الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد بنى فى الشرق حى للطبقة العاملة يعرف بحى سيدى سحنون كذلك بنى حى آخر وهو عبارة عن مجموعة من 400 فيللا تخص الطبقات الأعلى ويعرف باسم "المنصورة".
وإذا استثنينا الجامع الكبير (أى جامع القيروان الشهير) فإن "جامع الثلاثة بيبان" يعد واحدا من الآثار الرئيسية فى المدينة والذى تعتبر واجهته نمودجا رائعا للعمارة فى عصر الأغالبة، وقد أمر بإنشاء هذا الجامع محمد بن خيرون المعافرى الأندلسى فى سنة 252 هـ/ 866 م، ولكن حدثت به بعض التغييرات فى القرن 9 هـ/ 15 م.
ومن الآثار الأخرى الصهريج الأغلبى [خزان أو ماجل وكان يوجد بالقيروان 15 ماجلا على نحو ما ذكر البكرى] وهو قائم عند باب تونس، كما توجد زاوية سيدى عبيد الغريانى من القرن 8 هـ/ 14 م وزاوية سيدى الصاحب التى كانت فى الأصل ضريحا بسيطا شديد القدم يضم رفاة أحد صحابة الرسول [صلى الله عليه وسلم] وهو أبو زمعة * البلوى، وفى نفس الموضع أمر حموده بك المرادى ببناء المبنى الحالى فى القرن الحادى عشر الهجرى (17 م) وكذلك زاوية سيدى عمر عبادة التى بنيت فى القرن 19 م.
1 - التأسيس
إن الفتوحات العربية، التى بلغت ذروتها فى فتح الأملاك البيزنطية، حرصت فى البداية على تجنب الطريق الساحلى.
وقد دخل الفاتحون البلاد عن طريق منطقة قسطيلية ومن هناك حاولوا الوصول إلى منتصف البلاد وشمالها تجنبا منهم للمرور بالساحل الشرقى وذلك لعدم خبرتهم فى فنون البحر كما تجنبوا كذلك الجبال فى الغرب التى يخشى منها دائما من الكمائن
(*) أبو زمعة البلوى واسمه عبيد بن أرقم، كان ممن بايعوا بيعة الرضوان ذات الأثر الكبير فى مسيرة الإسلام، وكان مقيما بمصر ثم رحل عنها إلى أفريقية فى غزوة معاوية بن خديج، وكان قد أمر أن يسووا قبره هناك فدفن فى ما عرف بالبلوية فى القيروان، انظر الإصابة لابن محمد، وأسد الغابة لابن الأثير. [د. حسن حبشى]
والهجمات المفاجئة ولذلك فإنه لم يكن هناك أى بديل سوى هذا الممر، أى ممر القيروان، الذى ينتهى فى منطقة قمونية.
وهذه المدينة [أى القيروان]، كانت فى الأصل قاعدة حربية، وكان الغرض من إنشائها أن تكون مركز دفاع عن البلد وسدا فى وجه المناورات القتالية التى يقوم بها الفاتحون.
ويعزى تأسيس هذه المدينة إلى عقبة ابن نافع، ولكن الواقع هو أن تأسيسها سار فى عدة مراحل وساهم فيه العديد من القادة العسكريين.
وبادئ ذى بدء نذكر أن واقعة سبيطلة (27 هـ/ 647 - 648 م) كانت سببا فى وقوع الأملاك البيزنطية فى يد عبد اللَّه بن سعد بن أبى السرح حيث تقهقر الروم إلى خط دفاعهم الثانى للدفاع عن مركز قيادتهم، وليس من المستحيل أو من غير المحتمل أن يقوم الفاتحون فى هذه المناسبة بشن غارات فى منطقة القيروان حين فرضوا ضرائب باهظة يجبونها من الأهالى [يقدرها البعض بألفى ألف وخمسمائة دينار فى حين يقدره البعض الآخر بثلاثمائة قنطار من الذهب].
ويشير ابن ناجى [معالم الإيمان فى معرفة أهل القيروان، والصحيح أن هذا الكتاب للدباغ المتوفى 696 هـ مع تعليقات لابن ناجى المتوفى 837 هـ] إلى أن هناك مسجدًا بالقيروان يعرف بمسجد ابن أبى السرح يبدو أنه بناه تخليدًا لرحلته البحرية.
