفى نفس الوقت تقدم جيش تركى تحت قيادة عمر باشا ونزل فى أبخازيا وغزى منجريليا.
وقد أصاب الركود جورجيا فى العقود الأولى للحكم الروسى، وقد كان السبب الرئيسى للاستياء منع استقلال الكنيسة الجورجية سنة 1811 م كمركز إشعاع الولاء للقومية الجورجانية، وتحدى ضمانات المعاهدة الروسية. الجورجية لسنة 1783 م، التى نصت على دمج الكنيسة الجورجية بالقوة مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، مع إبعاد البطريرك الكاثوليكى أنطونى
الثانى إلى سان بطرسبرج. وقوّضت الإدارة الروسية الحقوق الإقطاعية لنبلاء جورجيا، واستاء أهل جورجيا من كثرة الضرائب. وفى سنة 1830 - 1832 م تجمع الجورجان، حول بعض الأشخاص المهمين مثل الأمير الكسندر باجراش، المُبعد إلى فارس، وقاموا أخيرًا بمحاولة دحر الحكم الروسى فى جورجيا؛ ولكن حين فشلت هذه المحاولة، انتهت كل آمال أسرة باجرات فى العودة إلى الحكم، وغرقت جورجيا فيما أطلق عليه د. م. لانج "حالة إذعان مخدَّرة" وخلال فترة تولى الكونت ميشيل فورونتشوف نيابة الملك فى جورجيا (1845 - 1854 م) تمتعت جورجيا أخيرًا لعقدين أو ثلاثة بقدر من الرخاء، مع تشجيع تعليمى وثقافى وتوسع تجارى، مع بدايات التصنيع فى إقليم تفليس كجزء من الثورة الصناعية البارزة فى روسيا ككل خلال حكم الإمبراطور نيقولا الأول (1825 - 1855 م). وفى عهد حكم فورنتسوف زار جورجيا عميد الدراسات الجورجية فى الغرب "بروسيت"(1802 - 1880 م) واشتغل هنالك تحت رعايته وتشجيعه. ولقد عانت طبقة النبلاء الجرجانية القديمة من حالة تدهور عام فى هذه الفترة الانتقالية، وصاحبتها حالة نفور متزايد من جانب الفلاحين.
وأصبحت أطراف جورجيا النائية، التى كانت قد استبقت لنفسها بعض الحكم الذاتى، الآن تحت الحكم الإمبراطورى المباشر. وفى سنة 1857 م، أُستبعدت نائبة الملك، كاترين داديانى وعُزلت، وفى سنة 1867 م أجبرت وريثها الشاب، نيقولا دادايانى أن يتنازل عن حقوقه فى الحكم لروسيا.
وفى أبخازيا (أفخازيا)، المنطقة التى نصف سكانها مسلمون والنصف الآخر مسيحيون، حيث يتطلع المسلمون فيها لمساعدة العثمانيين، أُجبر أميرها ميشيل شارقا شيدز أن يتنازل عن الحكم بقوة السلاح سنة 1864 م، مما قاد سريعًا
للاستعباد الأخير القائم حتى اليوم للجراكسة (الشراكس) وهجرة حوالى 600.000 شركسى مسلم إلى الأراضى العثمانية بدلًا من العيش تحت الحكم الروسى.
وفى سنة 1864 و 1865 م حُرر الرقيق فى جورجيا، وفى منجريليا وأبخازيا وسفانيتى.
وهنالك فترة أخرى لحكم مستنير هى فترة حكم الدوق الأعظم ميشيل، أخو الكسندر الثانى، حاكم القوقاز (1862 - 1882 م)، الذى استطاعت روسيا بفضل قوة إقطاعه أن تستعيد خلال الحرب مع تركيا 1877 - 1878 م مناطق جوهرية لمقاطعة جورجيا القديمة التى كانت تحت السيطرة العثمانية منذ القرن السادس عشر. وبمقتضى إتفاق سان ستيفانو العقيم ومؤتمر برلين (1878 م)، حصلت روسيا على ميناء باطوم، وواصلت حملاتها على قلعة قارص المهمة وأردهان، مُشرفة على الطرق فى شرق الأناضول، (لم تستعد تركيا هذين الإقليمين الأخيرين تمامًا حتى سنوات 1920 و 1921 م). ولقد تميزت سنوات الحكم الأخيرة للدوق برسوخ الشعور بالرابطة السلافية التى ميزت السياسة الإمبراطورية فى ذلك الوقت والتى كانت نذير شؤم للأقليات غير الروسية فى الإمبراطورية، والتى شوهدت على سبيل المثال فى الخطر المفروض على استخدام الجورجيين للتدريس فى معهد تفليس اللاهوتى، المركز الرئيسى لتدريب الجورجيين على الكهنوت ومركز الإشعاع للقومية الجورجانية والمعاداة للروسية (وقد كان جوزيف جقاشقيلى ممن درس فيه فيما بعد وهو المعروف فيما بعد بستالين).