وبدأت الأحداث بعد ذلك تتبلور عندما قام معاوية بن خديج بثلاث حملات متتالية على إفريقية فى أعوام 34 هـ/ 654 - 655 م، 41 هـ/ 661 - 662 م، 45 هـ/ 665 م.
وقد سلك ابن خديج فى حملاته الثلاث نفس الطريق الذى سلكه قبل ابن أبى السرح وهو الطريق الذى ينتهى عند قمونية أو القيروان حيث ضرب معسكره هناك. ويذكر ابن عبد الحكم (فتوح مصر والمغرب) أن ابن خديج قد استولى على حصون عديدة وغنم مغانم كثيرة كما أقام قيروانا قرب "القرن"، ويشير ابن عذارى (فى البيان المغرب) إلى أن هذا التأسيس كان فى
سنة 41 هـ/ 661 - 662 م. ويضيف المالكى (فى رياض النفوس) فيذكر أن ابن خديج قد "اختط مدينة عند القرن قبل تأسيس عقبة للقيروان وأقام بها مدة إقامته بإفريقيه. . . ". ويقرر (ابن ناجى) أن ابن خديج قام ببناء دور فى منطقة القرن وذلك عند عودته إلى قمونية وأطلق عليها اسم القيروان فى موضع كان غير مسكون ولا معمور (معالم الإيمان). وترجع تسمية هذا المكان بالقرن إلى تضاريسه، ومن المحتمل أن تلك التسمية تشير إلى التل الذى يبلغا ارتفاعه 171 م والذى يعرف الآن باسم بطن القرن والذى يقع فى منطقة سياحية على بعد 12 كم شمال شرقى مدينة القيروان على الطريق المؤدى إلى جلولاء.
ويرجع السبب الرئيسى لتأسيس مدينة القيروان إلى ارتفاع موقعها مما يوفر لها الحماية من الهجمات المفاجئة وأخطار الفيضانات. ولم يُقَدَّر للقيروان التى أسسها ابن خديج أن تلعب دورها كعاصمة لإفريقية ولكنها لم تدمر مرة أخرى، ومع ذلك فإنه عندما قدر لها أن تصبح عاصمة لم تعد تسمى باسم القرن.
وفى عام 124 هـ/ 742 م قام حنظلة بن صفوان والى إفريقية بضرب عكاشة الخارجى هناك، وقد ذكرت القرن مرة أخرى فى نهاية القرن الثانى للهجرة (بداية القرن 8 م) وبعد ذلك اختفت كل معالمها ولم يذكرها كل من البكرى والإدريسى، أما ياقوت الحموى (معجم البلدان) فأشار إلى القرن على أنها مجرد جبل فى إفريقية.
وفى عام 50 هـ/ 670 م قام معاوية مؤسس الدولة الأموية بإقرار ابن خديج فى ولايته لمصر ولكنه انتزع منه ولاية إفريقية وأقرها لعقبة بن نافع.
ولم يكن عقبة راضيا عن القيروان التى اختطها سلفه معاوية بن خديج وتتفق أغلب المصادر التاريخية (ومنها فتوح مصر والمغرب لابن عبد الحكم ورياض النفوس للمالكى والبيان المغرب لابن عذارى ومعالم الإيمان لابن ناجى) على أن عقبة خرج ومعه جمع من
الناس من بينهم عدد كبير من الصحابة [رضوان اللَّه عليهم] للبحث عن موقع جديد للمدينة حتى أتى موضع القيروان الحالية وكان واديا كثير الشجر، كثير القطف، تأوى إليه الوحوش والسباع والهوام. . . وركز رمحه وقال:"هذا قيروانكم. . . ".
وهكذا تم اختيار موقع المدينة الجديدة، وبادر عقبة على الفور ببناء الجامع ودار الإمارة، وقد قضى عقبة السنوات الخمس من ولايته الأولى فى الإشراف على البناء.
وجاء بعد عقبة أبو المهاجر دينار [55 - 62 هـ/ 674 - 681 م] الذى "نزل خارجا عن المدينة وكره أن يترك الموضع الذى اختطه عقبة ومضى حتى خلفه بميلين، مما يلى طريق تونس، فاختط بها مدينة وأراد أن يكون له ذكرها وأخذ فى عمرانها وأمر الناس أن تحرق القيروان ويعمروا مدينته. . . "
وأطلق على هذه المدينة الجديدة اسم "تَكِرْوان"، وقد كان اختيار هذا الموقع الجديد وإطلاق هذا الاسم البربرى عليها جزءًا من سياسة الدولة التى بدأها أبو المهاجر دينار للتقرب من زعماء البربر.
ولم يرض الخليفة عن تلك السياسة ولذلك رد عقبة إلى ولايته مرة ثانية فى عام 62 هـ/ 681 م وكان أول عمل قام به هو إعادة العاصمة إلى الموقع الذى سبق أن اختاره، ومنذ ذلك الوقت لم يتغير موقعها بأى حال من الأحوال.
ومن المؤكد أن موقع القيروان كانت تشغله من قبل مدينة رومانية أو بيزنطية إلا أنها قد اختفت، مثلها فى ذلك مثل العديد من المدن الأخرى، عقب الفتح الإسلامى، وقد أعاد العرب استخدام مواد البناء التى تخلفت عن تلك المدينة وكانت لا تزال بالموقع، ويمكن أن نشاهد أمثال هذه المواد المتنوعة فى الآثار الباقية فضلا عن المنازل الحديثة، وقد اكتشف بعض منها فى الجامع الكبير [جامع القيروان] خلال الترميم الحديثة التى أجريت بالجامع فيما بين عامى 1969 - 1972 م.
ويوجد فى شمال القيروان مكان يعرف بالأصنام وذلك لوجود العديد من
التماثيل التى رآها الفاتحون، بل إن (البكرى) يقرر أن مكان سوق الدرب كانت تشغله كنيسة، كذلك تتفق أغلب المصادر (ابن عبد الحكم، المالكى، البكرى، ابن ناجى، ياقوت الحموى) على أنه كان يشغل موضع القيروان مدينة قديمة تعرف باسم قونية أو قمونية.
وكان اختيار هذا الموقع لتقوم به القيروان مثارًا للجدل حيث يرى البعض أنه لم يكن هو الموقع الملائم للعاصمة ومن ثم فقد أسئ اختياره، ويأتى على رأس هؤلاء ابن خلدون ويشاركه نفس الرأى بعض العلماء المحدثين.
والواقع أن هذا الموقع لم يساء اختياره كما يعتقد، فكما سبق القول فإنه كان يشغل هذا الموقع مدينة قديمة ولذلك فإنه عندما أسست المدينة لم تصبح كسهل واسع خال من الشجر، وعلى الرغم من عدم وجود تغير مفاجئ فى المناخ فإن المستوطنين قد تحولوا إليها بصورة جديرة بالاعتبار. ويقرر (ابن عذارى) أنه عند تأسيس المدينة أمر عقبة بإزالة الأشجار فى حين أنه فى القرن 4 هـ/ 10 م يقول (البكرى)"ومن عجائب القيروان إنهم يحتطبون الدهر من زيتونها ليس لهم محتطب غيره وأن ذلك لا يؤثر فى زيتونها ولا ينقص منه" كما أن التربة كانت غنية جدًا بسبب الطمى [الغرين] الخصب لكل من واديى زَرُود ومِرْجلل.
ويكفى للتدليل عن حسن اختيار موقع المدينة من الإشاره إلى ما ذكره [كودل] بقوله "وكان اختيار المكان موفقا بل بلغ من التوفيق فى اختياره أن ولاة المغرب ومن خَلَفهم من الحكام المستقلين أقاموا بها زمانا طويلا، ولم ينتقلوا عنها إلا حينما اضطرتهم ظروف سياسية جديدة إلى ذلك، كما كان موقعها الحربى معروفا ملحوظ الأهمية: إذ كان الحاكم الذى يتخذ هذا الموضع مركزًا لأعماله يستطيع أن يرى العدو من بعيد ويتحرز من الغارات المفاجئة الكثيرة الحدوث عند البربر، وإذا أراد أن يطاردهم إلى هضابهم وجد الطريق مفتوحة أمامه إذ كان يستطيع بعد مسير بضع ساعات أن يصل إلى أعالى الهضاب عن طريق وادى زرود ووادى مِرْجِلل ومسالك