ولقد كان ظهور حركات الفوضوية والشعبية فى جورجيا شكلًا من أشكال رد الفعل الثقافى والصحوة فى تلك الأيام من سنة 1870 م فصاعدًا كذلك مع حركة الماركسية، المعروفة باسم "المجموعة الثالثة"، التى كان أحد قادتها
نوى زوردانيا، رئيس جمهورية جورجيا المستقلة (1918 - 1921 م) ولقد كانت نهاية الرق وقيام الملكيات الإقطاعية فى جورجيا، وتوسعة الطرق وصناعات إنتاج الزيت فيما وراء القوقاز أماكن مثل باكو وباطوم وتفليس وكوتيسى، مما خلق ظروفا موافقة لانتشار هذه الحركات، التى استهدفت فى المقام الأول الحكومة الروسية الملكية.
ولقد تلت ثورة 1905 م الثورة الكبرى التى سبقتها سنة 1902 م وقام بها المزارعون الكادحون فى جوريا فى جنوب جورجيا، وفى سنة 1905 م نفسها، نظم الجورجيون الماركسيون إضرابات ولجان ثورية. ولقد لفت القمع الروسى وقوات الكوساك نظر الغرب لمطالب الجورجان كأمة، وشوهد ذلك مثلًا فى بريطانيا بتأسيس لجمعيات من خلال مجهودات العلماء الجورجان أوليفر ومارجورى واردروب لجمعية أصدقاء جورجيا التى عملت فى خط موازٍ لجمعيات ى. ج. بروان الدستورية الفارسية.
وخلال الحرب العالمية الأولى، تمركز الجورجيون المهاجرون فى وسط أوربا، تحت رعاية الألمان، وفى سنة 1915 م تكوَّن الفيلق الجورجانى ليحارب على الجبهة الساحلية للبحر الأسود. وفى الحرب الروسية - التركية فى غرب القوقاز، حارب المسلمون الجورجان إلى جانب العثمانيين، فى حين انضم الأرمن للروس. وبسقوط حكومة تساريست فى أبريل 1917 م، اكتسب المنشفيك القوة، ولكن تحطم الجيش الملكى سمح لتركيا بأن تستعيد مستعمراتها فى شرق الأناضول وأن تتقدم إلى ما وراء القوقاز، منتقمة من الأرمن مقابل سبق قتل الأرمن للمسلمين. ولقد رفض المسلمون فى آذربيجان أن يواصلوا القتال ضد تركيا وبعد أن انفصلوا عن روسيا نفسها أعلن مسلمو آذربيجان مع بلاد ما وراء القوقاز من 12 أبريل 1918 م أعلنوا أنفسهم جمهورية فيدرالية مستقلة، شاملة جورجيا المسيحية وأرمينيا وآذربيجان الإسلامية. ولقد ضغط العثمانيون لرد مقاطعة فى
جورجيا كانت قد فقدتها لصالح روسيا، وانتقمت لذلك باحتلال باطوم.
ولقد تسببت قوى خارجة آنذاك فى تقسيم جمهورية ما وراء القوقاز إلى ثلاثة أقسام أساسية، وفى 26 مايو 1918 م قامت جمهورية جورجيا المستقلة، تحت الحماية الألمانية؛ ووقع الصلح بين جورجيا وتركيا فى يونيو، مع استرداد تركيا لباطوم وقارص وأدرهان وأخالتسيخى وأخالكالاكى. ومنذ عام 1918 م حتى 1921 م كان الحكم فى جورجيا اشتراكى ديمقراطى ورأس الحكومة زوردانيا، وفى هذه الفترة زاد بتلور القومية الجورجية، (وفُتحت أول جامعة جورجية فى تفليس سنة 1918 م). وفى هذه السنة، حلت القوات البريطانية فى جورجيا محل القوات الألمانية، على أن يُصبح أوليفر واردروب المندوب البريطانى فى جمهوريات ما وراء القوقاز الثلاث، على أن تكون قاعدته تفليس. وفى 27 يناير 1921 م، اعترفت فرنسا وبريطانيا بجورجيا دبلوماسيًا كدولة مستقلة. على أن الدولة الجديدة كانت مهددة، فكان عليها أن تحارب ادعاءات الأرمن فى أراضى جورجيا، وأن تحارب القوات التركية فى الجنوب، وفوق كل ذلك، أن تحارب البلشفيك (الروس الشيوعيين). وفى سنة 1921 كان البلشفيك يهددون تفليس نفسها، ولقد سقطت بعد مقاومة بطولية فى 25 فبراير وتعرضت لنهب مخيف على يد الجيش الأحمر، ولقد هرب زوردانيا مع حكومته بالبحر إلى استانبول.
ولقد قاست جورجيا تحت حكم السوفيت الحتمى من تجدد النعرة القومية لروسيا العظمى وللامبريالية. وللعقدين التاليين أو أكثر، وحتى سنة 1953 م، رزحت جورجيا تحت قهرستالين وتابعه بيريا، الذى كان نفسه من منجريليا والذى مارس سلطات دكتاتورية فيما وراء القوقاز سنة 1932 - 38. وحتى سنة 1936 م، كانت جورجيا محرومة من استقلالها